موقع مصرنا الإخباري:
قبل نحو 20 عاماً كان الفلاح يورد محصول القمح مباشرة إلى وزارة التموين، وكنا نذهب إلى “الشون” أو الصوامع الحكومية، لفرز ووزن المحصول، وبعدها مباشرة نتسلم الثمن عداً ونقداً، إلا أن هذا الوضع تغير تماماً بعد تفشى ظاهرة السماسرة، الذين يجمعون القمح من المزارعين، ويخططون لذلك قبل موسم الحصاد بأسابيع وربما شهور، ويدفعون مقدمات ثمن، لربط صاحب المحصول بهم، حتى صار في كل قرية تاجر أو اثنين لتنفيذ هذه العملية.
التجارة في حد ذاتها ليست المشكلة، لكن الأزمة أن سلسلة الوسطاء بين المواطن والحكومة تتسع جداً، وعلى أثرها يبيع الفلاح بضاعته بأقل من الأسعار المعلنة، فالتاجر الصغير الموجود بالقرية يريد أن يحقق ربحاً معتبراً، وبدلا من شراء إردب القمح بـ 725 جنيهاً يعرض 700 فقط أو أقل، حتى يحصل على المكسب المناسب، بينما يبيع للتاجر الكبير بسعر أعلى، ليحقق الجميع مكاسب على حساب الفلاح، الذى تدعمه الدولة بالأساس ورفعت سعر القمح من أجله.
اقرأ ايضاً: خداع الملك وحديث النواب ونهيق الحمار
الحكومة حددت سعراً عادلاً لتوريد القمح خلال العام 2021، بما يتوافق مع الأسعار العالمية، بواقع 725 جنيها لدرجة النظافة الأولى، و715 لدرجة النظافة الثانية، وأخيراً 705 لدرجة النظافة الثالثة، إلا الفلاح لا يحصل على أي من هذه الأسعار، ماعدا أصحاب المساحات والحيازات الكبيرة، التي تنتج عشرات ومئات الأطنان من القمح، فيتجه هؤلاء إلى التوريد المباشر لوزارة التموين والتجارة الداخلية، بينما الفئة الغالبة، التي تشكل النسبة الأكبر تقع ضحايا مافيا السماسرة والتجار.
الخطورة في ظاهرة سماسرة القمح لا تتمثل فقط في كثرة الوسطاء بين الفلاح والحكومة، والأسعار البخسة التي يتم عرضها لشراء القمح، والملايين التي يجنيها هؤلاء من أقوات الفقراء، ولكن تتمثل في بيع الأقماح إلى مصانع الحلويات الكبيرة، وعدم التوريد لوزارة التموين بشكل مباشر، وهذا يؤثر بطبيعة الحال على حجم التوريد والمخزون الخاص بالقمح كأهم سلعة استراتيجية تعتمد عليها البلاد.
يجب التحرك العاجل من جانب أجهزة الدولة لمواجهة سماسرة القمح في كل القرى المصرية، وحسم هذه الظاهرة، التى تمثل تهديداً صريحاً للأمن الغذائي، وتقتص من عوائد الزراعة على الفلاح المصرى، الذى ينتظر الحصاد بفارغ الصبر، لينفق على أسرته أو يسدد ديونه، لذلك يستحق هذا الموضوع اهتمام الحكومة وتحركها نحو مواجهة مافيا تجارة القمح، التى توحشت وباتت تتحكم في هذه السلعة الاستراتيجية الهامة، وتجنى أموالا ضخمة جراء هذه التجارة المشبوهة.
بقلم محمد أحمد طنطاوي