صالة السيدة بديعة مصابني أكبر وأرقى صالة للغناء في القاهرة، تفتح أبوابها للجمهور الراقي من عشاق الطرب والرقص الفني البديع، حيث تغني وترقص الفاتنة الرشيقة بديعة مصابني، وتغني الآنسة ماري، وترقص السيدتان شفيقة وليلى، وكل ثلاثاء حفلة خصوصية للسيدات في الساعة 6 مساء”.. هذا كان إعلانا لصالة بديعة مصابني استوقفني كثيرا للبحث عن ما كان يسمي بمسرح الصالات والكازينوهات.
واستوقفني أيضا في “موسوعة المسرح المصري المصورة ” للدكتور عمرو دوارة عدد كبير من المسرحيات النادرة للكثير من الفرق، والتي يكتب بجوار المسرحيات التي قدموها ” صالة “،وهو نوع من المسرح كان منتشرا في الكازينوهات الليلية، ونال هجوما كبيرا من البعض لكنه كان البوابة الأولي للكثير من الفنانين الذين صاروا نجوما كبار فيما بعد أمثال : محمد فوزي إسماعيل ياسين ، عبدالفتاح القصري ، كيتي ، حكمت فهمي ، وكان يكتب المسرحيات التي تقدم في صالة بديعة مصابني وغيرها من الصالات أبو السعود الأبياري ، والألحان كانت لفريد غصن ومحمد شريف ولذلك كانت تلك الصالات لها منافع وكانت شكلا إيجابيا لخروج جيل من الفنانين قادوا السينما والمسرح والغناء في الفن المصري فيما بعد .
مسرح الصالات والكازينوهات كان له عشاقه وجمهوره وكان الإقبال عليه كبيرا جدا، وكان يقدم كل أنواع وأشكال المسرح (كوميديا تلاقي، وغناء موجود، وأيضا النكت والمونولوجات والاسكتشات والاستعراضات العربية والأجنبية كان لها نصيب كبير في هذا النوع من المسرح)، ولذلك كان مسرحا جاذبا للكثير من الجمهور خاصة أن هذه المسرحيات كانت اجتماعية كوميدية خفيفة ويري د. سيد علي إسماعيل في كتابه “مسيرة المسرح في مصر” أن هذا النوع من المسرح جذب الجمهور في أوقات أزمات المسارح والفِرَق الكبرى، وأيضًا في أوقات الحروب، وبالأخص الحرب العالمية الثانية، هذا بالإضافة إلى أن أسعار دخول هذه الأماكن أقلُّ بكثير من أسعار دخول المسارح ، وأن المسرحيات والإسكتشات التي كانت تُقدَّم في هذه الصالات والكازينوهات لا يستغرق عرضها أكثر من ساعة، وأقل من ذلك في أحيان كثيرة، وأن أغلب موضوعاتها كانت خيالية لا تمتُّ للواقع بصلة، وهذا هو النوع المطلوب لروَّاد هذه الأماكن، الذين ينشدون التغييب عن واقعهم، فلا يريدون إيقاظ العقول بقدْر إمتاع النفوس والشهوات. وفي بعض الأحيان نجد أغلب الموضوعات المقدَّمة في هذه الأماكن هي موضوعات مأخوذة بتصريف من المسرحات الطويلة التي كانت تُمثَّل من قِبَل الفِرَق الكبرى، ومن ذلك موضوعات صالة ببا عز الدين التي كانت مأخوذة من مسرحيات نجيب الريحاني.
شن الكثير من المنتمين للمسـرح الجاد والذين يتمسكون بالعادات والتقاليد هجوما كبيرا على مسرح الصالات لكنهم فشلوا في إيقافه، والسبب أن هذا النوع من المسرح كان يسانده جنود الاحتلال، وبعض الجاليات الأجنبية، وأيضا سانده الأعيان والأثرياء والشخصيات السياسية والثقافية التي كانت من روَّاد هذه الأماكن، فانتشر وأصبح هناك الكثير من الصالات والكازينوهات.
المصدر: اليوم السابع