الأمر ليس مجرد ارتفاع في درجات الحرارة أو تكسير في الجسم وصداع قد تفقد معه التركيز والقدرة على الحركة، بل أكثر من ذلك، فالأعراض والتطورات تستمر لأسابيع، ربما شهور مع هذا الفيروس اللعين “كورونا”، والعدوي لن تمر دون مشكلات في الأذن والكثير من الطنين، مشكلات في اللسان وعدم القدرة على الكلام بالصورة المعتادة، رعشة في الجسد بين الحين والآخر، كحة مزمنة لا تتوقف حتى مع الأدوية ومهدئات السعال، حموضة مزمنة غير معروفة السبب، ألم في الأسنان دون سابق إنذار، احمرار العين والأرق، وكأن هذا الفيروس اللعين يأبى أن يخرج من الجسم دون أعراض وتداعيات.
تجربتي مع كورونا عصيبة ومختلفة، ارتباطاً بإصابات جماعية لي وزوجتي وأولادي، فقد كان البيت أشبه بمستشفى عزل صغيرة، الكل يلزم سريره، يعاون نفسه قدر الإمكان، إلا أن خوفنا الأكبر كان على الصغيرين عمر و رنا، لكن يد الله عليهم كانت حانيه، ولطفه كان حاضرا، فقد كان تعافيهم أسرع، وتفاعلهم نحو الشفاء من كوفيد 19 أفضل منا نحن الكبار، وربما هذا درس رباني جديد مع هذا الفيروس.
درس كورونا علمنى أن لكل مصاب تجربته الخاصة مع المرض وأعراضه أيضا، فلا تتشابه الأعراض، حتى وإن كان مصدر العدوى واحد، بل تتغير من النقيض إلى النقيض، فأحيانا يكون العرض فى شكل إسهال مزمن، ثم يعود بعد يوم أو يومين إلى إمساك مزمن، نوبات كحة ونهجان تتحسن أحيانا، ثم تعود مرة أخرى إلى ما كانت عليه أو أشد حدة، اضطرابات في النوم، ما بين حاجة شديدة وفترات طويلة، إلى أرق ممتد، وصراع لتحصل على ساعة أو ساعتين في يوم كامل، وهذا يؤكد أن هذا الفيروس هو الأشد فتكا على البشرية من أي فيروس آخر نظراً لتعدد الأعراض وعدم القدرة على فهمها أو التعامل معها حتى من جانب الأطباء.
تجربة الذهاب إلى المستشفيات الخاصة والتعامل معها في ظل جائحة كورونا سيئة للغاية، الطبيب متخوف دائما من التعامل مع المريض، بل ويرفض بعضهم الكشف عليه وعمل القياسات الحيوية اللازمة، لدرجة أن طبيب أمراض في تخصص الباطنة رفض توقيع الكشف اللازم لي أو حتى التعامل معي لمجرد الاشتباه بأنها أعراض كورونا، بدعوى أنه يجب تحويلي إلى أخصائي أمراض الصدر، مع العلم أن فيروس كورونا حائر بين تخصصات عديدة من بينها الباطنة والصدر والمخ والأعصاب والقلب والأوعية الدموية، ولا يمكن حصره في تخصص واحد، لذلك لا يمكن لطبيب خائف أن يعالج مريض كورونا أو حتى مريض الانفلونزا الموسمية العادية، وهو أمر في غاية الخطورة ويجب أن يتنبه إليه الأطباء، فإذا فقد المريض الثقة في الطبيب وقدرته على علاجه أو التخفيف من أعراضه الجسدية والنفسية، سيفضل المريض الجلوس في الفراش، انتظاراً للتعافي والشفاء أو استعداداً للموت.
كما أن المستشفيات الخاصة وتعاملها مع كورونا لم يخل من المنطق التجاري، واستنزاف المريض دون الكشف عليه وعمل اللازم، إلا أن أطباء مستشفيات العزل، فى وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية يقدمون دوراً بطوليا بحق، ولا يهابون مواجهة الفيروس ورعاية المرضى، وتقديم يد العون والرعاية لهم، ولعل مستشفى قصر العيني ” بيت الفقراء” وعامة الشعب، نموذج حقيقي لعزل واستقبال مرضى كورونا، فى صورة إنسانية وحضارية مميزة تؤكد أن هذا الصرح العلمي الكبير الذي يخدم ملايين المرضى جدير بحب المصريين وثقتهم فيه.
ومن باب الإنصاف وقول الحق فإن نقابة الصحفيين تقدم دورا ممتازا في رعاية ودعم الأعضاء وتوفير مسحات مجانية لهم من خلال بروتوكول تعاون، والأمر لن يحتاج من العضو سوى إرسال طلب إلى الزميل أيمن عبد المجيد، وكيل النقابة ورئيس لجنة الرعاية الصحية، عبر الواتس آب، وبمجرد تلقى الطلب سيحصل العضو على خطاب إلى مستشفى قصر العيني لعمل مسحة للفيروس، وعلى أساسها يتناول الأدوية اللازمة، المناسبة لحالته، مع العلم أن المكان المخصص لأخذ المسحات في منطقة مفتوحة الهواء ولا يوجد به تكدسات أو زحام، وخلال دقائق معدودة تستطيع أن تسحب المسحة، وبعدها بيوم أو إثنين على أقصى تقدير تحصل على النتيجة.
بقلم محمد أحمد طنطاوي