موقع مصرنا الإخباري:
العقلية الأمريكية مثيرة للانتباه.. ودائما تدور الأسئلة حول الوسائل التى مكَّنتها من سيادة العالم بحضارة لاتزيد عن قرنين من الزمان.. ماذا فعلت لتحتكر مكانة القوة العظمى، وكيف نجحت فى إزاحة المنافسين من طريقها؟! .. بمنطق المال والدم، غرست ثقافة “الكاوبوى” أقدامها داخل كل بيئة، وفى كل عصر .. فاحتلت مجتمعات بمشروعات اقتصادية وغزو الشركات الكبرى والاستثمارات متعددة الجنسيات، وهدمت مجتمعات وأطاحت بأنظمة سياسية عبر تصدير السلاح والفوضى الخلاقة وصناعة الإرهاب من تربة الفساد والجهل والتخلف.
وشكلَّت الاستراتيجية الأمريكية “أصناما” من الرؤساء، و”تماثيل” من القيادات والكوادر تنفذ بدقة متناهية سيناريوهات مرسومة ومحبوكة تخدم فكرة وحيدة لاتفريط فيها.. “نحن فقط” .. وتحت هذا الشعار تتغير فحسب الوجوه وتتبدل الأدوار .. والنص المقدس واحد ولابديل عنه.
وكان من الممكن أن يتحول هذا التصور التاريخى إلى يقين يصعب الفكاك منه، لولا الكاتب الصحفى الكبير عاطف الغمرى، وما عرضه فى كتابه “أمريكا .. فى عالم يتغير” .. وبغض النظر عن صدور الكتاب عام ٢٠٠٩ ومرور أكثر من ١٠ سنوات على طرحه بالأسواق، تبقى القراءة الموضوعية لطبيعة الحياة السياسية فى الولايات المتحدة التى حظيت بها الفصول، وبراعة الخبرة الصحفية فى النفاذ إلى المراكز البحثية والدراسات العلمية الأمريكية لاستخلاص المعلومات والتفاصيل عن أسلوب ومنهج إدارة الدولة .. بل والعالم بأسره!.
لقد كانت أوراق “الغمرى” أشبه بمحاضرة فى علوم الاقتصاد والسياسة يتعرف منها القارئ على تاريخ السياسة الأمريكية ويستوعب كيف يبنى البيت الأبيض خيوط علاقاته الخارجية ويوظفها لفلسفة “القطب الأوحد”.
ومن قلب القلعة الأمريكية، يستخرج كاتبنا المخضرم “شهادات” للمسئولين، ومشروعات قوانين واقتراحات لأساتذة وخبراء حول دائرة السلطة ترسم لأمريكا “طريقا جديدا” إذا ما سلكته استطاعت أن تتفاعل وتتكيف مع العالم المتغير .. والطريق يبدأ من فكرة “الحرية فى ظل القانون” بجناحى السياسة والاقتصاد.
ولا تتحقق الحرية فى العالم إلا تحت مظلة أنظمة ديموقراطية تحترم حقوق وإرادة شعوبها ويضمن لها الراعى الأمريكى البقاء والاستمرار، وقبول “القدرة التنافسية” بين اقتصادات الدول والقوى الصاعدة على الخريطة على نحو يدعو إلى التكامل وليس التنافر أو تضارب المصالح والرؤى.
وبمهارة فى السرد وعرض الأفكار، يتجول بنا الكاتب الكبير فى حجرات رجال السياسة وأهل العلم والمعرفة ليُطلعنا على “عقول أمريكية” تؤمن بضرورة التغيير ومواكبة العصر وعدم التحجر عند نقطة “السيادة المطلقة” دون شريك أو حليف أو صديق .. وقد أوصت تلك العقول المتحررة بـ “مانفيستو” لحماية الأمن القومى الأمريكى باعتباره الهدف الأكبر لأى إدارة تسكن البيت الأبيض .. وخلصت كل الأوراق البحثية إلى حقيقة مؤداها أن الديمقراطية وحرية الاقتصاد العالمى هما مفتاح أى تغيير نطمح إليه سواء فى التركيبة الأمريكية أو أى بقعة من العالم.
لقد رصدت سطور الكتاب مواصفات وشروط “أمريكا الجديدة” وما تحتاجه لتعيش وتنمو وسط “عالم يتغير” .. وإذا كنا ننتظر “متى تتغير أمريكا؟!”، فالأحرى بنا أن ننظر فى المرآة ونتوجه بذات السؤال إلى شعوبنا وأنظمتنا السياسية .. ومن روشتة “الديمقراطية والقانون” تتغير ثقافة المجتمع ويعتدل ميزان الحكم الرشيد.
وإذا كانت النصيحة بالتغيير واجبة لراعى البقر، فهى فرض عين على أُمتنا العربية والإسلامية لإجبار الأسد العجوز على نزع أنيابه .. فلاتطالب ملك الغابة بـ “سياسة الحملان”، وأنت مستسلم لحياة القطيع وضعف”الغزلان”!.