أبرزت دراسة دولية أن الإمارات لا تزال تعيق مساعي السلام والاستقرار في ليبيا وتتعمد دعم الثورة المضادة في البلاد لتحقيق مؤامراتها وأطماعها.
ونبهت الدراسة الصادرة عن منتدى الخليج الدولي، إلى أنه بعد فشل خيارها العسكري بالرهان على مجرم الحرب خليفة حفتر، لجأت الإمارات للدبلوماسية والسياسة لتحقيق أهدافها في ليبيا.
وجاء في الدراسة: رعت الأمم المتحدة هذا العام عملية سلام تهدف إلى استعادة الوحدة السياسية في ليبيا وحل مشكلة الحرب الأهلية في البلاد. ومن المقرر حتى الآن إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول، لكن التطورات تشير إلى إمكانية عدم عقدها.
وفي ظل السلام المتوتر في ليبيا، يجدر التساؤل عن مكان الإمارات حيث تعد من أقوى الجهات الأجنبية الفاعلة في البلاد.
وبالرغم من المشهد السياسي المتغير، ما تزال أبوظبي متمسكة بنفس الأهداف التي سعت لتحقيقها منذ أغسطس/آب 2014 لكن باستخدام تكتيكات واستراتيجيات جديدة توضح كيف يتعامل المسؤولون الإماراتيون بشكل عملي مع الحقائق الجديدة في ليبيا.
وبعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب الأهلية الليبية في مايو/أيار 2014، أثبتت الإمارات أنها الراعي الأجنبي الأكثر أهمية للجنرال “خليفة حفتر”.
وعزز الإماراتيون مكانة “حفتر” في الدولة من خلال الدعم المالي ونقل الأسلحة والتغطية الإعلامية الإيجابية. ومع ذلك، لم يتمكن الجنرال المنشق من تحقيق أهدافه بعد فشل هجومه على طرابلس في أبريل/نيسان 2019.
ويعزى هذا الفشل إلى حد كبير إلى تكثيف التدخل العسكري التركي المباشر في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020، ما أدى إلى دفع قوات “حفتر” إلى سرت على بعد مئات الأميال من طرابلس.
وأجبر هذا الفشل الإمارات على التصالح مع عجز “حفتر” عن تحقيق نصر عسكري شامل، ما دفع أبوظبي للبحث عن سبل أخرى لتأمين مصالحها. ودفع هذا الإدراك المسؤولين الإماراتيين إلى المصادقة الرسمية على عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.
وفي أواخر يناير/كانون الثاني بعد يوم واحد من توجيه مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة دعوة للإمارات وتركيا وروسيا إلى “احترام السيادة الليبية والوقف الفوري لجميع أشكال التدخل العسكري في ليبيا”، كتب سفير أبوظبي لدى المنظمة الدولية رسالة يؤكد فيها على “الحاجة الملحة لبذل جهود دبلوماسية متجددة لحل النزاع في ليبيا”.
وقال الدبلوماسي الإماراتي إن الإمارات “مستعدة للعمل بشكل وثيق مع جميع أعضاء مجلس الأمن، بما في ذلك الإدارة الأمريكية الجديدة، لتحقيق تسوية سلمية في ليبيا”.
لكن هذه المواقف الدبلوماسية لا تعني أن الأهداف الأساسية لدولة الإمارات تغيرت، خاصة أن المسؤولين في أبوظبي ينظرون إلى العملية التي تقودها الأمم المتحدة بريبة بسبب مخاوفهم من أن تخدم في النهاية مصالح الإسلاميين في ليبيا.
وقال “حسين إيبش” من معهد دول الخليج العربية بواشنطن: “أعتقد أن الإمارات لا تزال تسعى لتحقيق نفس الأهداف في ليبيا والتي تستند إلى حد كبير إلى معارضة النفوذ الإسلامي في جميع أنحاء العالم العربي، لكن سيتعين عليها القيام بذلك سياسيًا ودبلوماسيًا في ليبيا”.
وأضاف: “ساعد رعاة كلا طرفي النزاع في ليبيا على نجاة وكلائهم من جهود الجانب الآخر لإسقاطهم، ما يعني أن هناك تقسيمًا فعليًا في البلاد بين الشرق والغرب. وقد يؤدي هذا الجمود إلى إدارة أكثر تنظيماً للشرخ بدلاً من نوبات النزاع المدني المسلح. ولا أعتقد أن الأهداف والمصالح الأساسية للأطراف الخارجية قد تغيرت لمجرد أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود”.
وقد أثبتت القوات الموالية لطرابلس قدرتها على الحفاظ على المناطق التي تسيطر عليها في حين أنها غير قادرة على احتلال الأراضي التي يحتفظ بها الجانب المقابل.
وفي ظل هذه الظروف، رأت أبوظبي أنه من المفيد لمصالحها الخاصة مواكبة العملية التي تقودها الأمم المتحدة لإدارة هذا المأزق الذي تشترك فيه قوى خارجية أخرى وأبرزها تركيا التي أطلقت حملة إنقاذ ضخمة لحكومة الوفاق الوطني.
وتتمثل إحدى طرق فهم هذا الوضع في أن أبوظبي كانت ستخسر من استمرار الصراع بالنظر إلى إمكانية توغل القوات الموالية لطرابلس باتجاه الشرق في صيف عام 2020.
وفي ذات الوقت، إذا استمر الصراع قد يؤدي ذلك إلى اشتباك مصري تركي مباشر في سرت أو بالقرب منها وهو سيناريو أثار قلق الجانبين وكذلك الناتو.
وأوضح “أمبرتو بروفازيو”، محلل شؤون المغرب العربي في مؤسسة كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو، أن “الخسارة الفادحة التي لحقت بحفتر على أبواب طرابلس في عام 2020 كانت تهديدًا خطيرًا للمصالح الاستراتيجية للإمارات وحلفائها الإقليميين خاصة مصر، وكان من شأن هذا الانهيار أن يقوض السياسات الإقليمية للجبهة المضادة للثورة ويحد بشكل خطير من نفوذها في ليبيا”.
قد يكون هذا هو السبب الرئيسي الذي أقنع أبوظبي والقاهرة بالتجاوب مع الدبلوماسية والابتعاد عن خطاب “الخطوط الحمراء” وخطر حدوث تصعيد خطير مع تركيا.
وفي نفس الوقت قامت مصر والإمارات بإعادة ضبط سياساتهما دون تقديم تنازلات كبيرة للمنافسين المحليين وداعميهم الأجانب. ونسج الجانبان علاقات خاصة مع أصحاب المصلحة المهمين داخل وخارج حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من الأمم المتحدة، ما وفر وقتًا “لحفتر” لإعادة التأهيل ووضع الأساس لبعثته السياسية وعودته المتوقعة إلى المنافسة الانتخابية.
وبالرغم من مخاوف الإمارات من احتمال استفادة الإسلاميين من عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، لكن الإمارات يمكن أن تكون متفائلة بشأن مصالحها في ليبيا ويرجع ذلك إلى التطورات الداخلية في البلاد والاتجاهات الإقليمية في شمال أفريقيا.
وبحسب “بروفازيو”، فإن موافقة مجلس النواب الليبي على قوانين الانتخابات المثيرة للجدل وموافقة “حفتر” على التخلي (مؤقتًا على الأقل) عن منصبه كرئيس للجيش الوطني الليبي ليصبح مؤهلاً للمشاركة في الانتخابات تشير إلى “بيئة أكثر ملاءمة لسياسات الإمارات في ليبيا”.
علاوة على ذلك، تشير التقارير إلى أن “حفتر” ضغط من أجل تجنيس القبائل المصرية والتشادية في شرق ليبيا، وهي خطوة من شأنها أن توسع قاعدة دعمه في الانتخابات.
وفي الوقت نفسه، فإن ما حدث في تونس يوم 25 يوليو/تموز (استيلاء الرئيس “قيس سعيد” على كافة السلطات وتجميد ديمقراطية) كان له أثر إيجابي على الإمارات ووكلائها في ليبيا.
وقال “إبيش” إن “الانقلاب في تونس يعزز الشعور بأن الإسلاميين ليسوا في وضع جيد لقيادة أغلبية قوية في معظم البلدان العربية وأنه من السهل على خصومهم إلقاء اللوم عليهم عندما تسوء الأمور”.
وفي نهاية المطاف، من غير الواضح كيف ستتقدم عملية السلام الليبية تحت رعاية الأمم المتحدة ولا يزال من غير المؤكد أن تجرى الانتخابات التي طال انتظارها الشهر المقبل. وفي حين أن الاستقرار النسبي في البلاد هو علامة إيجابية، لكن البلد لا تزال معرضة لخطر زعزعة الاستقرار مع استئناف القتال في أي وقت.
وفي ظل هذه الظروف، من الممكن تخيل عودة أبوظبي إلى سياسة خارجية أكثر عدوانية في ليبيا بما في ذلك التدخل العسكري مرة أخرى لإضعاف الميليشيات الإسلامية الليبية إلى أقصى حد ممكن، لا سيما إذا استمرت التوترات بين “حفتر” ورئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية “عبدالحميد الدبيبة”.
ومع عدم التزام إدارة الرئيس “جو بايدن” بلعب أي دور قيادي في ليبيا، ستظل هناك فرص للجهات الفاعلة الأخرى مثل الإمارات أو مجموعة “فاجنر” الروسية أو مصر أو تركيا أو قطر أو فرنسا أو إيطاليا، ولكن بدرجات مختلفة.
وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات، سيستمر الصراع على السلطة بين القوى الأجنبية في ليبيا حيث تصر الإمارات على متابعة أهدافها المضادة للثورة حتى لو اضطرت بعض الوقت لتغيير تكتيكاتها.