موقع مصرنا الإخباري:
“الحكومة الاثيوبية تريد أن تلعب دور رامبو”.. هكذا قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط في حديث تلفزيوني، مشيرا إلى سياسة أديس أبابا القائمة على استعداء، ليس فقط محيطها والاقليمي، وإنما أيضا المجتمع الدولي بأسره، في محاولة يائسة لتصدير صورة مغلوطة، تهدف في جوهرها للترويج لنفسها باعتبارها دولة مضطهدة، ومستهدفة في الداخل والخارج على حد سواء، وذلك لكسب أكبر قدر من التعاطف العالمي، وبالتالي التغاضي عن الانتهاكات التى ترتكبها سواء في حق معارضي النظام في الداخل أو دول الجوار القاري والاقليمي في الخارج، وهو ما يبدو واضحا في الاستهداف الصريح لإقليم تيجراى، والذى خلف كارثة إنسانية كبيرة يشهد لها القاصي والداني، أو ما ارتبط بمواقفها المناهضة لحقوق دول الجوار، على غرار مصر والسودان ومحاولة الاستيلاء على حقوقهما التاريخية في مياه النيل، بالإضافة إلى التهديد الذى تمثله لدول أخرى على غرار الصومال، والتي تمثل جزء لا يتجزأ من مشروع توسعي اثيوبي، وهو ما بدا في أزمة خريطة اثيوبية وضعت أراض صومالية كجزء من اثيوبيا في استفزاز صريح لدولة جوار.
سلسلة العداء التي خلقتها اثيوبيا في السنوات الماضية اتخذت 3 مسارات أولها عبر استعداء الدول بشكل ثنائي، كما هو الحال مع الصومال والسودان ومصر، بينما كان المسار الثاني جمعيا، وهو ما يبدو في موقفها من جامعة الدول العربية، وهو ما يبدو في رفضها المستميت لدخولها على خط الأزمة، رغم شرعيته على اعتبار أن تدخلها جاء بناء على طلب من دولتي المصب، وهما أعضاء بها، وكذلك موقفها الرافض لدور مجلس الأمن الدولي والذي يمثل الجهة الدولية الحامية للسلم والأمن الدوليين، وبالتالي يبقى دوره محوريا للتدخل في الأزمات التى من شأنها تهديدهما، في حين كان المسار الثالث قائما على توسيع دائرة النزاع الدولي، عبر خلق ما يمكننا تسميته بصراع الهوية، على غرار الوقيعة بين الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية، وهو ما يعكس فشلها الذريع على مواجهة خصومها بمفردها، لتجد سندا دوليا، بنكهة قارية، يحقق لها قدر من الشرعية الدولية المفقودة.
الأطماع الإثيوبية في مقدرات جيرانها ليست جديدة، سواء فيما يتعلق بشركائها في نهر النيل، أو منطقة القرن الافريقي، وهو ما يبرر قناع “داعية السلام”، الذى إرتداه رئيس الوزراء آبي أحمد مع بداية حقبته، عبر رسائل الطمأنة التي دأب على إرسالها لدول حوض النيل، عبر زيارات اجراها لمصر والسودان، أقسم خلالها، حانثا بيمينه، بعدم الإخلال بحقوقهما، أو معاهدة سلام هشة مع إريتريا، لم تخرج عن كونها “حبر على ورق”، والهدف من وراء ذلك كان تقويض الصورة التوسعية التى ارتبطت بأطماع قديمة لدى بلاده في حقوق جيرانها بشكل عام والعرب بصورة خاصة.
خطة آبي أحمد نجحت مرحليا، عبر الإشادة الدولية الكبيرة بخطواته المسالمة، والتي حملت في ظاهرها إنهاء العداء مع دول الجوار، وهو الأمر الذي انتهى بتتويجه بجائزة نوبل للسلام في ٢٠١٩، إلا أنها سرعان ما تكشفت ملامحها بعد ذلك، عندما أراد أن يتحول “رامبو” إلى ” مصاص دماء”، ليس فقط من خلال إحياء العدوات القديمة، بينما خلق عداوات أكبر بل وتوسيع نطاقها عبر السعي لإدخال أطراف أخرى على خط الصدام إلى جانبه ضد كيانات دولية وإقليمية أكبر.
السياسة نفسها انطبقت على الداخل، حيث حمل الرجل وعودا كاذبة، لبني شعبه، دارت حول تحقيق التنمية، واندماج كافة القبائل، عبر المشاركة في صناعة القرار، بينما كان استخدام العنف المفرط وسيلته في التعامل مع أول اختبار في اقليم تيجراى، وهو الأمر الذى أثار حفيظة العالم بأسره، ووضع الدولة الافريقية في مرمى الإدانة والعقوبات الدولية، بسبب الانتهاكات المقززة التي شهدها الإقليم.
وهنا تحول “رامبو” من داعية سلام إلى مصاص دماء، يستهدف أبناء شعبه، ومقدرات الشعوب الأخرى وثرواتهم، فقط من أجل الحفاظ على كرسيه، في نموذج ربما ليس جديدا تماما، فهناك العديد من القوى الدولية التى سعت للقيام بنفس الدور في السنوات الأخيرة بينما كان مصيرها الفشل والتراجع، والركوع، فصاروا ملفوظين سواء من قبل شعوبهم أو من قيادات العالم.
يبدو أن العالم على موعد أمام نهاية “رامبو” جديد، سعى لتصدير صورة المسالم بينما تكشفت اطماعه في لحظات تاريخية معينة، ولكن تبقى النهايات السابقة بمثابة دروس مهمة للتاريخ، ينبغي أن يعيها الجميع قبل الاقدام على مقامرات غير محسوبة، خاصة إذا كانت تلك المقامرات تستهدف شعوبا لها تاريخ من النضال لكل من سولت له نفسه انتهاك حقوقهم أو النيل من مقدراتهم.. وكتب التاريخ موجودة عليهم قراءتها بعناية.
بقلم بيشوي رمزي