فى حديثه عن قانون الإيجارات القديمة حل الرئيس السيسى ألغازا كثيرة سعى البعض إلى محاولة فرضها بالأمر الواقع، فلم يقصد أو يوجه بتغير القانون، حتى أنه قال بالحرف الواحد (ليس لدى توجه معين)، وإنما أراد توجيه رسالة طمأنينة لكل من المالك والمستأجر من خلال حلول عملية يسعى هو بنفسه لتحقيقها على أرض الواقع من قبيل (هيحل حجم المعروض من الشقق المشكلة من جذورها)، مشيرا إلى أن قيمة الإيجار رخيصة كما أن القانون الجديد يفرض إيجارا غالية فوق طاقة البسطاء من أبنا هذا الوطن، لذا لجأ إلى حلول جذرية تتحملها الدولة عندما قال بالحرف الواحد (هخلى الناس تمشى تتكعبل بالشقق).
وانطلاقا من حرص الرئيس على إحداث حالة التوازن بين المالك والمستأجرقالها واضحة وصريحة (حل أزمة قانون الإيجار القديم يتمثل فى العمل على تكثيف المعروض)، وتابع أن (الملكية يجب أن تعود إليها قيمتها ومكانتها من قبل تعامل المواطنين فيما بينهم)، وأردف قوله بأن: (هناك شقق فى وسط البلد إيجارها 20 جنيها وقيمتها ملايين، من حق المواطن يقعد فيها، لكن من حق صاحبها أيضا أن يستمتع بقيمتها)، وطمأن المستأجرين تحديدا بقوله : (أى حد عاوز شقة نقدر نوفرله، وهنعمل توازن نسبى لمواجهة مثل هذه القضايا، علشان نحسن من الواقع بعض الشيء).
وإذا تأملنا كلام الرئيس جيدا سنجد أن راعى المصلحة لكلا الطرفين (المالك والمستأجر) ووأد نار الفتنة الذى كانت على وشك الاشتعال بفعل تسخين بعض ممثلى الملاك المستفيدين فى الغرفة الثانية لمجلس النواب فى أكتوبر القادم، لقد أوقف الرجل الجدل الدائر القائم خلال السنوات الخمس الماضية دون أن يلمح لأى من كان أنه أصدر تعليمات بإلغاء القانون لأية جهة تشريعية أو دستورية فى مصر، على عكس ما يصوره البعض فى فيديوهات وتعليقات وصفحات على السوشيال ميديا فى شكل تفسيرات غريبة وعجيبة تبعد عن الواقع، خاصة القانون القديم محمى بحكم دستورى لا يمكن إلغائه، وأيضا (ولولة) بعض المستأجرين والتلويح بأن إلغاء القانون سوف يطرد أكثر من 30 مليون فى الشارع أمر آخر مرفوض.
حقيقة الأمر أن مايثار حاليا من مظلومية الملاك وبكاء المستأجرين ليس له محل من الأعراب فى ذهن رأس الدولة المصرية التى تسعى فى كل خطواتها إلى تخفيف الأعباء عن المواطن وتوفير سبل (حياة كريمة) على أرض المحروسة، ولا ننسى أن المجتمع المصرى كان متخما بالمشاكل المجتمعية والخدمات الأساسية فى الفترة ما قبل 2013، وعندما خرج المواطن المصرى إلى الشارع ليعبر عن مطالبه كانت العدالة الاجتماعية على رأس تلك المطالب، ولا يمكن أن تتحقق تلك العدالة المرجوة بدون سكن آمن، وعندما نقول سكن آمن فذلك يعنى آمن من الناحية الصحية والمجتمعية أي؛ ليس سكنا فى منطقة عشوائية يهدد حياة قاطنيها، وليس سكنا غير مستقرا حيث يتنقل المواطن بين بناية وأخرى فى حالة السكن تحت مظلة قانون الإيجار الجديد أو أن يكون فى حالة من النزاع الدائم تحت مظلة قانون الإيجار القديم.
ومن ثم، بدأت الرؤية الوطنية المصرية فى مخاطبة تلك الأزمة ولكن بالمعالجة الجيدة والذكية، أملا فى التخلص من تلك الفجوة بين المواطن الذى يفتقر إلى امتلاك مسكن ولو بسيط وبين المواطن الذى يمتلك مسكنا فاخرا أو حتى أكثر من مسكن، وتعزيز فكرة تملك المسكن وتحقيق الأمان لكل أسرة مصرية، فأولا: بدأت الدولة المصرية بالتخلص من العشوائيات والمجتمعات غير الصحية والتى لا يصح وجودها فى وجود مدن ذكية متطورة جديدة، وأقامت مجتمعات عمرانية جديدة، تملك المواطنين وحدات سكنية نالت إعجابهم ورضاهم عن تلك التى كانت تفتقر حتى إلى الأكسجين وإلى أبسط أنواع الحياة الآدمية، وبالفعل نجحت فى إنقاذ شريحة كبيرة من المجتمع كادت تندثر تحت أنقاض عشوائيات تنهش فى جسد الوطن وتكون بؤر الفساد والتطرف الفكرى وتقع تحت طائلة مثلث الفقر والجهل والمرض.
وثانيا: الاقتراب من ملف الإيجارات وخاصة الإيجار القديم، ذلك القانون الذى ولد فى خمسينيات القرن الماضى ولم يضع له من صممه آليات تطوير خاصة فى ظل التضخم السكانى والمالي، فأصبح مثل قطعة الثوب البالية التى من المفترض أن يرتديها أحد!، ذلك القانون الذى يظلم المالك والمستأجر، ملف شائك لا يمكن الاقتراب منه بمشروع قانون مقدم من مجلس النواب أو الحكومة والحل – بالفعل – صعب للغاية، ولكن يأتى هنا ذكاء الرؤية الوطنية، فبدلا من الصدام وتغيير الواقع بالورق، بدأت الدولة المصرية تغيير الواقع على الأرض، وطرح وحدات سكنية بتسهيلات كبيرة وتوقيع مذكرات تعاون مع شركات الإسكان، ولا سيما عن مبادرة البنك المركزى عن التمويل العقارى أو مبادرة الـ 3 % .
ولا تقتصر تلك المبادرة على فكرة التمويل العقارى فقط بل شروطها تتماشى مع رؤية الدولة فى التقنين وإنهاء الفوضى العقارية باختيار الوحدات السكنية المسجلة فى الشهر العقاري، فمثل تلك المبادرات تشجع بائعى الوحدات لتسجيل وحداتهم وإدخال مرافق جيدة، ومن ثم أقول لكل الأطراف المتنازعة على قانون الإيجارات القديم اهدأو قليلا، فإن الصدام مع القانون لم يكن ليحل ذلك الملف الشائك، وأيضا لطالما عانى المواطن من قانون الإيجار الجديد، لذا الالتفاف حول تلك الازمة من جانب الرئيس خلق مسارات من أجل تحقيق العداله المجتمعيه، من خلال فكرته العبقريه عن توفير وحدات لحل هذه الأزمه وليس طرد المستاجرين حسب تلميحات الملاك الذين تجددت أحلامهم تعديل هذا القانون فى سبيل الحصول على ميراثهم الثمين.
وهو ما يأتى فى ظل المقترحات التى قدمت من قبل لتعديل قانون الإيجار القديم 2021، حيث جاءت أبرز أفكار وطروحات أعضاء مجلس النواب بشأن تعديلات القانون كالآتى:
– جاء التعديل الأول متعلق بزيادة قيمة الإيجار بشكل تدريجي، لكن فى الوقت نفسه لا يؤثر على المستأجر، ويحقق العدل للملاك، ويحول دون طرد ساكن من مسكنه.
– التعديل الثانى فكان يخص أحقية استمرار الوريث الأول فى المسكن، بشرط ألا يتم هذا إلا لمرة واحدة، ولا يتم تجديدها، مع رفع قيمة الإيجار بشكل مناسب للطرفين.
– التعديل الثالث يخص حالات إخلاء الوحدة المؤجرة فى حال غلقها لمدة 3 سنوات لغير غرض السفر، أو مرور المدة نفسها على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المُستأجر أو زوجته أو أولاده القصر، أو استفادته من الحصول على مسكن من برامج الإسكان التى تقدمها الدولة.
– التعديل الرابع، ويخص صيغة عقد الإيجار القديم، واقترحت أن يدفع المستأجر 60% من القيمة السوقية للوحدة السكنية، ومع تحسن الظروف يمكن للمستأجر دفع الـ 40% وتصبح الوحدة ملكية شخصية، أو يتم عرضها للبيع ويحصل الطرفان كل على نسبته.
– التعديل الخامس، تحديد الحد الأدنى للإيجارات، بأن تكون 200 جنيه للوحدات السكنية، 300 جنيه للوحدات الإدارية.
وربما كانت تلك المقترحات وغيرها أسباب كافية لسعى الرئيس لحل مشكلات قانون الإيجار القديم، حيث أكد على مبادئ (احترام الملكية من غير ما ندوس على الناس)، موضحا أن بعض الوحدات إيجاراتها جنيهات قليلة، فيما تتعدى قيمتها السوقية نحو 5 ملايين جنيه، وأضاف الرئيس أن من حق المواطن أن يسكن فى وحدات قانون الإيجار القديم مع الاحتفاظ بحق مالكها الأصلى فى الاحتفاظ بملكيتها دون المساس بأحد، وهذا يؤكد حقيقة لماذا لم تتقدم الحكومة حتى الآن بأى مشروع بقانون يخص حل أزمة الإيجار القديم، حيث إن الحكومة هى الجهة الوحيدة المنوطة بالتقدم بمثل هذا التشريع كونها الجهة الأكثر اطلاعا على النسب التقديرية الخاصة بالوحدات السكنية المؤجرة بالنظام القديم حول الجمهورية.
هى أزمة قديمة وباقية حتى الآن ولم يتم حلها بلاشك، رغم أن هناك حقوقا خاصة بالملاك يكفلها الدستور وينظمها الشرع وكافة الأعراف والمفاهيم الإنسانية، لكن فى نفس الوقت لابد أن نكون متدبرين لأصحاب القدرات المالية المحدودة من قاطنى تلك الوحدات، لقد كان حل تلك المشكلة من الصعوبة بمكان، أقصد حال جذرى بطريقة متدرجة وليس دفعة واحدة، حتى جاءت فكرة الرئيس السيسى بهذا الحل السحرى ليرضى كافة الأطراف من خلال طرحه الأخير بأحقية المواطن بسكن ملائم وآمن، وهو ما ينم عن إلمامه الكامل بكافة أطراف القضية وإدراكه للمخاطر، وكيف يمكن أن تحدث مثل تلك المشكلات فتنة مجتمعية داخل مصر التى يسعى إلى جعلها شامخة بين كافة الأمم.
جاءت أفكار الرئيس لحل قضية من أبرز قضايانا المصرى وسط حديث حكومى على أعلى مستوى بضرورة تعديل قانون الإيجارات القديمة فى مصر، بدأت نغمة الحديث عن تعديل القانون فى الارتفاع، مع نية برلمانية لتقديم مقترحات بتعديل القانون من أجل السماح برفع قيمة الإيجار، والذى سيؤثر على الملايين من شاغلى الوحدات السكنية، وفقا لهذا القانون الذى لم يتغير منذ عقود، كما أن النية واضحة داخل مجلس النواب من أجل مناقشة تعديلات قانون الإيجارات القديم خلال دور الانعقاد المقبل والذى ينطلق فى أكتوبر المقبل، ويتوقع أن تخضع التعديلات لحوار مجتمعى موسع مع المستأجرين وأصحاب العقارات، ففى الوقت الذى لم يعد فيه من المنطقى أن يستمر إيجار بعض الوحدات السكنية فى أرقى الأحياء بالعاصمة المصرية عند 10 جنيهات، لا ينبغى المساس بحقوق المستأجر الضعيف فى ظل ظروف اقتصادية ضاغطة.
لقد أدهشنى حقيقة تصريح أحد نواب البرلمان بقوله: حديث رئيس الجمهورية عن قانون الإيجارات القديمة، بمثابة ضوء أخضر لمناقشة مجلس النواب التعديلات المقترحة على القانون (قدمها ائتلاف – دعم مصر – فى البرلمان السابق)، والهادفة فى المقام الأول إلى تحرير عقد الإيجار بين المالك والمستأجر خلال مدة زمنية محددة، قد تصل إلى 10 سنوات فى أقصى تقدير، مع إقرار زيادة سنوية على قيمة الإيجار الشهرية)، وأضاف النائب أن (البرلمان السابق نأى بنفسه عن التعرض لأزمة الإيجارات القديمة على مدى 5 سنوات، خوفا على شعبية النواب فى الشارع، لا سيما أن تعديل القانون يواجه رفضا شعبيا، باعتبار أن شريحة المستأجرين، وهى الأكثر عددا، معرضة للضرر بصورة أكبر فى حال تعديل القانون، نتيجة سحب الوحدات السكنية منها لصالح المالكين، من دون توفير بدائل لها).
يا سيادة النائب، الرئيس لم يشر من قريب أو بعيد ولم يعطى ضوا أخضر ولا أحمر ولا برتقالي، هو قدم مقترحات عملية لحل أزمة قديمة كانت على وشك الانفجار فى وجه (المالك والمستأجر) كل على حد سواء، ومن ثم ينبغى علينا أن نسمع أكثر مما نتحدث وألفت نظرك إلى حكمة (زينون) الفيلسوف الصينى العظيم عندما قال : (لكل منا أذنان ولسان واحد فيجب أن نسمع أكثر مما نتكلم)، يجب أن نشكر الرئيس على حسن تعامله بأفكار عملية تراعى مصالح المواطن لا أن ترهبه بتصريحات تنزع فتيل الأزمة التى تمثل بركان يغلى منذ سنوات طويلة حتى جاء الرجل وقدم حلا سحريا لأزمة مستحكمة، وليس له هدف سوى أن ينعم المواطن المصرى بسكن ملائم وحياة كريمة يسعى إلى أن تسكن كل مناطق مصر فى الريف والحضر.
بقلم محمد حبوشه