موقع مصرنا الإخباري:كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يشن فيها طرف غير حكومي، حزب الله، مثل هذا الهجوم ضد قوة نووية، مستهدفًا أحد مواقعها العسكرية الحيوية في إحدى ضواحي عاصمتها دون أن يقابله أي رد.
في يوم السبت 30 يوليو 2024، اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي فؤاد شكر، أحد كبار قادة حزب الله، فيما اعتبر تصعيدًا إسرائيليًا كبيرًا في الحرب المستمرة على غزة. كما أسفرت الغارة الجوية عن مقتل ثلاث نساء وطفلين، وإصابة العديد من الأشخاص. لقد انتهك عدوان قوات الاحتلال قواعد الاشتباك القائمة في حربها مع حزب الله وتجاوز خطوطًا حمراء متعددة. لقد استهدف بيروت، وكذلك البنية التحتية المدنية، وأسفر الهجوم عن مقتل العديد من المدنيين.
بعد يومين، وعد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب متلفز أمام أنصاره الذين تجمعوا لدفن شكور بأن الإسرائيليين سيدفعون ثمنًا باهظًا للتصعيد غير المسبوق منذ 7 أكتوبر 2023.
صرح نصر الله أن حزب الله يدرس ردًا ذا معنى ومدروسًا على الضربة. وقال إن المعركة مع “إسرائيل” “بلغت مرحلة جديدة”، والرد “حتمي”، مضيفًا أن التصعيد الإقليمي سيحدده رد “إسرائيل” على الانتقام الوشيك.
بعد أكثر من ثلاثة أسابيع بقليل، فجر الأحد 25 أغسطس، بدأت المرحلة الأولى من انتقام حزب الله. في الساعة 05:15 بالتوقيت المحلي، أطلقت قوات حزب الله وابلاً من 340 صاروخ كاتيوشا على 11 موقعاً عسكرياً تابعاً لقوات الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة. وكان هدف المرحلة الأولى إغراق أنظمة الدفاع الجوي للكيان الصهيوني واستنزاف منظومة حماية القبة الحديدية، مما يفسح المجال للمرحلة الثانية من عملية الرد. ثم انطلقت عشرات الطائرات المسيرة من مختلف الأحجام من جنوب وشمال نهر الليطاني، ومن نقاط إطلاق إضافية حتى وادي البقاع، لتنتقل العملية إلى مرحلتها الثانية والأخيرة.
كانت الأهداف الرئيسية لعملية حزب الله هي مقر الموساد في غليلوت (شمال يافا المحتلة) وقاعدة الوحدة 8200، وهي وحدة استخبارات عسكرية للتجسس الإلكتروني. وأكد نصر الله في كلمة ألقاها في وقت لاحق من يوم الأحد أن الطائرات المسيرة أصابت أهدافها المقصودة كما خطط لها.
وفي وقت سابق، زعمت قوات الاحتلال أنها نفذت هجوما جويا استباقيا عند الساعة الرابعة صباحا باستخدام 100 طائرة مقاتلة لمنع هجوم صاروخي وشيك. وزعمت مصادر (إسرائيلية) أن قوات الاحتلال دمرت 5000 إلى 6000 منصة لإطلاق الصواريخ.
ونفى نصر الله في كلمته في وقت متأخر من مساء الأحد جميع ادعاءات الاحتلال، قائلا إن الغارات الجوية (الإسرائيلية) ضربت حقولا ووديان فارغة، وعددا قليلا من القواعد العسكرية المهجورة لحزب الله. وأكد السيد نصر الله في كلمته أنه لم يتم إصابة سوى منصتين لإطلاق الصواريخ بعد إتمام المهمة، وأن جميع مواقع إطلاق الطائرات بدون طيار لم تتضرر. وأكد أن العملية كانت ناجحة تماما، وأن جميع الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تم إطلاقها كما كان مخططا لها، وأصابت أهدافها المقصودة، ولم يستشهد سوى مقاتلين من حزب الله، وهو عدد يعتبر ضئيلا في مثل هذه العملية واسعة النطاق. ومع ذلك، أضاف السيد نصر الله أن حزب الله سيفكر في هجمات إضافية على الكيان الصهيوني إذا لم تكن النتائج كافية.
إن رواية السيد نصر الله عن سير العملية تبدو أكثر مصداقية من الادعاءات الإسرائيلية المبالغ فيها. وأي تقييم معقول يستند إلى مواصفات قاذفة الكاتيوشا وعدد الجنود اللازمين لتشغيل كل قاذفة كان ليخلص إلى أن نحو 850 مقاتلاً من حزب الله كانوا ليقتلوا لو كانت مزاعم الكيان الصهيوني صحيحة! وهو رقم كبير إلى درجة أنه لا يمكن إخفاؤه في بلد صغير ومجتمع مفتوح مثل لبنان.
وبعد وقت قصير من انتهاء عملية الرد، أصدر حزب الله بياناً قال فيه إنه إذا لم يرد الكيان الصهيوني على الرد، فإن القضية ستُغلق. ومن جانبه، أشار الكيان الصهيوني من خلال طرف ثالث إلى قراره بعدم التصعيد أكثر، مما أدى إلى إغلاق الأمر، على الأقل في الوقت الراهن.
بعد أيام قليلة، أكدت مصادر مقربة من حزب الله لقناة الميادين الإخبارية أن ست طائرات مسيرة على الأقل نجحت في الوصول إلى الوحدة الإسرائيلية 8200 ووجهت ضربة دقيقة إلى أهدافها المحددة.
كان هجوم حزب الله رداً مدروساً كما وعد. ولم يكن من غير المعقول أن يستفز حزب الله المنطقة إلى معركة شاملة، وهو ما كان ليتناقض مع استراتيجية حزب الله في الوضع الحالي. وفي الوقت نفسه، أظهر ذلك قدرة حزب الله التكتيكية على توجيه ضربة فعالة على عمق 150 كيلومتراً تقريباً داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.لقد تمكن حزب الله من صد هجوم إسرائيلي واسع النطاق على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في حين تمكن من الإفلات من أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتعددة الطبقات، في حين كان في حالة تأهب قصوى، ناهيك عن إلحاق الهزيمة بالدعم الاستخباراتي والمراقبة والاستطلاعي الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للجيش الإسرائيلي خلال هذه العملية.
كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يشن فيها طرف غير حكومي، حزب الله، مثل هذا الهجوم ضد قوة نووية، مستهدفاً أحد مواقعها العسكرية الحيوية في إحدى ضواحي عاصمتها دون أن يواجه أي رد. وهذا يوضح المستوى المعقول من الردع الذي يتمتع به حزب الله ضد الكيان الصهيوني، فضلاً عن “توازن القوى” الإقليمي.
لقد فصل حزب الله بشكل فعال بين رده على اغتيال السيد فؤاد شكر وهجماته العسكرية اليومية على الجبهة الداعمة لقطاع غزة، مما سمح له بالحفاظ على تلك الجبهة عاملة كما يرى مناسباً. وقد أدى هذا إلى تجنب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الانخراط في حرب إقليمية شاملة، والتي كانت لتساعد نتنياهو فقط. ونتيجة لذلك، ستضطر قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى مواصلة خوض معركة استنزاف في شمال فلسطين حتى التوصل إلى هدنة في غزة، وهو ما يشكل جوهر استراتيجية الحرب التي ينتهجها حزب الله.
وعندما نتأمل هذه الحلقة من التصعيد، يمكننا أن نستنتج أن حزب الله نفذ استعراضاً دقيقاً للقوة، بهدف إظهار براعته العسكرية، بدلاً من التسبب في أضرار جسيمة للكيان الصهيوني، الأمر الذي كان ليحاصره ويجبره على التصعيد أكثر، على النقيض من استراتيجية حزب الله. وقد كان هذا بمثابة تحذير لقوات الاحتلال الإسرائيلي والبنتاغون وحلف شمال الأطلسي بشأن ما سيواجهونه إذا انفتحت جبهة شمال فلسطين مع حزب الله بالكامل.
كان هذا الاستعراض للقوة مشابهاً لذلك الذي قامت به الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد الكيان الصهيوني في 14 أبريل 2023، رداً على الغارة الجوية على قنصليتها في دمشق في الأول من أبريل.
حتى الآن، كان هدف حزب الله في هذه المعركة واضحاً: إبقاء العداء في شمال فلسطين تحت السيطرة. وهذا ما يسمح لحزب الله بمواصلة خوض معركة استنزاف مع جيش الاحتلال بهدف إجبار الكيان الصهيوني على التفاوض على وقف إطلاق النار بشروط المقاومة الفلسطينية. إلا أن نجاح هذه الاستراتيجية يبقى رهناً بالانتظار في حرب لا يبدو أنها ستنتهي في أي وقت قريب.
قطاع غزة
فلسطين المحتلة
فلسطين
إسرائيل
حزب الله
فؤاد شكر
إبادة غزة
الاحتلال الإسرائيلي
لبنان
غزة
السيد فؤاد شكر
المقاومة الإسلامية في لبنان