رغم الحديث عن قضية “زواج القاصرات”، منذ سنوات طويلة، ومحاولات الدولة الكثيرة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، وتشريع العقوبات الرادعة للحد من الزواج المبكر، إلا أن هذه العادة مازالت متجذرة في المجتمعات الريفية خاصة في صعيد مصر، تحت غطاء العادات والتقاليد التي تنهش في أجساد فتيات صغار لا يزلن يلعبن “الحجلة” في الشارع، ولا يعلمن شيئا عن الزواج، يقتلون طفولتهن بمشكلات صحية ونفسية.
وطبقا لآخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن نسب الزواج المبكر ارتفعت في مصر، إذ بلغ عدد المتزوجين دون سن السابعة عشرة إلى أكثر من 117 ألف حالة زواج، أي تشكل 40% من إجمالي حالات الزواج في البلاد، أي ما يعادل 0.8% لمجمل السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاما، موضحة أن السبب الرئيسي لترك التعليم وارتفاع نسبة الأمية إلى نحو 40%، هو الزواج المبكر خاصة بين الفتيات، إذ وصلت نسبة التهرب من التعليم بينهن إلى 36%.
واعتبر التقرير الصادر عن جهاز التعبئة والإحصاء، زواج القاصرات انتهاكا واضحا للمرأة المصرية، وعائقا أمام تعليم الفتاة وانخراطها في العمل، كما أنه يعد تحديا لا يستهان به في زيادة أعداد المواليد وزيادة نسبة الطلاق ومعدلات زيادة أطفال الشوارع في مصر، فهو يساهم في زيادة عدد السكان بشكل عام دون وعي الأسر المصرية إلى خطورتها على الأجيال القادمة، وتحقيق الاستفادة المثلى من معدلات النمو ولابد من وجود قوانين رادعة لزواج القاصرات وتفعيل القوانين الحالية بشكل سريع.
التضامن تواجه الظاهرة
وفي خطورة جديدة لمواجهة هذه الظاهرة، تدرس وزارة التضامن الاجتماعي في الوقت الحالي، إجراء بعض التعديلات في شروط الحصول على الدعم النقدي “تكافل وكرامة” الذي يعد أكثر برامج الحياة الاجتماعية نجاحا في البلاد لتقديمه دعما نقديا للمواطنين، من أهمها عدم تزويج الفتيات القاصرات دون السن القانوني 18 عامًا.
وستمنع التعديلات المقترحة بشروط برنامج تكافل وكرامة، الأسر التي تزوج الفتيات دون سن الـ18 عاما من الحصول على الدعم، لأن هذا الزواج غير الرسمي يزج بالفتاة في مشكلات تؤثر على نسب الأطفال وعلى إثبات حقها في حقوق الزواج، وعلى ضياع حقها حال وقوع انفصال أو طلاق، بما يشمل جميع التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية، وكذلك لما يشكله من تهديدات على صحة الفتاة وسلامتها، فهل ينجح هذا القرار في الحد من زواج القاصرات، ويفعل ما لم يفعله تغليظ عقوبات الزواج المبكر؟.
خطوة إيجابية
يرى الدكتور طلعت عبد القوي، رئيس الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة، أن زواج القاصرات يعد واحدا من أهم المخاطر الاجتماعية والصحية التي تواجه المرأة والأطفال، نظرًا لأنه زواج غير رسمي وغير صحي، لأن الأعضاء التناسلية لم تكتمل بعد، ولم تؤهل الفتاة صحيًا ونفسيًا على الزواج والحمل، ما يتسبب في ارتفاع نسب الطلاق وتفكك الأسر.
وعن ربط وزارة التضامن الاجتماعي شروط الحصول على الدعم النقدي “تكافل وكرامة” بعدم تزويج الأطفال، يؤكد رئيس الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة، أن هذا الربط مهم جدا ويعد حافزًا إيجابيا للحد من زواج القاصرات، بجانب العمل على تنفيذ الجانب التشريعي بتغليظ العقوبات، لأن السير في الاتجاهين يمنع استمرار العنف الذي يحدث ضد الأطفال، والذي يسبب زيادة معدل النمو وارتفاع عدد المواليد.
عقوبات القانون
وينص الدستور المصري في المادة 80 على أنه يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ونصت المادة الخامسة من القانون رقم 143 لسنة 1994 بشأن الأحوال المدنية والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، “ألا يجوز توثيق عقد زواج لمن لا يبلغ من الجنسين 18 عامًا، ويعاقب تأديبيًا كل من وثق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة”.
كما ينص قانون العقوبات 227، على أنه يعاقب بالحبس مدة سنتين أو غرامة لا تزيد على 3 آلاف جنيه لكل من أبدلى أمام السلطة العامة ببيانات بقصد بلوغ أحد الزوجين السن القانونية للزواج، كما يعاقب بالحبس أو غرامة، وتشمل العقوبة كلا من الوالي المسئول والمأذون والشهود فقط، كما ينص القانون 64 لسنة 2010، أنه يعتبر الزواج المبكر من بين حالات الاتجار بالبشر وعقوبته مؤبد وغرامة 100 ألف جنيه للوالي المسئول عن إتمام الزيجة.
تغليظ العقوبات
ويعمل مجلس النواب حاليًا على الانتهاء من إعداد مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون العقوبات، رقم القانون رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته بشأن تغليظ عقوبة زواج القاصرات، ولكن يأتي هنا السؤال كيف يتعظ هؤلاء الذين يزوجون بناتهم مبكرًا، وهما لا يعرفون أي شيء عن هذه العقوبات ولا الدراسة التي تقوم بها وزارة التضامن للحد من زواج القاصرات.
توعية الأسر
يؤكد الدكتور محمد هاني أستاذ علم الاجتماع والعلاقات الأسرية، أن الدولة تعمل بكافة مؤسساتها لمواجهة هذه القضية، واتخذت خلال الفترة الماضية العديد الإجراءات للحد من زواج القاصرات، نظرا أنه يعد سببا رئيسيا في العديد من المشكلات منها الزيادة السكانية وزيادة معدلات الأمية والبطالة، الأمر الذي كان لابد من إيقافه، ولابد من أن يعمل الإعلام بشكل كبير وموسع لتوصيل ما يحدث إلى كل الأسر.
ويوضح أستاذ علم الاجتماع، أن الكثير لا يعرف شيئا عن الإجراءات التي تأخذها الدولة، لأنها لا تصل له، وهذا يعتبر بسبب قصور الإعلام في الاهتمام بهذه القضية، لأن الإعلام هو الوسيلة الوحيدة التي تستطيع أن توصل ما يتم داخل البلاد إلى كل أسرة وكل فرد، لذلك يجب عمل حملات في كل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وإعلانات توضح خطورة الزواج المبكر، وتأثيره السلبي على المجتمع، حيث يؤدي إلى الزيادة السكانية وارتفاع معدلات الطلاق.
وشدد على ضرورة الاهتمام بجانب التوعية، لأن توعية المواطنين هي التي ستخلصنا من هذه الظاهرة، بجانب الجهود التي تبذلها الدولة، لزيادة توعية الأسر البسيطة، فكل هذا يحقق الهدف الذي نريده وسيحل لنا الكثير من الأزمات.
الجانب الشرعي
أما من الناحية الدينية، يؤكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، أن زواج قاصر يعد زواجا باطلا، وحرام شرعا، منوها أن عقد الزواج له أركان وشروط للطرفين، ولا يصح الزواج من صبية أو مراهقة أو طفلة، ويجب أن يكون الزواج في سن البلوغ، وتكون الفتاة اكتملت من جانب العقل والرشد حتى يمكن لها قيادة عائلة، ويأتي ذلك شرطا أساسيا في العبادات والمعاملات، وما استقر عليه الفقه الإسلامي في عقود المعاملات بزواج الفتاة في سن 18 عاما، ولابد أن يكون هناك تشريع قانوني للحد من الزواج المبكر.
المصدر بوابة الاهرام