موقع مصرنا الإخباري:
«مصر القديمة»… حضارة هى الأبرز فى تاريخ البشرية، وكانت ومازالت سببًا فى طمع الكثيرين من الغربيين، الذين حرصوا على اكتشاف تجلياتها العديدة من خلال بعثات أجنبية أصبحت الآن تحت إشراف الحكومة المصرية، وفتن الغرب بسحر الحضارة الفرعونية مما انعكس على الأعمال الأدبية والتوثيقية والدرامية التى تسرد قصص وحكايات مصر القديمة، ومنها الحقيقى والمحرف والمزيف، ولكن للأسف غابت حضارتنا القديمة عن الرواية المصرية أو ندر وجودها، فمنذ «رادوبيس» لنجيب محفوظ وعلاماته الأخرى الخالدة التى استلهمت روح هذه الحضارة: (كفاح طيبة، وعبث الأقدار، والعائش فى الحقيقة) ورائعة الأديب الكبير الراحل عبد الحميد جودة السحار «أحمس بطل الاستقلال» لم تظهر أعمال لافتة فى هذا الميدان وللوقوف على أسباب ذلك الغياب التقت «الأخبار» بعدد من المعنيين بهذه القضية.
فى البداية يقول المؤرخ محمد عفيفى: أن أهم أسباب قلة الروايات المستمدة من التاريخ المصرى القديم، أن معلومات الباحثين والشباب والمثقفين عن العصر الفرعونى تعد قليلة جدا، فنجد باحثين أمريكيين ويابانيين لديهم معلومات أكبر عن العصر الفرعونى من الشباب المصرى، وبالتالى بعد وقت سنجد هؤلاء الشباب يخرج منهم من يكتب الروايات، وأضاف عفيفى أن الأمر الثانى هو ظهور موجة فى السبعينات والثمانينات تدعى أن العصر الفرعونى، وثنى ويمثل حضارة وثنية وبالتالى حدث انصراف عن هذه الفترة، كما أن الفترة الفرعونية والكتابة عنها حدثت فى إطار ما بعد ثورة 1919، وبزوغ الحركة القومية المصرية التى تعتبر العصر الفرعونى أساسا تاريخيا لها بشكل كبير، ونستطيع أن نرى ذلك فى تصميم تمثال نهضة مصر لمحمود مختار وضريح سعد زغلول الذى جرى بناؤه على طراز فرعونى.
مجرد قشور!
أما الناقد الكبير الدكتور شاكر عبد الحميد فيرى أن غياب مصر الفرعونية فى الرواية يمكن نسبته إلى الاهتمام بالتاريخ الحديث والمعاصر، وقلة الاهتمام بالتاريخ الفرعونى، أو غموضه وكذلك انشغال الأدباء بالأزمات المعاصرة، فهناك نقص بشكل عام فى الاهتمام بكتابة الروايات التاريخية عن كل المراحل السابقة وليس المرحلة الفرعونية فقط.
ومن جانبة قال الدكتور هيثم الحاج على رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب: نحن ظلمنا تاريخنا بشكل ما لأننا لم ندرسه بشكل جذاب يجعل أولادنا يحبون القراءة عنه أو يبحثون عن تفاصيله، فكل ما يُستعرض عنه مجرد قشور أو الأحداث الكبرى السياسية، وأكد أن من أسباب عدم استغلال تاريخ مصر الفرعونية فى الرواية هو أن مناهج التعليم لا تستعرض تفاصيل التاريخ الفرعونى من جميع اتجاهاته ونقص تلك التفاصيل والاهتمام بعموم التاريخ السياسى فقط يعد سببًا لقلة تناول الحضارة الفرعونية فى الرواية العربية.
وأضاف هيثم بقوله: لهذا السبب قررت الهيئة العامة للكتاب عودة «سلسلة مصريات» التى يرأسها وزير الآثار الأسبق دكتور ممدوح الدماطى، والتى ستبدأ بثلاثة كتب تستعرض الحياة الفرعونية، على أن يكون الكتاب الأول عن التربية والتعليم، والثانى عن الأسرة المصرية والثالث عن الفلاح.
المرأة فى مصر القديمة
وترى الدكتورة هالة خلف رئيس قسم التاريخ بكلية التربية فى جامعة عين شمس، أن الأصح القول تاريخ مصر القديم أو مصر القديمة وليست مصر الفرعونية، مؤكدة أن مصر القديمة ممتلئة بالقصص الأدبية والروايات، ونأمل فى الفترات القادمة أن يوجه الأدباء أقلامهم إلى هذا التراث الزاخر والثرى بكل الموضوعات والجواهر الثمينة، كنا نعلم بأنه توجد كثير من العقبات التى تواجه الأدباء والروائيين حتى يستطيعوا أن يسردوا ويكتبوا عن مصر القديمة بسبب قلة الترجمات، فأغلب ما يكتب كان يكتب باللغات الأجنبية ولكن الآن توجد طفرة جيدة من الترجمات بيد الدولة تساعد على أن توجد ترجمات لشتى أنواع الكتب.
وأضافت هالة أن من أمثلة الترجمات الأدبية عن مصر القديمة «الأدب النُصحى» ونحن فى شهر مارس «شهر المرأة» فالمصريون القدماء يتحدثون عن المرأة «الزوجة والأم» كثيرا، فمثلا قال«بيتاح حتب» لابنه يوم زواجه: «أى بنى أنت اليوم تتزوج فلا تنسى أمك، هى من حملتك، هى من أرضعتك، هى من كانت تذهب بك إلى المدرسة، فاحملها كما حملتك وأطعمها كما أطعمتك، ولا تجعلها يوما ترفع يدها إلى السماء ستكونن من الخاسرين»، فقد كان المصرى القديم ينظر إلى المرأة على أنها المجتمع كله وليست جزءا بسيطا منه، وأتمنى أن نجد روايات فى الفترة القادمة تجسد وتحكى عظمة الجذور وعظمة الأجداد.
أحمس وملحمة الاستقلال
ويقول المؤرخ جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، إن تاريخنا القديم حافل بالقضايا الدرامية، ويتضمن موضوعات كثيرة تصلح للأعمال الدرامية، وبعض الدول استعانت بجزء من هذا التاريخ، وقدمت بعض الأعمال الدرامية مثل أمريكا، ولدينا ملاحم متعلقة بمواجهة الشعب المصرى بالغزاة، وهى فى حد ذاتها تصلح لأعمال درامية مثل «سكنن رع» وأولاد الملكة الذين قاوموا الهكسوس، وأحمس، وكيف استقبله المصريون بالغناء، “يا أياح حوتب اطمئنى ابنك عاد وانتصر”، ومواجهة المصريين القدماء للفرس، وبالإضافة إلى أن دور المرأة فى التاريخ القديم يستحق أعمالا أدبية ودرامية، فتضحية المرأة ومشاركتها للعمل مع زوجها، بالإضافة إلى الجانب الدينى وعلاقة المصريين بالدين وفكرة التوحيد منذ توت عنخ آمون وصولا إلى امنحوتب، ولكن توجد عقبات خطيرة تعوق ذلك، فالأدباء لا يعرفون اللغات المصرية القديمة ولا يوجد اهتمام كاف بترجمات الكتب التى كتبت باللغات العالمية مثل الفرنسية والانجليزية، فهناك ترجمات عن جوانب مختلفة للتاريخ المصرى القديم استعرضت العادات والتقاليد والأعراف التى كانت سائدة عند المصريين، والشخصية المصرية وسماتها من الصبر والتحدى والصمود والإنجاز واحترام الكبير وتقدير الحاكم مادام يعمل فى صالح الجميع، والقدرة على الثورة فقد كان المصريون القدماء أول شعب ثائر فى التاريخ، بالإضافة إلى احترام القانون، واحترام مياه النيل، وحب الحياة… يوجد فى الحياة المصرية القديمة مسائل كبيرة يمكن للأدباء اللجوء إليها لكتابة إبداعات أدبية رائعة، ولكن أزمة الترجمات هى السبب الأكبر لقلة ذلك، فكلما كان يكشف أثر وجد عليه نصا مكتوبا يظل ذلك النص حبيس البعثات الأجنبية التى اكتشفته، لذلك نأمل أن تنشط حركة الترجمة من اللغات المصرية القديمة إلى اللغة العربية، حتى يتمكن أدباؤنا من كتابة أعمال درامية حول الظواهر التاريخية المختلفة.
ثلاثية نجيب محفوظ الفرعونية
ويلاحظ الناقد حسام عقل: بوجه عام تقلصت مدرسة الرواية التاريخية بكل فتراتها فى العقد الأخير، لحساب الرواية النفسية والرمزية والاجتماعية وما يسمى برواية الرومانسية الجديدة، والسبب فى تقديرى أن معظم الروائيين المصريين منذ عشر سنوات، أفرطوا فى الرجوع إلى الموضوعات التاريخية، وخصوصا الفترة المملوكية، وعاد بعض الروائيين إلى التاريخ القريب، وأسقطوا على الفترات اللاحقة من التاريخ العربى، ليفضحوا مؤامرات الاستعمار الجديد فى المنطقة العربية، ومن ثم لم يختاروا فترات الزهو والفخار، كالفترة الفرعونية، باستثناءات قليلة كما صنع الروائى (محمد العون)، فضلا عن أن الفترة الفرعونية، كانت تحتاج إلى تحضير أرشيفى تاريخى ضخم، وأراد معظم الروائيين المصريين، تأثرا بجارثيا ماركيز وتيار الواقعية السحرية، أن يختاروا فترات أقرب إلى مخاضات الإنسان المصرى الحديث ومعاناته،
وأضاف عقل: لقد كان صدود الروائيين المصريين عن المدرسة الروائية التاريخية، بكل فتراتها لا الفترة الفرعونية فقط، رد فعل طبيعيًا للإغراق والإنغماس فى الموضوعات التاريخية قبل عشر سنوات، ومن ثم فأنا أرى أن الإعراض عن المدرسة التاريخية حالة عربية شاملة، ويضاف إلى ذلك أن الروايات التى استوحت الفترة الفرعونية، لم تتسم بعناصر الجودة الفنية، من مثل ثلاثية نجيب محفوظ التاريخية (كفاح طيبة وعبث الأقدار ورادوبيس) أو محمود تيمور (مثل روايته كليوباترا فى خان الخليلى)، فقد غلب على هذه الأعمال روح التقريرية والمباشرة، وتكرست الأسوار بين المتلقى المصرى المعاصر وبين هذه الفترة، التى لم تجد حظا جيدا، من المعالجات السردية والفنية المحكمة.
وفى الختام يؤكد عبد الواحد النبوى وزير الثقافة الأسبق أن المادة العلمية المتاحة عن التاريخ الفرعونى، جافة وغير كثيفة، رغم أنها يمكن أن تخرج منها أعمال أدبية رائعة، فالراوى أو القاص أو الأديب يكتب من الثقافة المتاحة إليه، فاذا توفرت له مصادر جيدة يمكن أن تقدم له أى شكل من أشكال الإبداع، ومشكلتنا أن الفترة التاريخية من العصر العثمانى هى فترة مبنية على أبحاث أثرية اتسمت بتقديم معلومات غير مكتملة ولم تفسر لنا بعض الألغاز ولم تفك لنا الشفرات والرموز فى مصر الفرعونية، وأشار النبوى إلى الثقافة التعليمية، مؤكدًا أن الحضارة الفرعونية منذ 3500 سنة والمواد العلمية الموجودة عنها قليلة وغير متاحة للكثيرين، وطالب وزارة الثقافة بتنظيم مسابقات فى الأدب والفن التشكيلى والمسرح عن التاريخ الفرعونى.