نشرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية تقريرا مطولا أعده 7 من الكُتاب يتحدثون فيه عن المآلات المحتملة للحرب المستعرة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة. وأفردت المجلة حيزا كبيرا من التقرير تطرقت فيه للسيرة الذاتية لرئيس حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، الذي تعتبره العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي على إسرائيل. بيد أن كُتاب التقرير انتهوا إلى أن الهجوم وما تبعه من تطورات، أعاد القضية الفلسطينية إلى مركز اهتمام العالم، وكان “نقطة تحول” في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ “لم يعد الوضع كما كان عليه في السابق”، كما اضطر إسرائيل إلى التخلي عن الوهم بقدرتها على “إدارة” الصراع مع الفلسطينيين. من نتائج الهجوم ومن نتائج هجوم حماس وما تلاه من حرب إسرائيل على غزة، أن “عُلقت” محادثات التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وباتت كل من روسيا والصين تريان في الوضع الراهن “فرصة” لفرض نفوذهما في المنطقة، في حين يكافح الاتحاد الأوروبي لتحديد دوره المستقبلي في هذا النزاع، وتواجه الحكومة الأميركية تحديات بسبب موقفها المؤيد لإسرائيل وتشعر بالعزلة، وفق تقرير دير شبيغل. ونقلت المجلة الألمانية عن الخبيرة الإسرائيلية في مجال استطلاعات الرأي، داليا شايندلين، أن حركة حماس أصبحت الآن بالنسبة للعديد من الفلسطينيين “الرقم واحد” في القتال ضد إسرائيل، في وقت أضحت حركة فتح “العلمانية” -التي تسيطر على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية– بلا أهمية. ويقول التقرير إن ذلك كان أحد أهداف حماس، بالإضافة إلى هدف آخر هو احتجاز أكبر عدد من الأسرى للضغط من أجل إطلاق سراح الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية. زعزعة شعور الإسرائيليين بالأمان وهناك هدف ثالث ربما كان يراود خيال السنوار -بحسب المجلة- وهو زعزعة شعور الإسرائيليين بالأمان، وثقتهم بالدولة والجيش، وإصابتهم في نقطة ضعفهم: الخوف العميق من إبادة شعبهم المُضطهد منذ آلاف السنين. وتساءل معدو التقرير: كيف وصلت الأمور إلى الحد الذي أصبحت فيه حماس قادرة على شن هذا الهجوم العنيف؟ ولماذا تخاطر حماس بحكمها على قطاع غزة، بل بالأحرى بوجودها؟ وهل تستطيع إسرائيل أن تُدمّرها بهذه الحرب؟ أم أن حماس قد تخرج في نهاية المطاف وهي أقوى على المدى البعيد؟ تساؤلات تنصح دير شبيغل كل من يبحث عن إجابات عنها ألا يتجاهل يحيى السنوار. فما حماس ومن يحيى السنوار؟ يقول التقرير إن قصة حماس بدأت في ديسمبر/كانون الأول 1987 كفرع لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وأسسها الشيخ أحمد ياسين، وكان يحيى السنوار في منتصف العشرينيات من العمر، وكان أكثر تلاميذه “اجتهادا”. ولم يكن ياسين ورفاقه قبل ذلك يشاركون في المقاومة المسلحة التي كان يهيمن عليها “القوميون العلمانيون”، بل كان هدفهم هو “أسلمة” المجتمع. وقد حصل ياسين في سبعينيات القرن الماضي على ترخيص من الإدارة العسكرية الإسرائيلية لإنشاء جمعية إسلامية، وكان أتباعه يديرون مدارس وعيادات ومراكز دينية؛ حيث كانت إسرائيل آنذاك تخشى القوميين المسلحين، ورأت في المسلمين المتدينين “ثقلا موازنا” لهم، ودعمتهم. ولما كان ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، وهو في منفاه بـتونس، يفكر في التفاوض مع إسرائيل وحل الدولتين، سلكت حماس طريقا مختلفا -وفقا لكُتاب التقرير- حيث رأت أن اللحظة مناسبة للكفاح المسلح. إقامة دولة فلسطينية وعلى العكس من تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، ظلت حماس تسعى إلى إقامة دولة فلسطينية، وليس إلى “الجهاد العالمي” أو إقامة دولة الخلافة. وبعد أن بدأت حماس بمهاجمة الإسرائيليين عام 1989، قرر مايكل كوبي -الذي كان يقود التحقيقات لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” في قطاع غزة في أواخر الثمانينيات- اتخاذ خطوة جذرية في التاسع من مايو/أيار من ذلك العام، فأمر باعتقال جميع أعضاء حماس، بمن فيهم ياسين ويحيى السنوار. وذكر التقرير أن كوبي قابل السنوار شخصيا حينما كان الأخير يبلغ من العمر (27 عاما). يقول كوبي إن السنوار “لم يتفوه بأي كلمة في البداية”، موضحا أنه كان معاون ياسين الأهم، ومؤسس “مجد” وقائدها، جهاز المخابرات الداخلي لحماس، وبضغط من ياسين فقط تحدث السنوار معه. وأضاف كوبي “كان من الواضح بالنسبة لي منذ ذلك الحين أن حماس هي عدونا الأكبر”، مضيفا “ما نقوم به الآن في غزة جاء متأخرا”. حماس كل شيء بالنسبة له وعندما سأله كوبي لماذا لم يؤسس أسرة وهو في نهاية العشرينيات من عمره؛ أجاب السنوار “حماس هي زوجتي وابني وابنتي ووالدي، حماس هي كل شيء بالنسبة لي”، وأكد أن اليوم سيأتي حيث يخرج رجال حماس من السجن لتدمير إسرائيل. وفي عام 1989، قضت محكمة إسرائيلية بسجن السنوار مدى الحياة 4 مرات، ودخل في إضراب عن الطعام 3 مرات، وناضل من أجل معاملة أفضل لرفاقه السجناء، قبل أن يُفرج عنه عام 2011 في إطار صفقة أطلقت بموجبها إسرائيل سراح 1027 معتقلا فلسطينيا مقابل الجندي جلعاد شاليط. وربما كانت تلك الصفقة هي التي شكلت نموذجا لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويتساءل معدو التقرير “فإذا كانت إسرائيل قد أطلقت سراح 1027 سجينا مقابل جندي واحد، فماذا لو خطفت حماس العشرات من الإسرائيليين؟”. السنوار طرح من داخل السجن فكرة حفر أنفاق لاختطاف الجنود الإسرائيليين لمبادلتهم بمعتقلين فلسطينيين (الأناضول) كاريزما مفعمة الذكاء ويصف كوبي زعيم حماس في غزة بأنه كان “مفعما بالكاريزما والذكاء”، فقد تعلم العبرية في غضون أشهر قليلة، وأبدى اهتماما بالتاريخ والسياسة الإسرائيليين، وتعلم قليلا كتاب “التوراة” المقدس عند اليهود. وأثناء وجود يحيى السنوار بالسجن، كان العالم من حوله يتغير؛ فقد وقّع عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين في حديقة الورود في البيت الأبيض في واشنطن عام 1993، اتفاقا ينص على تبادل “الأرض مقابل السلام”. وتطرق تقرير “دير شبيغل” إلى مقتل رابين عام 1995 على يد يهودي متطرف، حيث “كان رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو ووزيره للشؤون الأمنية إيتمار بن غفير من الشخصيات الرئيسية التي حرضت على الاغتيال”. وأشار التقرير إلى تولي محمد ضياء إبراهيم المصري -الملقب بـمحمد الضيف– قيادة كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، خلفا للمهندس يحيى عياش الذي اغتالته إسرائيل. وزعم كتاب التقرير أن الضيف والسنوار هما من خططا معا لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. رفض السلطة الفلسطينية ووفقا للمجلة الألمانية، فقد كان فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006 يمثل رفضا للسلطة الفلسطينية بسبب “عدم الكفاءة والفساد”، وتعبيرا عن “الإحباط” من العملية السلمية المتعثرة، حتى إن بعض المسيحيين صوتوا للإسلاميين. وتدعي المجلة أن إضعاف السلطة الفلسطينية هو الهدف المشترك الذي يوحد اليمين في إسرائيل مع حماس في غزة، وكلا الجانبين يستفيد في البداية من ذلك؛ حيث تواصل حماس بناء دولتها الصغيرة، ونتنياهو يشتري الهدوء، ويتابع توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، ويجعل حل الدولتين يبدو غير واقعي أكثر. ويقال إن السنوار طرح من داخل السجن فكرة حفر أنفاق لاختطاف الجنود الإسرائيليين لمبادلتهم بمعتقلين فلسطينيين. وبعد انتخاب السنوار -بعد بضعة أشهر- رئيسا لحماس في قطاع غزة في فبراير/شباط 2017، قدم الزعيم السابق لحماس خالد مشعل، برنامجا جديدا يتضمن تعديلا لميثاق حماس لعام 1988 في بعض بنوده. ورغم أن الوثيقة الجديدة لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود، فإنها للمرة الأولى التي تتحدث فيها حماس عن دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967. غزة نمر جائع محتجز في قفص “وفي مفاجأة للكثيرين” -يضيف التقرير- تحدث السنوار مع صحفيين أجانب قائلا “إذا كانت لدينا فرصة لحل النزاع دون دمار، فنحن موافقون على ذلك نريد أن نستثمر في السلام والمحبة”. لكن تقرير دير شبيغل يرى أن حديث السنوار لم يكن سوى جزء واحد من رسالته للصحفيين؛ أما الجزء الآخر، فكان “قاتما وينذر بالخطر” إذ يقول إن غزة تشبه “نمرا جائعا جدا محتجزا في قفص”، وإن الحيوان الذي “حاول الإسرائيليون إذلاله قد تحرر، ولا أحد يعرف إلى أين سيتحرك وماذا سيفعل”، مضيفا أنه لا يمكن لحماس أن تستمر كما في السابق فـ”الأوضاع هنا لا تطاق والانفجار حتمي”. ووفقا للتقرير، ليس من السهل إضعاف حماس اقتصاديا، لأن مصادر دخلها الرئيسية توجد في الخارج. وتقدر المجلة دخل حماس السنوي بنحو 500 مليون دولار. وتؤكد المجلة الألمانية -نقلا عن المحلل مايكل ميلشتاين من جامعة تل أبيب- أنه حتى لو نجحت إسرائيل في هزيمة حماس عسكريا، فإنها ستستمر بالوجود تحت الأرض وفي الخارج، “ولا يمكن تدميرها”.
المصدر : دير شبيغل