مقابر الأرقام.. لغز إسرائيلي يجسد انتهاكات ممنهجة ضد الفلسطينيين
بينما تستعد حركة حماس لتسليم جثامين أربعة محتجزين إسرائيليين كانوا في قبضتها منذ 7 أكتوبر، اليوم الخميس، في إطار المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في 19 يناير الماضي، يبرز ملف “مقابر الأرقام” للشهداء الفلسطينيين والعرب الذين تحتجز إسرائيل جثامينهم، دون الكشف عن هويتهم أو عددهم رسميًا، في انتهاك آخر للمواثيق الدولية والإنسانية.
وتشير إحصائيات فلسطينية إلى استمرار احتجاز مئات الجثامين في مقابر الأرقام وثلاجات الموتى الإسرائيلية، بعضها يعود لأكثر من أربعة عقود، مؤكدة أن العدد الحقيقي للجثامين المحتجزة قد يكون لغزًا، نظرًا لسياسة التعتيم التي تتبعها سلطات الاحتلال في هذا الملف الإنساني.
مقابر الأرقام
حملت “مقابر الأرقام” هذا الاسم لأن سلطات الاحتلال تتعمد دفن الشهداء الفلسطينيين فيها بطريقة سرية، محاطة بالحجارة دون شواهد، مع وضع لوحة تحمل رقمًا بدلاً من اسم الشهيد، في محاولة لطمس هويتهم وحرمان ذويهم من حق الدفن اللائق والزيارة.
وتؤكد تقارير هيئة الأسرى والمحررين الفلسطينية أن سياسة احتجاز جثامين الشهداء تمتد إلى بداية تأسيس دولة الاحتلال، في حين تصاعدت هذه السياسة بشكل ملحوظ بعد عام 1967، لتصل ذروتها في عام 2015 عندما أقرتها المحكمة العليا الإسرائيلية رسميًا، رغم عدم وجود أي سند قانوني محلي أو دولي.
ولفتت تحقيقات لصحيفة “معاريف” العبرية، إلى 6 مقابر رئيسية تستخدم لدفن الشهداء الفلسطينيين، أبرزها مقبرة “بنات يعقوب” الواقعة عند ملتقى الحدود الإسرائيلية-السورية-اللبنانية، والتي تضم نحو 500 قبر لشهداء فلسطينيين ولبنانيين، معظمهم سقطوا في حرب 1982 وما بعدها.
كما تضم المقبرة الواقعة بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن أكثر من 100 قبر، تحمل أرقامًا تسلسلية من 5003 إلى 5107، إلا أن السلطات الإسرائيلية تزعم أنها مجرد رموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر أخرى، وهي محاطة بجدار ولها بوابة حديدية، معلق فوقها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية “مقبرة لضحايا العدو”.
إضافة إلى مقبرة “شحيطة” التي تقع في قرية وادي الحمام، شمال مدينة طبريا الواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا، وغالبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار في الفترة من 1965 إلى 1975.
وفي الجهة الشمالية من هذه المقبرة، تصطف نحو 30 من الأضرحة في صفين طويلين، فيما ينتشر في وسطها نحو 20 ضريحًا، ويوجد بهذه المقابر نحو 349 جثة.
ممارسات غير إنسانية
وعن تفاصيل هذه المقابر التي تضم 665 جثمانًا، وصفتها “الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء” بأنها تفتقر إلى الحد الأدنى من المواصفات الإنسانية لدفن الموتى، إذ يتم دفن الجثامين في حفر رملية دون عوازل إسمنتية، وأحيانًا يتم وضع أكثر من جثمان في الحفرة نفسها، بغض النظر عن جنس المتوفى، مع وضع لوحة تحمل رقمًا بدلًا من الاسم.
وتؤكد وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” أن هذه الممارسات تنتهك العديد من المواثيق الدولية، خاصة اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة، والقواعد 112 إلى 116 من القانون الدولي الإنساني العرفي، التي تنص على ضرورة معاملة جثث الموتى باحترام ودفنهم وفقًا لشرائعهم الدينية.
وفي تطور مثير للقلق، لفتت “الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء” إلى مزاعم خطيرة تتعلق بانتزاع أعضاء الشهداء وبيعها لمراكز طبية، وعزز هذه المزاعم تحقيق صحفي نشره الصحفي السويدي “دونالد بوتسروم” في عام 2009، بالإضافة إلى شهادات عائلات فلسطينية وثَّقت استلام جثامين أبنائها مع آثار عمليات جراحية واضحة وأعضاء مفقودة.
المساومة بالموت
من جهته، أكد نادي الأسير الفلسطيني أن سلطات الاحتلال تستخدم قضية الجثامين ورقة مساومة في المفاوضات، ويتجلى ذلك في الاتفاق الأخير، إذ سيتم الإفراج عن 628 أسيرًا فلسطينيًا مقابل 6 محتجزين أحياء و4 جثامين إسرائيلية، لكن في الوقت ذاته، ترفض إسرائيل بشكل منهجي إصدار شهادات وفاة أو تقديم معلومات عن أماكن دفن الشهداء الفلسطينيين.
حل إنساني
وبحسب “وفا”، تدعو مؤسسات حقوقية فلسطينية ودولية إلى ضرورة الضغط على إسرائيل لإنهاء هذه السياسة اللاإنسانية، فيما شددت على أن الحل يكمن في تفعيل آليات المساءلة الدولية وتطبيق القانون الدولي الإنساني، مع ضرورة إنشاء سجل موحد للجثامين المحتجزة وإلزام إسرائيل بالكشف عن مصيرها.