موقع مصرنا الإخباري:
عشية إجراء انتخابات الكنيست الرابعة العامة في الكيان الصهيوني (23 آذار/ مارس) خلال عامين، لا تغييرات كبيرة تُذكر، فالعملية الانتخابية تُخاض هذه المرة وفي جوهرها تنافس على بند واحد: مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أو ضده، الأمر الذي يحجب أو يرّحل إلى الخلف أي مطلب آخر، سياسي أو أمني أو اقتصادي أو اجتماعي، رغم كل التجاذب والتباعد بين الحريديم (المتدينين) والعلمانيين.
نتنياهو الى الحكم او القضاء
نتائج الإحصاءات متناقضة ومتقاربة وغير حاسمة حتى الآن. للمرة الأولى منذ إعلانه عن تقديم موعد الإنتخابات، أظهر آخر استطلاع للرأي أن شعبية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو آخذة في الإرتفاع. وبحسب الإستطلاعات، فإن حزب “الليكود” بقيادة نتنياهو سيحصل على أكبر عدد من المقاعد (31)، ويكون أكبر كتلة حزبية. ويصبح لدى نتنياهو وأحزاب اليمين والمتدينين اليهود 63 مقعدًا، ما يمكّن نتنياهو من تأليف الحكومة المقبلة. وهو سيسعى إلى تشكيل ائتلاف كبير ما أمكنه ذلك، لمنع أي من مكّوناتها لاحقًا من مهمة ابتزازه سياسيًا.
وفي هذه الحال، الحكومة ستكون أكثر استقرارًا من الحكومة الحالية، من دون تغيير جدي وملموس في توجهاتها وسياساتها، مع إمكان أن يتحصن نتنياهو خلفها لتجاوز ملفاته القضائية والإلتفاف عليها. ووفق هذه النتائج، سيتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة يمين صرف تثبت قدميه في السلطة، وربما إجراء ترتيب ما يضمن له وقف محاكمته، وربما إلغاءها. وتستند هذه الإستنتاجات الى معطيات كثيرة، من أبرزها:
ـ التنافس على رئاسة الحكومة لا يدور بين معسكر اليمين وبين معسكر الوسط أو اليسار، بل بين قادة اليمين نفسه، بما يخدم نتنياهو، حيث يتراشق حزبا “يمينا” برئاسة نفتالي بنيت، و”تكفا حدشا” (أمل جديد) برئاسة جدعون ساعر، الهجمات والاتهامات، مع أنهما يُعلنان أن خصمهما المشترك هو نتنياهو. وكما يبدو حتى الان من نتائج استطلاعات الرأي ومن شكل ومضمون القوائم المتنافسة، فإن اليمين لن يخسر الحكم، بل سيزيد من قوته، لأن المرشحين للقيادة البديلة عن نتنياهو هم من ذوي التجارب القليلة وجميعهم يواجهون سقفًا منخفضًا من الأصوات.
** تراجع مكانة، أو اختفاء، عدد من الأحزاب الإسرائيلية التي كانت بارزة جدًا في العمليات الإنتخابية الماضية، وكانت محل تنافس فعلي على تشكيل الحكومة بدلًا من “الليكود”، أبرزها: حزب “أزرق أبيض” بقيادة بيني غانتس الذي انقسم على نفسه إلى ثلاث فرق (من 33 مقعدًا بقي مع غانتس فقط 15 نائبًا). حزب “العمل”، وهو الحزب التاريخي في “إسرائيل” الذي سبق وجوده وجود الدولة نفسها، الذي يُعد مؤسس الحركة الصهيونية والقائد المطلق لـ”اسرائيل” حتى سنة 1977 والقائد الشريك حتى سنة 2001 ، تلاشى، والاستطلاعات تُجمع على أنه لن يعبر نسبة الحسم وسيبقى خارج الكنيست (البرلمان). والأمر نفسه ينطبق على عدة أحزاب صغيرة أخرى تحالفت مع غانتس. والمشكلة الكبرى أن ناخبي غانتس الذين بلغ عددهم أكثر من مليون شخص، انتقلوا في معظمهم إلى حزب اليمين الجديد بقيادة جدعون ساعر المتمرد على نتنياهو، وأيضا إلى تحالف أحزاب اليمين “يمينا” بقيادة نفتالي بنيت. وتراجع حزب الوسط “يوجد مستقبل” الى أربعة وخمسة مقاعد فقط. فيما الكتلة اليسارية المتركزة في حزب “ميرتس” وأحزاب أخرى خرجت من السباق بقرار ذاتي، من بينها حزب “تيليم” برئاسة وزير الامن السابق موشيه يعلون، فيما يتراجع حضور ومكانة المنافسين لـ”الليكود” في الكتلة اليمينية، من الاحزاب المشكلة حديثا أو تلك المتحورة عن أحزابها الام، بحيث إن أيا منها منفردا لا يشكل منافسة قوية لنتنياهو. والمقصود هنا رئيس حزب “الامل الجديد” جدعون ساعر الذي كاد أن يصل استحقاقه الانتخابي إلى ثلاثين مقعدا، فيما يُقّدر له إن جرت الانتخابات الان أن لا يتجاوز 14 مقعدا.
أما القائمة العربية المشتركة التي ضمت في الانتخابات السابقة أحزاب فلسطينيي أراضي عام 48 ( أربعة أحزاب)، فينخرها الخلاف وضحالة مكانتها وحضورها لدى شريحة ناخبيها الطبيعيين، الامر الذي يؤدي إلى تراجع استحقاقها الانتخابي المقّدر من 15 مقعدا إلى أقل من عشرة مقاعد.
الى انتخابات خامسة
من جهة أخرى، نتائج إستطلاعات الرأي التي جرت في الأسابيع الخمسة الأخيرة تشير إلى أن نتنياهو لا يحقق أكثرية حتى مع نفتالي بنيت رئيس اتحاد أحزاب اليمين المتطرف “يمينا”. ولكن في السبوع الأخير زادت احتمالاته، لأن ثلاثة أحزاب في المعسكر المناهض تواجه خطر السقوط، هي “كحول لفان” و”ميرتس” والحركة الإسلامية بقيادة النائب منصور عباس. في هذه الحالة يتساوى المعسكران (60 مقعدًا لكل منهما). ولذلك يركز نتنياهو جهوده لرفع رصيده ولو بمقعد واحد. وهو يتوجه إلى العرب بحملة مكثفة، وقد شوهد وهو يصب القهوة العربية في خيمة بدوية في النقب لمجموعة من مشايخ قبيلة الطرابين ويدعوهم بشكل صريح إلى التصويت له، ويدير أخرى
لدى اليهود الروس وحملة ثالثة لدى اليهود الاثيوبيين. ويرمي نتنياهو إلى أحد أمرين، فإما أن يشكل حكومة يمين صرف برئاسته أو يتسبب في انتخابات خامسة ويضمن بذلك البقاء رئيسا للحكومة الانتقالية مرة أخرى، علما بأنه يدير حكومة انتقالية منذ مطلع سنة 2019 وتسبب حتى الان في إجراء أربع معارك انتخابية خلال سنتين.
في المقابل، يضع نفتالي بنيت خطة للوصول إلى رئاسة الحكومة واستبدال بنيامين نتنياهو، بعد انتخابات الكنيست التي ستجري بعد أقل من أسبوعين، بالدعوة لتشكيل حكومة مع أحزاب اليسار والوسط.
الخريطة الحزبية تزداد تعقيدًا، وتظهر نتائج استطلاعات الرأي أن المعسكرين المتصارعين سيحصلان على عدد متساو من النواب، ما يعني أن الحسم سيكون صعبًا كما حصل في المعارك الإنتخابية الثلاث السابقة، وهو ما يزيد من خطر التوجه إلى انتخابات خامسة لاحقًا. ويعني ذلك أن نتنياهو سيكون الرابح الأكبر حتى لو خسر الإنتخابات، إذ إنه سيبقى رئيسًا للوزراء إلى حين تجري الإنتخابات وتتشكل حكومة أخرى.
كل ذلك يشي بأن الأزمة السياسية الإسرائيلية مرجحة للبقاء إلى ما بعد انتخابات الكنيست الرابعة التي لا يبدو أنها ستكون بابا لـ”للفرج”، بل ربما مدخلًا لأزمات جديدة.