موقع مصرنا الإخباري:
الممثل الناجح هو الذي يتقن دوره، ويؤدي الشخصية المطلوبة منه، بإقناع كبير، بغض النظر عن هذا الدور أو غايته، لكن ما يؤكده الجميع، أن أصعب الأدوار التمثيلية هى الأدوار الكوميدية القادرة على إدخال الفرح إلى قلوب الناس، ورسم البسمة على شفاههم، والضحكة على أفواههم، وبالتالي إسعادهم خلال الفترة التي يمضونها في مشاهدة الممثلين الكوميديين، فوق خشبة المسرح، أو في شريط سينمائي أو تلفزيوني، ذلك لأن مهمة (الكوميديان) أصعب بكثير، من مهمة (التراجيديان) بدليل وفرة الممثلين القادرين على لعب الأدوار المختلفة، وندرة الممثلين الهزليين أو الكوميديين، وفي مختلف الأحقاب والأزمنة.
لكن الفنان (ماجد الكدواني) أثبت عكس تلك القاعدة عندما تحول في أدائه من اللون الكوميدي إلى التراجيدي بنفس القوة والكفاءة التمثيلية، فكما امتلك أدوات الإضحاك امتلك أدوات انتزاع الدموع من مقلة العين، ومن ثم تحول إلى (تراجيكوميدي) بامتياز شديد بحيث لا تختلف الشخصية المضحكة (الكوميدية) عنده عن الشخصيات الدرامية الأخرى من حيث أبعادها وصفاتها إلا بشكل نسبي إذ أن لها بعدا عضويا وجسمانيا معينا وقد يكون فيه تشويه يثير الضحك (جروتسك) ولها بعدا اجتماعياً ينتمي إلى طبقة اجتماعية، كما اتضح ذلك من أدائه في مسلسل (ولاد الناس) الذي صنع حالة من الحزن المطعم بالألم على جناح التراجيديا الإنسانية التي عبر عنها ببراعة في (قسم الأبوة) في الحلقة الأخيرة، ما كتب له نجاحا منقطع النظير رغم مشاهده التي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
معروف أنه ليس بالضرورة أن يكون الممثل الدرامي يجيد فن الكوميديا والتراجيديا على حد سواء، يكفي أن يكون بارعا في أحدهما، أما لو كان بارعا في الاثنتين مثل (ماجد الكدواني) فإنه يصبح ممثلاً استثنائيا، وهذا قليل جدا حتى على مستوى العالم، وأن يحدث لدى الممثل تحول كأن يشتهر كوميديان ثم يتحول بعد سنوات إلى ممثل تراجيدي أو العكس، فهذا أمر محفوف بالمخاطر، ولا يغامر بذلك إلا ممثل يثق بنفسه ولديه الموهبة الكافية، لأن الكثير فشلوا في أول قرارهم بالتحول، لكن الأمر اختلف تماما مع الكدواني في تحوله الناعم إلى منطقة الجدية كتجسيده لشخصية مدير الأمن الوطني في مسلسل الاختيار 2، والذي اتسم بالحزم والطابع الإنساني الغالب على تصرفاته مع مرؤسيه، وذلك رغم أنه خلال مسيرته الفنية قدم دور ضابط الشرطة بأكثر من شخصية مختلفة ففي فيلم “عزبة آدم” قدم شخصية ضابط الشرطة الفاسد مختلفة تماما عن أداءه بفيلم “لا تراجع ولا استسلام” وهو ضابط الشرطة في إطار كوميدي، ودور ضابط الشرطة في فيلم “678” الذي يحمل خلفية إنسانية وجعل له إطار حقيقي.
من خلال متابعتي لمسيرة (الكدواني) لاحظت أن الكوميديا ترتكز عنده على مبدأ أنه فنًا يعتمد على التعمق بالنفس البشرية حسب مفهوم (هنري برجسون): (إن أهم ما يجب أن يلفت نظرنا في عنصر إثارة الضحك هو أن هذا العنصر يجب أن يكون إنسانيا، أي إنه لا يضحكنا سوى الإنسان، فنحن قد نرى منظرا طبيعيا جميلا فاتنا خلابا أو منظرا قبيحا تافها، ولكننا لا نرى منظرا مضحكا .. حقا .. قد يضحك بعضنا على حيوان أو جماد ، ولكن سبب الضحك هنا هو ما نلمسه في هذا أو ذاك من لمسة إنسانية تعبر عن موقف أو تعبير بشري ) تماما كما جاء به (الكداوني) في عدة أدوار سينمائية وتليفزيونية اختلف فيه شكلا وموضوعا عن شخصية (المهرج) التي ارتبطت بالمسرح، و تميزت باللياقة الجسديّة، وخفة الحركة، والقدرة على الاستعراض والبهلوانية، إلا أنه يملك قدرة عجيبة على تفجير الضحك من قلب المواقف البسيطة بسوله ويسر ولا يتعمد فيها على جسمه الضخم، فقط يعتمد على تعبير عينين يحملان براءة مذهلة، وهما أيضا أدواته الفاعلة في تفجير البكاء من قلب المأساة الإنسانية كما في (ولا ناس).
اعتمد الفنان ماجد الكدواني على إتقانه للعمل الفني من خلال نصيحة قديمة قدمها له والده في صغره، قائلا في أحد اللقاءات: (والدي كان مهندسا معماريا، وكان دايمًا يقولي “كل إنسان له عضلة ملتهبة”، فالنجار المسلح عضلته الملتهبة هي عضلة دراعه، وأنا أتقل حاجة شلتها هى القلم الرصاص وعضلتي الملتهبة هي خيالي وفكري، وأنت عضلتك الملتهبة هي الإحساس)، وكانت تلك النصيحة بمثابة المحرك للنشاط الفني، ولذا تجد جوكر في كل لعبة تمثيلية يتحكم بها وتكون بيده خطوطها وتوازنتها، وكذلك الحال في أي عمل فني، لابد من وجود نجم عدم ظهوره يؤدي إلى خلل، ووجوده يكون الميزان الضابط للمشاهدة.
وماجد الكدواني هو أحد أهم ركائز هذه اللعبة وتلك الأدوار، فمبجرد ظهوره على الشاشة تكون المعادلة الفنية متكاملة، وذلك رغم أنه بدأ عن طريق المسرح ثم انتقل بين الأدوار الصغيرة كأي فنان مبتدأ، استعان بزيادة وزنه في الأدوار الكوميديا، والتي نجح فيها بلا شك، فظهر مثلا بدور “المر بزيادة”، الذي ظل منذ عرض هذا الفيلم وحتى اليوم يتناول الجمهور الأفيهات الخاصة به.
ولابد لي أن ألفت النظر إلى أن (ماجد) كون مع صديقه كريم عبد العزيز تيمة عمل كوميدية حققت لهما شعبية كبيرة من خلال أدوارهم في فيلم “حرامية في تايلند، وحرامية في كي جي تو”، ومع انتقال ماجد الكدواني من دور لدور على مدار 6 سنوات بدأت في عام 2011، استطاع أن يكون شخصيته الفنية الجبارة، التي تجعله بمجرد ظهوره على الشاشة لم ينتظر منه الجمهور فقط “أفيه” للضحك، بل ينتظر تمثيل وبراعة وإدراك للدور يتحول إلى انسجام من المشاهدين، ومع ذلك قدم عدد من الأدوار التي ابتعدت تماما عن الكوميديا التي بدأ بها، والذي يشهد له الجميع بذكائه في اختيار تلك الأدوار ويشيد بموهبته في تجسيدها، فرأيناه في “كباريه” بمشاهد تجعلك تكرهه وتتعاطف معه في نفس الوقت، ثم “الفرح” الذي أتقن به دور النبطشي ببراعة ومهارة فائقة.
لكن “مارد الكدواني” في فيلم “طير أنت” الذي جسد كوميداه بصورة مختلفة زاددت من شعبيته، وكون بعدها تيمة أخرى مع الفنان أحمد مكي لكي يكون جزء لا يتجزأ من المعادلة الناجحة المتحكم بأوراق نجاح العمل ورأينا ذلك في فيلم “لا تراجع ولا استسلام” و”سيما علي بابا”، ومع بداية عام 2014، بدأ ماجد الكدواني مرحلة جديدة من النضج الفني والوعي التي أبهرت الجميع به، فهو الفنان القادر على تجسيد أي دور، وإقناعك به و خلق الكوميديا من الشجن والحزن، فرأيناه في ثوب جديد أيضا بعد أن فقد الكثير من وزنه، معلنا عن مرحلة جديدة جعلت الجمهور يصفق له بحرارة لدرجة ظهوره بمشهد في مسلسل “تحت السيطرة”، قلب كل الموازين لصالحه.
ولفت الكدواني الأنظار إليه من خلال عدة أفلام ذات طابع كوميدي مثل فيلم “حد سامع حاجة”، بشخصية “دكتور علوي”، وهو طبيب نفساني يعالج شاب يستمع دائما لهلاوس، ويحاول الطبيب إخراجه من هذه الحالة، وفي في فيلم “شيكامارا” الذي جسد فيه شخصية زوج سائقة ميكروباص، تتبادل دورها مع فتاة ارستقراطية لشدة التشابه بينهما، ولا ينسى أحد شخصية “المر بزيادة”، وهو بلطجي خارج عن القانون، يطارد خطيبة صديقه بعد أن فرت هاربة، من خلال فيلم “الرجل الأبيض المتوسط”، وشخصية “متولي الزناتي”، في فيلم “عسكر في المعسكر”، وذلك ضمن أحداث الفيلم التي تجمع الصدفة بينه وبين ابن قاتل أبيه، ويضطر لمطاردته على الرغم من أنه صديقه المقرب له.
وتتعدد (الكاراكترات) في حياة “ماجد الكدواني” مثل شخصية “كلاوي” ذلك الشاب الذي يعيش في أوكرانيا، ويضطر لإدعاء إصابته بمرض الكلي، حتى يحصل من الأثرياء العرب على أموال كمساعدة مادية، في فيلم الرهينة، الذي يعد واحدا من أهم الأدوار التي قدمها ماجد الكدواني خلال مسيرته الفنية، لكن الطفرة الحقيقية في أداء “الكدواني” تلك التي ظهرت في فيلم “هيبتا”، والذي جمع لعبة الفيلم كلها بيده وهو جالس، قدم كل مشاهده باستثناء واحدا منهم، ثم ثم تكبر الطفرة أكثر وأكثر عندما يظهر في دور سمير عليوة في “الأصليين” بمباراة تمثيلية بين كلًا من ماجد الكدواني و خالد الصاوي و منة شلبي، ليؤكد أنه ممثل من العيار الثقيل جدًا، المتحكم بالفعل في أوراق أي عمل فني يقوم به.
ويبدو لي أن (ماجد) في كل تلك الأدوار المحتلفة يتوافر فيه الإحساس و قوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، بحيث يستطيع أن يعيش في الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية ، وأن تكون له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية و منطقية الإحساس و القدرة على التحليل النفسي للشخصية التي يلعبها.
ونظرا لأن السمات الجسدية للممثل تعد عاملا داعما لموهبته وانتشاره، وشاهدنا نماذجاً استثمرت قصر قامتها في بناء شعبيتها وأبرزها محمد هنيدي وقبله إسماعيل يس وعبدالفتاح القصري، وأخرى تميزت بالقوة فاشتهرت في أدوار الحركة منها أحمد السقا وأمير كرارة، بينما جرت العادة أن يظهر الممثل البدين في أدوار كوميدية، وأيضا عادة ما يكون جزءًا من المواقف الكوميدية لهذا الفنان متصلة بوزنه، وهو ما تكرر بالنسبة لكثير من فنانى الكوميديا على مدار التاريخ السينمائى، ممن صنعوا شهرتهم عبر بوابة سماتهم الجسمانية البدنية، ومؤخرا فطن عدد غير قليل من نجوم الوزن الزائد وعلى رأسهم “ماجد الكدواني” إلى نفور الجمهور من تلك النمطية، وأن الإيفيهات باتت مكررة وغير مضحكة
قرر (الكدواني) التصالح أكثر مع جسده واعتباره كأن لم يكن، مستغلا أدواته في تقديم شخصيات أكثر تأثيراً فى الجمهور، فحصل على صك التميز بعد نجاح أعماله، وشجع ذويه على الخروج من إطار شخصية البدين المضحك، والاعتماد على كوميديا المواقف الدرامية دون أن يكون الجسد عاملا فيها، لقد أصبح “الكدواني” على قناعة تامة بأن استخدام جسد الفنان كمادة للسخرية يُعد أمرا غير إنساني، ويشكل إيذاء نفسياً، ليس فقط للممثل بل أيضا للمشاهد الذي تنطبق عليه الصفات نفسها، وهذا ليس دور الأعمال الفنية بالطبع وما تحويه من رسالة للجمهور، فالمشاهد الآن يُميل إلى كوميديا المواقف الدرامية أكثر من تلك المعتمدة على الجسد بشكل مبالغ فيه، أوالمبالغات في الألفاظ والحركات، واشتهر عدد من الكوميديانات بأدوار البدانة، حتى إن أعمالاً خاصة كانت تكتب لهم تبنى فيها المواقف الكوميدية والإفيهات استناداً على وزنهم، أبرز هؤلاء علاء ولي الدين الذي ربما لو عاش أيامنا لما استمر في تقديم نفس النوعية.
وفي النهاية أستطيع أن أجزم بأن “ماجد الكدواني” يعتبر من أهم فناني جيله، لما تميز به من صدق في أداء الشخصيات التي يقدمها وخروجه من المنطقة التي بدأ منها كممثل كوميدي ليثبت بأنه بارع في تقديم أنواع مختلفة من الأداء التمثيلي.
بقلم محمد حبوشه