يقول الفيلسوف اليونانى أرسطو إن “جذور التربية مرة ولكن ثمارها حلوة”، ليعطى الدليل على ما يعانيه الآباء والأمهات من مرارة وصعوبة فى مهمة تربية وتنشئة أبنائهم، حتى يكونوا قادرين على مواجهة غمار الحياة وتحدياتها، فعبء كبير جدا يقع على عاتق الوالدين فى سعيهم لغرس القيم الدينية والمجتمعية السوية، وكذلك خطوط التقاليد والأعراف التى تحد من تصرفات وشطحات الأبناء، لينشأوا ولديهم من الثوابت ما يعينهم على مواجهة متقلبات الحياة واختباراتها، فالتربية قاسية ولكن إذا نجحت ستعطى ثمارا جيدة ورائعة.
تخيل أن أرسطو وصف مهمة تربية الأبناء بـ”المريرة” فى عصر لم يكن فيه الفضاء الإلكترونى قد ظهر، وما أدراك ما الفضاء الإلكترونى، إنه عالم مواز، يشتمل على أبواب لا حصر لها ومداخل لا تحصى للمغريات والمشهيات والملذات، فكل ما عليك فعله أن تمر بأصابعك على “الكى بورد” وتكتب ما تريد ليظهر لك على الشاشة كل ما ترغب فيه، سواء كان ذلك صالحا أم طالحا.
منذ بدء الخليقة كانت تربية الأبناء معضلة تستلزم الكثير من الفهم والجهد والتصرف الصحيح، ولكنها أبدا لم تكن بالصعوبة البالغة كما هى فى هذا الجيل، فمع وجود هذا الكم الكبير من مواقع التواصل الاجتماعى، زادت النوافذ المصدرة للمعلومات، وكثر عدد الروافد المعرفية والثقافية والترفيهية، وأصبح لزاما على كل أب أو أم اليقظة الشديدة ومراقبة ما يتلقاه الأبناء من تلك الروافد، ومحاولة السيطرة على تلك المصادر المعرفية، حتى لا يقع أبناؤهم فريسة لتلك المعلومات التى قد تكون ضد الدين أو الوطن أو التقاليد والعرف.
ومع التسليم بأن التكنولوجيا لها وجهان، الجيد والفاسد، فكذلك مواقع التواصل الاجتماعى، تمتلئ بكل ما هو غث وسمين، فيمكن أن تكون منجما زاخرا للمعرفة والتعلم، وتكوين الصداقات الجيدة، ومعرفة ثقافة وعادات وتقاليد الشعوب الأخرى، ولكنها فى المقابل قد تكون قنبلة، بل قنابل موقوتة، يمكن أن تدمر كافة البناء التربوى الصحيح للأبناء، إذا ما انجذبوا ناحية الفاسد والقبيح فى تلك المواقع وما أكثره، ولذلك يأتى هنا دور الأب والأم فى ضرورة المراقبة المستمرة والدقيقة لكيفية تعامل أبنائهم مع تلك المواقع، ومدى اندماجهم وتأثرهم بما يبث عليها من مواد معرفية أو ترفيهية.
والوالدان هنا يقعان فى إشكالية كبيرة، فهم من ناحية يريدون أن يرسخوا فى البناء التربوى لأبنائهم، الثقة بالنفس، والحرية، ليكون كل منهم قادرا على تحمل المسئولية دون خوف أو تردد أو اهتزاز نفسى، ومن ناحية أخرى عليهم التأكد من كل من أبنائهم مازال قابعا داخل مربع الدين والوطنية والتقاليد والعادات، لم يشط عنها، ولم يخترق السور أو يتسلقه جريا وراء ملذات أو مغريات خاطئة، قد تقوده إلى طريق مهلك وملئ بالسوء والرذائل.
ولذلك فعلى الوالدين فى مهمتهم الصعبة فى تربية أبنائهم، الموازنة الدقيقة بين إعطاء الحرية لهم فى سبر أغوار المجهول، والتعلم والتعرف على كل ما هو جديد، ليكونوا مسلحين بالعلوم والتكنولوجيا اللازمة والمهمة فى هذا العصر، وفى نفس الوقت يجب عليهم أن يكونوا مراقبين جيدين بكل حسم وقوة لحسابات أبنائهم على مواقع التواصل، وأن يكون النقاش سلاحهم فى إقناع الأبناء بما هو مسموح وغير مسموح فى مواقع التواصل، وكيفية الاستفادة منها دون أن يكون ذلك على حساب الدين والقيم والأعراف.
بقلم
حسين يوسف