شهادات وتقارير دولية تفضح فظائع الاحتلال في تعذيب الفلسطينيين
كشف تحقيق لصحيفة “ذا إندبندنت” البريطانية عن الأساليب الوحشية التي يُعامل بها جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، وشملت التقييد والضرب والطعن والصعق بالكهرباء، وفي كثير من الأحيان الاعتداء الجنسي.
كانت الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر، اتهمت الجيش الإسرائيلي باستخدام العنف الجنسي “كأسلوب حرب”.
وأشار التقرير الأممي إلى أن “العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاغتصاب والعنف على الأعضاء التناسلية، ارتُكب إما بأوامر صريحة أو بتشجيع ضمني من القيادة المدنية والعسكرية الإسرائيلية العليا”.
ولفتت “ذا إندبندنت” إلى أن إسرائيل “رفضت التعاون مع الأمم المتحدة واتهمت مُعدّي التقرير بالتحيز”.
وأضافت الصحيفة البريطانية أنه “مع انهيار وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، سُلِّط الضوء على معاملة الفلسطينيين واعتقالاتهم الجماعية في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب قبل 18 شهرًا”.
وتشير التقديرات إلى أن عدد المعتقلين الفلسطينيين تضاعف ليصل إلى ما يقرب من 10,000، ويُحتجز الكثير منهم بمعزل عن العالم الخارجي دون تهمة، أو أُطلق سراحهم، وأُعيد اعتقالهم أحيانًا.
شهادات وأدلة
وفق المنشور، جمعت “ذا إندبندنت” لوائح الاتهام وتقارير التشريح وشهادات ممن تم القبض عليهم، وتحدث المعتقلون عن الوحشية وتعرضهم لأشكال من التعذيب، بما في ذلك الاعتداء العنيف والحرمان من النوم والعنف الجنسي وعدم القدرة على الحصول على الرعاية الطبية.
وكشف تقرير تشريح جثة رجل توفي أثناء الاحتجاز عن استخدام مفرط للقيود وأدلة على الاعتداء العنيف، ما أدى في النهاية إلى نزيف في المخ.
واستند التحقيق إلى وثائق عسكرية إسرائيلية، من بينها لائحة اتهام قدّمها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد جنوده في إحدى الحالات، وكذلك تقارير متعددة عن تشريح الجثث التي كتبها أطباء إسرائيليون لعائلات الفلسطينيين الذين ماتوا أثناء الاحتجاز.
وتضمنت لائحة اتهام وصف اعتداء الجنود الإسرائيليين على أسير فلسطيني “وجد نفسه مقيد اليدين ومرتجفًا على أرضية زنزانة في قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل، محاطًا بخمسة جنود احتياطيين، مسلحين بكلابهم، قاموا بركل الرجل وضربه ووطأوه بينما كان ملقى على الأرض”.
وأضافت اللائحة أن الجنود “اتُهموا بالاعتداء عليه بمسدسات الصعق الكهربائي وأشياء حادة، والاعتداء عليه جنسيًا باستخدام هذه الأدوات. وفي إحدى المرات، طعنوه طعنات قوية لدرجة أنهم اخترقوا أردافه”.
وأدى هذا الاعتداء الوحشي إلى نقل الرجل إلى المستشفى مصابًا بثقب في الرئة وكسور في الأضلاع وتمزق في المستقيم، ما استدعى إجراء عملية جراحية.
وبحسب لائحة الاتهام الموجهة للجنود الخمسة، فقد وجهت إليهم جميعًا تهم التسبب في إصابات بالغة وإساءة معاملة في ظل ظروف مشددة.
آثار تعذيب
في تقرير تشريح أسير فلسطيني محتجز في سجن “مجدو”، شمال إسرائيل، توفي في 13 نوفمبر 2023، أفاد الطبيب بأنه “شوهدت كدمات على الصدر الأيسر، مع كسر في الأضلاع وعظام الصدر أسفلها. كما شوهدت كدمات خارجية في منطقة الظهر والأرداف والذراع اليسرى والفخذ والجانب الأيمن من الرأس والرقبة”.
وفي حالة أخرى، كان رجل يبلغ من العمر 45 عامًا، توفي في ديسمبر 2024 أثناء احتجازه في سجن “كيشون” في شمال إسرائيل، يحمل “علامات متعددة على الاعتداء الجسدي والاستخدام المفرط للقيود، ما تسبب على الأرجح في نزيف مؤلم داخل الجمجمة”.
وذكر التقرير أن ساقه اليمنى كانت متورمة، وأن معصميه وكاحليه كانا يحملان علامات قيود مشددة.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن أحد الأطباء الإسرائيليين الذي أشرف على تشريح العديد من جثث المعتقلين نيابة عن عائلاتهم (حيث يسمح القانون الإسرائيلي بانتداب العائلات طبيب مستقل لحضور التشريح): “إن حقيقة أننا نرى بعض علامات الإساءة تعني أن هذا ربما يكون مجرد غيض من فيض”.
ووصف الطبيب حضوره تشريح جثة رجل في الثلاثينات من عمره توفي أثناء احتجازه في الضفة الغربية في أكتوبر 2023، كان يعاني من كسر في الأضلاع وتمزق في الطحال “ما يشير إلى تعرضه لصدمة قوية”.
وفي أواخر نوفمبر الماضي، أشرف الطبيب نفسه على تشريح جثة شاب آخر من طولكرم بالضفة الغربية (المحتلة)، توفي بعد ستة أيام من التحقيق. وظهرت على جثته آثار عنف وإصابات متعددة، وفقًا للتقرير.
وحشية الحراس
حسب التحقيق، تركّز معظم الانتهاكات الإسرائيلية في مركزين للاحتجاز؛ هما منشأة عسكرية جديدة داخل سجن “عوفر” في الضفة الغربية (المحتلة)، وقاعدة “سدي تيمان” العسكرية في جنوب إسرائيل.
ونقلت الصحيفة شهادة حارس إسرائيلي في “سدي تيمان” حول الضغوط لاستخدام العنف تجاه الفلسطينيين.
وفي وصفه لأول مرة التقى فيها هو والعديد من الجنود الآخرين بشخص من غزة، يقول إن ذلك تجلى في موقف مفاده “نعم، إنهم بحاجة إلى الضرب. بدأنا نبحث عن فرص للقيام بذلك”.
ويقول الحارس إنه عندما تحدث ضد ضرب سجين فلسطيني أثناء التحقيق، قال له زميله: “اصمت أيها اليساري، هؤلاء غزيون، هؤلاء إرهابيون، ما بك؟”
وأضاف: “كبّلنا أيديهم (الفلسطينيين) بالسياج فوق رؤوسهم حتى لا يتمكنوا من فكّها. كان من الواضح أن الجنود يتطلعون بشدة إلى القيام بهذه الأفعال”.
أيضًا، في سدي تيمان، وصف المعتقلون الفلسطينيون جنود الاحتلال الإسرائيلي وهم يعزفون موسيقى صاخبة لا تنتهي في غرفة احتجاز خاصة يطلق عليها اسم “الديسكو”. حيث قال أحدهم إنه تُرك في غرفة بها موسيقى صاخبة لمدة ليلتين ونصف الليلة”.