موقع مصرنا الإخباري: أمّ قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي صلاة الجمعة لأول مرة منذ أربع سنوات، وهو الحدث الذي اعتبره العديد من المحللين أحد أكثر تدخلاته المتوقعة. كانت آخر مرة ترأس فيها آية الله خامنئي هذه المراسم في عام 2020، بعد اغتيال الفريق قاسم سليماني.
تتمتع صلاة الجمعة بأهمية قصوى، حيث أنها تعطي معنى للحياة السياسية والاجتماعية للمجتمع وتعمل كأداة خطابية قوية. تاريخيًا، كان أحد أول أعمال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد هجرته بناء المساجد ودمجها في جميع شؤون الحكومة الإسلامية الجديدة. لم تكن هذه المساحات مخصصة للصلاة فحسب، بل كانت أيضًا بمثابة صياغة خطاب سياسي دفاعًا عن الدولة الإسلامية الناشئة. وفي هذا السياق، لعبت صلاة الجمعة دوراً حاسماً.
صلاة الجمعة هي فعل أسبوعي يحتفل به المجتمع، مؤكداً أن كون المرء مسلماً ليس تجربة فردية، كما ادعى بعض الليبراليين خطأً. إن كون المرء مسلماً يعني ارتباطه بالأمة. بالإضافة إلى ذلك، ترمز هذه المراسم إلى دعم المجتمع لحكم يسعى باستمرار إلى أفق العدالة. إنها إذن لحظة سياسية يتم فيها إعادة تشكيل حدود الخطاب الإسلامي باستمرار. بعبارة أخرى، من خلال معالجة القضايا السياسية، تعيد صلاة الجمعة وضع الإسلام في مركز الحياة المجتمعية دون استنفاد حدوده.
في إطار ولاية الفقيه، تكتسب صلاة الجمعة أهمية خاصة. ويكشف تحليل كتابات وتصريحات قادة الثورة الإسلامية عن حجم هذه الطقوس في أبعادها الروحية والسياسية. وقد أشار الإمام الخميني في هذا الصدد إلى هذه الأبعاد بقوله: “إن هذه التجمعات الموجودة في الإسلام، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى والأضحى والحج وصلاة الجمعة والجماعات التي تقام ليلاً ونهاراً، لها جوانب دينية وسياسية واجتماعية”. كما أكد على أن “صلاة الجمعة هي تجمع سياسي”.
من جانبه، أكد آية الله خامنئي على أهمية صلاة الجمعة بالنسبة للحياة الروحية والسياسية للمجتمع المسلم. وبسبب هذه الأهمية السياسية والعقائدية قرر القائد إمامة صلاة الجمعة بعد أربع سنوات. وفي سياق تصاعد التوترات الإقليمية، التي تغذيها التصعيد العنيف من جانب إسرائيل، وخاصة بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بدأ آية الله خامنئي خطابه بحث المجتمع المسلم على “الاتحاد في التضامن”.
الدعوة إلى وحدة الأمة الإسلامية
من منظور سياسي، تعكس الدعوة الأخيرة إلى وحدة الأمة التي أطلقها آية الله خامنئي اعترافاً بقواعد نحوية معينة تربط المجتمع الإسلامي بأكمله ضمن الحدود الخطابية التي وضعها الإسلام. ولا تعني هذه الوحدة التجانس؛ بل إنها تضمن إمكانية الاتفاق والاختلاف، وكل ذلك في إطار أفق مشترك.
كما تناول آية الله خامنئي الانقسام السياسي في العالم، ووصفه من حيث الظالمين والمظلومين. وأكد أن هؤلاء “يحافظون على سياسة فرق تسد”، التي تهدف في نهاية المطاف إلى خلق التشرذم داخل المجتمع الإسلامي. وتستند استراتيجيتهم إلى زرع الفتنة، التي يتم تنفيذها في مختلف البلدان الإسلامية من خلال أساليب مختلفة لا تزال قائمة حتى الآن. وقد تسبب هذا في تباعد قلوب الدول الإسلامية. ومع ذلك، أكد آية الله خامنئي أن الناس استيقظوا اليوم وأن هذه هي اللحظة التي تستطيع فيها الأمة الإسلامية التغلب على خداع أعداء الإسلام والمسلمين.
“إن عدو الشعب الإيراني هو نفسه الذي يضايق الشعوب الفلسطينية واللبنانية والعراقية والمصرية والسورية واليمنية؛ في الأساس، هناك عدو واحد فقط. وعلى الرغم من أن أساليبهم تختلف في كل بلد – في بعض الأحيان اللجوء إلى الحرب النفسية، أو ممارسة الضغوط الاقتصادية، أو استخدام القنابل التي تزن طنين، أو نشر الأسلحة، أو تقديم أنفسهم بابتسامات – فإن كل هذه التكتيكات جزء من استراتيجية مشتركة”، كما صرح آية الله خامنئي.
في هذا التحليل، سلط القائد الضوء على ثنائية الصديق والعدو، والتي تعمل كأساس تقوم عليه المجتمعات السياسية. ومن منظور إسلامي، يمكن تفسير هذا الانقسام على النحو التالي: من جانب هناك البلدان التي تدعم الظلم والافتقار إلى العدالة المتمثل في تصرفات إسرائيل؛ ومن الجانب الآخر هناك تلك البلدان والجهات الفاعلة غير الحكومية التي تعارض هذا الظلم، وتشكل جزءًا من مجموعة “الأصدقاء”.
وعبر آية الله خامنئي عن هذا التضامن الإسلامي بقوله: “يجب أن ننشئ حزامًا دفاعيًا، حزام تقرير المصير، حزام الكرامة الذي يمتد من أفغانستان إلى اليمن، من إيران إلى العراق، ومن سوريا إلى لبنان، ومن إيران إلى غزة ولبنان، معززة الوحدة بين جميع البلدان والشعوب الإسلامية”.
هذا “الحزام الدفاعي” هو جزء من خطاب يسعى إلى الحفاظ على استقلال الإسلام كنموذج سياسي، في مواجهة عدو يتميز بالغياب المطلق للعدالة. محور المقاومة هو اسم آخر يمكن أن يُنسب إلى هذا “الحزام الدفاعي”، والذي لا ينبغي تحليله من منظور عسكري فقط. بل هو خطاب يوحد الأهداف، ويسمح بمسارات مختلفة لتحقيقها.
حق الدفاع عن النفس والمقاومة في خطاب قائد إيران
كانت نقطة مركزية أخرى في خطاب القائد هي قضية حق الدفاع عن النفس. أكد آية الله خامنئي أن “كل من المعايير الدفاعية للإسلام والقانون الدولي تؤكد بشكل لا لبس فيه أن لكل أمة الحق في الدفاع عن أراضيها ووطنها ومصالحها ضد المعتدي. وهذا يعني أن للشعب الفلسطيني الحق في مقاومة العدو الذي احتل أرضهم، وغزو منازلهم، ودمر حقولهم، ودمر حياتهم. “إن هذا منطق سليم يدعمه القانون الدولي اليوم أيضاً”.
ومن الجدير بالذكر أن آية الله خامنئي خاطب جمهوراً متعدداً خلال خطابه في مسجد الإمام الخميني في طهران برسالة واحدة. فمن ناحية كان الجمهور الأساسي هو الأمة الإسلامية؛ ومن ناحية أخرى سعى إلى إرسال رسالة إلى “الغرب”، مؤكداً على شرعية كل أعمال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي واستفزازاته المتكررة. بالإضافة إلى ذلك، خاطب فلسطين ولبنان على وجه التحديد باعتبارهما ممثلين ملموسين للمقاومة الإسلامية في هذه اللحظات الحالية.
وفيما يتعلق بفلسطين، أكد آية الله خامنئي أن “الشعب الفلسطيني له الحق في المقاومة”، مضيفاً أنه لا يحق لأي كيان أو منظمة دولية أن تلوم الشعب الفلسطيني على مواجهته للكيان الصهيوني الغاصب. وأكد قائد الثورة الإسلامية: “لا يحق لأحد، بموجب أي قانون دولي، انتقاد الشعب اللبناني أو حزب الله لدعم غزة ومقاومة الشعب الفلسطيني؛ من واجبهم القيام بذلك. وهذا أمر إسلامي ومبدأ عقلاني، فضلاً عن كونه منطقاً دولياً وعالمياً”.
وأخيرًا، فيما يتعلق بعملية “الوعد الصادق 2″، التي مثلت رد الجمهورية الإسلامية على اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية، وحسن نصر الله، والجنرال في الحرس الثوري الإيراني السيد عباس نيلفُروشان، أكد آية الله خامنئي أن “الأعمال الرائعة لقواتنا المسلحة في الأيام الأخيرة كانت قانونية ومشروعة تمامًا”. وعلاوة على ذلك، أشار إلى أن الرد الإيراني كان “الأكثر اعتدالاً بالنسبة للنظام الصهيوني”، والذي يمكن تفسيره على أنه تحذير مباشر لإسرائيل بأنه إذا قررت الرد عسكريًا، فإن إيران ستصعد ردها.