سقوط حكومة نفتالي بينيت الدواعي والأسباب…

موقع مصرنا الإخباري:

لا يمكن تجاهل أن حكومة نفتالي بينت سقطت بسبب ثلاثة مستوطنين (اثنان مستوطنان فعليا؛ عيديت سيلمان ونير أورباخ، والثالث يحمل الفكر الاستيطاني الصهيوني الديني؛ عميحاي شيكلي) جراء تمردهم ورفضهم تقديم أي تنازل مهما كان وهميا.

كما كان للتنافر الذي عكسته حكومة بينت في تركيبتها الهجينة دور في سقوطها، إذ تشكلت هذه الحكومة من ثمانية أحزاب؛ من أقصى اليمين ممثلا بحزب يمينا برئاسة نفتالي بينت وحتى أقصى اليسار ممثلا بحزب ميرتس، وبمشاركة غير مسبوقة لحزب إسلامي عربي بقيادة منصور عباس.

شيكلي وسقوط الحجر الأول من بناء الحكومة
ومع أن إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، أمس عن قراره ورئيس الحكومة البديلة الشروع في إجراءات حل الكنيست والذهاب لانتخابات جديدة، بعد شهرين من فقدان حكومته لأغلبيتها البرلمانية في إبريل/نيسان الماضي عند إعلان عيديت سيلمان استقالتها من رئاسة الائتلاف الحكومي) بفعل الضغوط النفسية والسياسية والاجتماعية التي خضعت لها من أعتى تيارات المستوطنين تطرفا، سياسيا ودينيا، إلا أنه يمكن القول إن أول حجر سقط من مبنى الائتلاف الحالي كان في يوم تأسيسها وعرضها على الكنيست لنيل ثقتها في 13 يونيو/حزيران من العام الماضي، عندما أعلن عضو الكنيست، عميحاي شيكلي، أنه لن يمنح الحكومة الجديدة التي دخل على لائحة أحد أحزابها (يمينا برئاسة نفتالي بينت) للكنيست، ثقته وسيصوت ضد تشكيلها.

وزعم شيكلي أنه يريد الوفاء بتعهداته الانتخابية وتعهدات حزب يمينا بعدم تشكيل حكومة مع زعيم حزب ييش عتيد، يئير لبيد، أي ائتلاف حكومي، لكن ممارساته في الكنيست أثبتت أن ادعاءه كان غير صحيح، وأن أكثر ما دفعه للوقوف في وجه رئيس حزبه، نفتالي بينت، هو أنه لم يتمكن، (بما أنه تربى على قيم الصهيونية الدينية الاستيطانية التي تؤمن بالتفوق العرقي لليهود)، أن يكون شريكا في حكومة يشارك فيها حزب عربي إسلامي.

ومع أن شيكلي ليس مستوطنا بالمفهوم التقليدي، إذ يسكن في “كيبوتس حنتون” في الجليل، إلا أنه من أشد دعاة الاستيطان اليهودي الصهيوني في “كافة أنحاء أرض إسرائيل”، ويعتبر مسألة تعزيز الاستيطان اليهودي في الجليل وتكريس أغلبية يهودية فيه مهمة لا تقل أهمية عن توزيع الاستيطان اليهودي الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة.

وكان شيكلي منح معسكر اليمين المعارض بقيادة رئيس الحكومة السابق وزعيم الليكود بنيامين نتنياهو أملا في إمكانية تفكيك الحكومة وهز ائتلافها وصولا إلى “سحب” واستمالة عدد من أعضاء اليمين من الائتلاف الحكومي لدعم تشكيل حكومة بديلة برئاسته.

وكان موقف شيكلي حاسما في تحديد سياسة الحرب التي شنها نتنياهو على حكومة بينت، وانتهاج سياسة تحريض منهجية ومثابرة تطعن في شرعية الحكومة لمجرد اعتمادها على قائمة عربية إسلامية، من جهة، ومشاركة أحزاب يسار متطرفة (بالعرف الإسرائيلي) تتمثل بالأساس بحزب ميرتس المناهض للاحتلال.

وكان شيكلي قدم إلى العمل السياسي الحزبي استمرارا لنشاطه في مجال التربية الدينية الصهيونية والعسكرية التي كان ضالعا فيها بعد إنهاء خدمته العسكرية.

انسحاب عيديت سيلمان الائتلاف الحكومي
مغادرة شيكلي الائتلاف ورفضه الانضمام إليه منذ اليوم الأول، أتاحا لنتنياهو، وبشكل أكثر حدة لممثلي تيار الدينية الصهيونية الاستيطاني، ممثلا برئيس حزب “الصهيونية الدينية” بتسليئيل سموطريتش لتنظيم “وقفات” ومظاهرات أمام بيوت نواب وأعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي، لحثهم على الانسحاب من الحكومة.

وقد أثمرت هذه الضغوط في زعزعة البناء الائتلافي، مرة أخرى من داخل حزب رئيس الحكومة، بعد تكثيف الحرب النفسية على رئيسة الائتلاف الحكومي، عيديت سيلمان، التي قدمت شكوى رسمية ضد محاولة الاعتداء عليها في إحدى محطات الوقود، ثم اشتكت، خلال مقابلة صريحة مع نفتالي بينت، من حجم الضغوط الهائلة الممارسة عليها من جماعات اليمين الليكودي، وبالأساس من المستوطنين وحاخامات الصهيونية الدينية.

وأخذت هذه الضغوط أشكالا كثيرة ومتعددة بينها ما روته سيلمان عن محاولة الاعتداء عليها، واتصالات هاتفية ورسائل شتائم على “الواتس أب”، وقد أدت هذه كلها إلى انكسارها، بشكل مفاجئ في إبريل/نيسان الماضي عندما أعلنت عن انسحابها من الائتلاف الحكومي وتوقفها عن التصويت مع الائتلاف، على خلفية قانون يتعلق بإدخال الطعام غير الحلال “كوشير” حسب الشريعة اليهودية إلى المستشفيات، خلال عيد الفصح.

ومع إعلانها المذكور، فقد الائتلاف الحكومي نهائيا أغلبيته البرلمانية لتتفاقم مصاعبه في إدارة دفة الحكومة، وتمرير مشاريع القوانين، حتى بعد إعلانها أنها لن تصوت ضد الحكومة، ومحاولات نفتالي بينت إعادتها لصفوف الائتلاف وامتناعه عن اتخاذ خطوات ضدها مثل فصلها من الحزب وإعلانها متمردة، أوتجريدها من رئاسة لجنة شؤون الصحة.

وتمثل عيديت سيلمان، مثلها مثل شيكلي الشريحة الصاعدة في مجتمع التيار الديني الصهيوني ومن الفئة العمرية التي تتراوح بين العقدين الرابع والخامس، ومع أنها كانت تعمل في مجال التسويق في صندوق “الرضى”.

ويعد مشوار سيلمان السياسي، قصيرا نسبيا، إذا خاضت غمار السياسة بداية في أيام شبابها وفترة النضوج ضمن حركة الشبيبة للحزب الديني الوطني “المفدال” (وهو الحزب الأول والمؤسس للتيار الديني الصهيوني واستمر على الحلبة السياسية الحزبية بنفس الاسم حتى انضمام نفتالي بينت له وتغيير اسمه لحزب “البيت اليهودي”).

وأدت الانقسامات داخل قائمة حزب “المفدال” إلى اختفاء الحزب بهذا الاسم لتحل محله اليوم 4 أحزاب تمثل التيار الديني الصهيوني؛ ثلاثة منها ضمن قائمة “الصهيونية الدينية” وحزب يمينا)، لكنها لم تتفرغ للسياسة والعمل الحزبي، بل اتجهت للدراسة بعد الخدمة العسكرية، كما انخرطت في الحياة العملية كمديرة ومركزة للتسويق في صندوق المرضى العام في الوسط الديني الصهيوني.

وبدأت نشاطها السياسي الحالي مع انضمامها لحزب “البيت اليهودي” ووضعها على لائحة مرشحي الحزب عام 2019، واُنتخبت كعضو في الكنيست لأول مرة في انتخابات ذلك العام، ثم انتقلت بعد الانشقاقات والتقلبات في أحزاب التيار الديني الصهيوني إلى حزب يمينا بقيادة نفتالي بينت، وتمكنت من العودة للكنيست في انتخابات العام الماضي على لائحة حزب يمينا بعد أن حصل الحزب في الانتخابات على 7 مقاعد.

وعلى غرار شيكلي، فإن سيلمان تمثل التيار الجديد في الصهيونية الدينية، وهي تقيم في مدينة رحوفوت جنوبي تل أبيب، التي يقوم فيها معهد وايزمان للأبحاث العلمية البيولوجية والمعهد الزراعي فولكاني، لكنها تؤيد الاستيطان في كل “شبر من أرض إسرائيل” وتؤيد التشدد في الحفاظ على نمط يهودي ومحافظ وإبراز الرموز اليهودية الدينية في الحيز العام، وهو ما كان سبب إعلانها في إبريل من هذا العام عن انسحابها رئاسة الائتلاف.

حين فشلت حكومة الاحتلال الحالية برئاسة نفتالي بينت، قبل أسبوعين، مساء السادس من يونيو/حزيران، في تمديد قانون “أنظمة الطوارئ لتطبيق القانون الإسرائيلي الجنائي المدني” على المستوطنين بمعارضة 58 من أعضاء الكنيست للقانون (منها 53 صوتا من معسكر نتنياهو) مقابل تأييد 52 صوتا فقط من الائتلاف الحكومي (وامتناع ثلاثة من القائمة الإسلامية برئاسة منصور عباس عن التصويت، بعد أن تأكد سقوط القانون)، صرخ عضو الكنيست نير أورباخ من حزب يمينا، الذي يشغل أيضا منصب رئيس لجنة الكنيست، في وجه عضو الكنيست العربي مازن غنايم الذي صوت ضد القانون، وقال حينها “لقد فشلت التجربة معكم” في إشارة لإشراك حزب عربي في ائتلاف صهيوني.

وكانت صرخة أورباخ بمثابة المسمار الأخير الذي دق نعش الحكومة الحالية، وتحصن أورباخ وراء اتهام العضوين العربيين مازن غنايم وغيداء ريناوي زعبي بالمسؤولية عن تخلخل الائتلاف الحكومي وشل عمله، ليبدأ مسيرته في ابتزاز رئيس الحكومة نفتالي بينت ومطالبته بضبط ائتلافه الحكومي وصولا إلى تصريحاته العنصرية الأخيرة، التي طاولت أيضا أحزاب الحريديم (شاس ويهدوت هتوراة)، إذ صرح بأنه لا يمكن أن تقوم في إسرائيل حكومة مستقرة، إذا لم ترتكز فقط على أحزاب صهيونية يخدم أفرادها في الجيش (في تلميح صريح لأحزاب الحريديم الذين لا يخدمون في الجيش).

وبعد ذلك مباشرة، ورغم عقده لقاءات متكررة مع نفتالي بينت، أشهر أورباخ الأسبوع الماضي تهديداته لبينت، قائلا إنه إذا لم يمرر القانون المذكور خلال أسبوع، فإنه سيصوت مع حل الكنيست ويؤيد حكومة بديلة بقيادة نتنياهو. وبالفعل، أطلق أورباخ اتصالات ومفاوضات مع زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو لضمان موقع له على لائحة الليكود للانتخابات القادمة.

وخلافا لشيكلي وسيلمان، فقد بدا أورباخ نشاطه الحزبي والسياسي في أواخر العقد الأول من الألفية الحالية مستشارا سياسيا لاثنين من أبرز التيار الديني الصهيوني الاستيطاني، هما نيسان سلوميانسكي من حزب “المفدال”، وللعقيد المستوطن إيفي إيتام، الذي اُشتهر خلال الانتفاضة الأولى خلال خدمته العسكرية في الدعوة لقتل الفلسطينيين وترحيلهم.

ووجهت لأورباخ اتهامات باستخدام العنف المفرط خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 1987 بعد حادث دهس لعمال فلسطينيين في قطاع غزة، وأوقفت بعد محادثات أوسلو السرية وتوقيع اتفاق المبادئ بين حكومة رابين ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

وارتبط أورباخ سياسيا منذ العام 2013 بنفتالي بينت، عندما قرر بينت ترك العمل في مجال الهايتك وخوض غمار السياسية والتنافس على قيادة حزب “المفدال” الذي تحول لاحقا لحزب البيت اليهودي، ثم مر بعدة انشقاقات، ظل أورباخ على امتدادها مواليا لبينت ونصيرا له ومساندا له.

وواصل أورباخ مشواره السياسي مع بينت، وانتخب في الانتخابات الأخيرة على لائحة حزب “يمينا” وأيد خيار تشكيل ائتلاف حكومي بأي ثمن لمنع عودة نتنياهو للحكم، كما “صمد” في وجه المظاهرات والوقفات اليومية التي نظمها أنصار الليكود والصهيونية الدينية أمام بيته في مدينة بتيح تكفا (التي أُقيمت على أنقاض بلدة ملبس الفلسطينية، ويعتبرها الصهاينة “أم المستوطنات”).

وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، منذ صرخته المشار إليها بوجه عضو الكنيست مازن غنايم، أدار أورباخ مفاوضات مع الليكود بقيادة نتنياهو لضمان مستقبله السياسي هو الآخر (على غرار ما فعلت عيديت سيلمان) ووافق للوهلة الأولى على منح بينت مهلة إضافية حتى الأربعاء من هذا الأسبوع.

وأدعى أورباخ أنه لا يريد تفكيك الحكومة، بل ضبط الائتلاف فيها، ومنع حالة تفككها بسبب أعضاء محسوبين على اليمين، كي لا يتسلم يئير لبيد رئاسة حكومة تصريف الأعمال بالتناوب، لكن قرار بينت أمس بالذهاب لانتخابات مبكرة وتنفيذ اتفاقية التناوب، سحب من أورباخ أوراقه التفاوضية مع الليكود وتركه عمليا الخاسر الأكبر، إلى جانب سيلمان، من تفكيك أكثر حكومة يمين تطرفا في إسرائيل.

المصدر: العربي الجديد

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى