موقع مصرنا الإخباري:
أحد أسباب ظاهرة إلحاد الشباب، أي نسبة 6% في العالم العربي حسب الاستطلاع الذي قامت به شبكة “بي بي سي” البريطانية (2019)، تشكلت لديهم حالة نفور من الدين أي دين، وذلك بسبب أن مفهوم التدين تعرض إلى تشويه حقيقي، من جماعات جهادية عنيفة مثل داعش وتنظيم القاعدة وغيرها، وأن منظر ذبح الآخر في الشوارع على يد أعضاء تلك التنظيمات، شوه من صورة الدين السمحة، خصوصا أن أتباع تلك الجماعات استمدوا القتل والعنف والتكفير باسم الدين ومن خلال تأويلهم وقراءاتهم المختلفة للنصوص الدينية المقدسة.
ومن بين الدراسات المهمة الت تناولت تحليل ظاهرة التأويل الديني، وسياقاته والعلاقة بين المقدس وغير المقدس، دراسة جادة للبروفيسور سامي عبد العال أستاذ الفلسفة المرموق عربيا، بعنوان” آلهة الحرب: عنف التأويل الديني (دراسة في فلسفة الدين) والتي صدرت ضمن العدد الخاص لمجلة كلية الآداب جامعة الزقازيق، بمناسبة انعقاد مؤتمر كرسي اليونسكو للفلسفة.
تكشف الدراسة عن أن القضية الجوهرية هي أن العنف باسم الدين رسم كيانا دمويا للإله، وأوقع القائمين بذلك في تناقضات إنسانية ولا هوتية لن تتوقف، حتى غدا جينا عنيفا واسع الانتشار عبر الخطابات الدينية المتداولة.
لقد شوهت الجماعات الإرهابية مفهوم الإله الرحيم فأصبح لدى الوعي العام بحسب الدراسة- إله السلطان/ إله الخوف/ إله القربان/ إله الخلافة/ إله الخلاص). أو كل ما يشير إلى فوضى الموت والإقصاء والبتر داخل المجتمعات الإنسانية.
ورغم أن عددا من النصوص القرآنية التي يدعي هؤلاء حفظهم وفهمهم لها، تدعو إلى الرحمة والرأفة واللين والتسامح والتساهل: في قوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” (الأنبياء: 107). وقوله عز وجل:
“فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران:159).
إلا أن جماعات التكفير والظلام وسماسرة الدين، قامت بتوظيف النصوص واقتلاعها من سياقها الزماني وتأويلها بما يخدم مصالحها، فتحول الدين إلى أيديولوجيا وسياسة.
يحلل البروفيسور سامي عبد العال فكرة العمليات الانتحارية أو ما أطلق عليه: “زفاف الموت، فالمتطرف لا يجد بدا من زفاف دموي بالأشلاء، قرابين بشرية تزف إلى السماء، ومعها مئات الضحايا إذ يعتبر العالم كله ميدانا للجهاد والحرب”.
لقد شاع تقسيم العالم إلى دار السلام ودار الحرب، وهي أشهر ثنائية لدى التكفيريين، فدار الإسلام، هي جغرافيا الإيمان والتسامح، والحقيقة التامة. بينما دار الكفار، أهل النيران، دار مستباحة للموت، وتعد نهبا للجهاديين من أصقاع الأرض، وبانتشار الجماعات الدينية، كانت تلك الفكرة الأرشيفية أهم معالم طريق الدماء”.
تخلص الدراسة إلى ضرورة تحرير الخيال الديني من الصور الرعوية للإله، والفهم المفتوح لماهية الدين وقضاياه واستحالة امتلاك الإله والكف عن سرقة الإله واسمه، وأن فكرة الجماعة الناجية خرافة سياسية، وإيجاد تجارب تأويل مختلفة للدين، وأن الإرهاب الذي يتبنى القتل لمعارضي أفكاره، لا يعلم أن الموت مؤجل بالاختلاف، وأن النهاية التي يعجل بها هي تقتله أولا وأخيرا وتلفظه ممقوتا على قارعة التاريخ.