موقع مصرنا الإخباري:
ظل الشعب العراقي الصابر يعاني الأمرين، ولم يشهد استقراراً منذ عشرات السنين، من حروب وحصار وتجويع وتركيع، إلى أن وصل به الأمر إلى دخول داعش خلصة إلى إراضيه، داعش ذلك الشيطان الأكبر الذي فكت بهذا البلد الكريم، ولم يرحم سني ولا شيعي ولا مسيحي، هذا الإرهاب المدعوم دولياً، والذي هدفه هو إضعاف هذا الشعب المغوار… الكاتب الصحفي الأستاذ حسين متولي يكتب عن الأزمة العراقية، وكيفية حلها، ويعتقد الصحفي أن أمن الخليج من أمن العراق…
لا أتصور أن استقرارا وسلما سيشهده الخليج العربي دون حديث عن أمن وسلامة بلد يعاني حروبا فحصارا واحتلالا ثم اضطرابات منذ أربعين سنة، اسمه العراق، وكأن قدره بيد شيطان يوجه مصائر أعراقه كافة.
ذلك أن سنوات الحرب مع إيران ثم احتلال صدام الكويت فحصار دولي وتجويع شعب قرابة 13 سنة تلتها خطوة الاحتلال الأنجلوأمريكي فى أبريل 2003 وما أعقبها من مسار سياسي فى ظروف غير مواتية أنتجت دستورا فيدراليا حتى ظهور داعش، لم تشهد اتفاقا حقيقيا يمكن تطبيقه فى بلد بات اتحاديا كمسمى، غير مطمئن لا يعرف طريقا إلى المستقبل، وقد استباحت جاراته حدوده ولعبت قوى لها داخله، فأسقطت وجوده عربيا وإقليميا وحولته إلى مأساة تعجز أو تتجنب الأمم المتحدة التعامل معها.
عراق الخير؛ الذي نعرف فى مصر قرى ونجوعا وكفورا لقبها أهلها بأسماء مدنه أو قياداته بعد سنوات من العشرة الطيبة بين أهله، لم تعد عملته تسمح بالكفاف أو يسد اقتصاده عجزا عند مواطنيه، هو فى الوقت ذاته البلد الذي تستهدفه شركات عملاقة بإعادة الإعمار بعد تخريب فتقسيم لتورتة الاستثمارات خاصة بقطاعي البترول والاتصالات، لا نعرف كيف تتجاهله دول عربية فى محنته وربما تتدخل إسلامية فى شؤونه بما لا يليق بسيادته، فيزداد حال أهله سوءا.
لا ينكر أحدنا على حكومات متعاقبة حسن نواياها فى إدارة شأنه، لكن إدارة موارده بشفافية وعدالة هى المعيار فى تقييم مرحلة تجاوزت 15 سنة بعد الدستور، نجد فيها تظاهرات مطلبية لا تغيب عن مدنه ومحافظاته، ونرصد بعدها حرمان موظفي بعضها من حقهم فى رواتبهم، وقد تحمل بعضها عبء لاجئين ودفاع عن أرض ضد داعش وتقديم شهداء فى مواجهة أكبر خطر يدمر استقرار المنطقة كلها.
لم يكن تفجير سوق بغداد الأخير سوى حلقة جديدة من صراع قوى لاتزال ترفض تقدم أي مسار ديمقراطي بعد إعلان موعد جديد للانتخابات، ولم تكن الصورة التى نفذ بها المجرمون فعلتهم سوى تعبيرا عن كراهية مستوطنة فى نفوس محركيهم ضد شعب لا يستحق هذا المصير ولا إراقة قطرة دم واحدة لأحد أبنائه.
تسأل عن طوائف وفرق وأعراق وقوى سياسية تمثلهم، فتجد خطاباتهم متعقلة متزنة وإجراءاتهم على الأرض مخالفة للمنطق والعقل، وحينما يدعو متعقلون للاحتكام إلى دستور الدولة تتزايد النعرات الطائفية ويعلو تبادل الاتهامات وكأن احترام الدستور جريمة.
بين الحين والآخر توقف عملية إرهابية تقدما ولا يسهم تغيير الوجوه فى تغيير السياسات فتضيع فرص الحوار وتهدر أعمار أجيال لم تعد تحتمل مصائرها، ومع ذلك تترك الكيانات الأممية العراق دون تدخل إيجابي نزيه محايد يحقق معادلة تسعى لتطبيقها فى بلدان أخري، وهى توازنات ما بين السياسة وحقوق الإنسان بتطبيقاتها الاقتصادية والاجتماعية، حتى الحقوق الثقافية التى ترفع شعاراتها للدفاع عنها فى بلدان مستقرة تهدرها وتتجاهلها مع تراث عراقي مستباح منذ الغزو وحتى الساعة التى يحضر فيها بايدن لحكم أمريكا، وربما التحكم فى علاقات منطقة الخليج على طريقة إدارته الجديدة المبنية رؤيتها بالتأكيد على تحقيق مصالح واشنطن باستغلال صراعات الآخرين.
أعلم أن دولتين بوزن مصر والأردن بما لهما من تاريخ مشترك مع العراق وحب متبادل بين شعبيهما وكل أعراقه، تسارعان لإنجاز اتفاقيات قائمة تستهدف مسارا جديدا فى عالم متغير متقلب يعترف بالمصالح والمصائر المشتركة، وأن حراكا اقتصاديا يتفق والرؤي الأمنية للحكومات الثلاث تجاه أوضاع المنطقة كلها سيكون حلا لشيء من الأزمة، لكن الحال لن يتبدل كثيرا إلا بقرار عراقي وطني خالص يذوب فى أروقة صناعته كل أبناء البلد وتتراجع أمامه مطامع أحادية فى مكتسبات زائلة، فما دون الوطن تعوضه السنوات.
كلنا أمل فى حوار حقيقي يدعو إليه حكماء العراق، من السنة والشيعة والكرد والعرب، يبحثون على طاولته عن المصير الوطني المشترك بعيدا عن استقطابات الخارج لبعضهم أو تحريكه لغيرهم، وفى ظننا أنهم قادرون على الفعل لحظة تأمل لا ينكرون فيها خطرا يحيق بهم جميعا فيسقطهم من حسابات الزمن لصالح عصابات مسلحة أو قوى تريدهم مستضعفين، ولو أن دعما حقيقيا للحوار العراقي تتبناه كيانات عربية وإسلامية وأممية ستكون نتائجه أقرب وأقوى بإرادة الفعل العراقي ذاته.
الشعوب الحرة لا تنتظر غيرها ليصنع لها مستقبلها ويحدد لها مصائرها، وشعب العراق عنوان حرية حقيقية واستقرار أبدي لن يشهده الخليج العربي أو المنطقة دون قراره، والمرحلة المقبلة فى ظننا ستكون شاهدا على مسار جديد للأحداث وتصور جديد للمستقبل داخله، لعل الجائحة الوبائية تكون أول أسباب التفكير فى قارب الإنقاذ الجماعي، طالما أن صدمة عودة تنظيم داعش بجيوبه وخلاياه لم تتيقظ معها العقول تماما لخطر معلوم.