موقع مصرنا الإخباري:
في الانتخابات البريطانية الأخيرة، بدا الأمر وكأن الناخبين البريطانيين عاقبوا المحافظين بشدة على سياساتهم الداخلية الكارثية عليهم.
أسفرت الانتخابات العامة البريطانية التي عقدت يوم الثلاثاء 4 يوليو 2024 عن فوز ساحق لحزب العمال بعد غياب 14 عامًا عن السلطة، منهية سيطرة حزب المحافظين على مجلس العموم ومكتب رئيس الوزراء والحكومة. وكشفت هذه الانتخابات عن الاستياء المتزايد تجاه سياسات حزب المحافظين، كما أظهرت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في وقت مبكر. وعكست هذه الانتخابات طبيعة التحولات في المشهد السياسي البريطاني على المستوى الداخلي، في حين يبدو أن المشهد السياسي الخارجي لبريطانيا لن يتأثر كثيرًا بالتغيير.
التحولات الانتخابية
أولاً نلاحظ أن الانتخابات العامة البريطانية جرت بمشاركة خمسة عشر حزباً سياسياً، أهمها: حزب المحافظين، وحزب العمال، والديمقراطيون الليبراليون، وحزب الإصلاح البريطاني، والحزب الوطني الاسكتلندي، وحزب الخضر، وحزب الاتحاد الديمقراطي، وحزب بليد كامرو، وحزب شين فين، وتنافس مرشحوها في 650 مقاطعة موزعة على أربع مناطق رئيسية هي: إنجلترا، وويلز، واسكتلندا، وأيرلندا الشمالية. ووفقاً للنظام الانتخابي فإن الحزب الفائز هو الذي يحصل على أغلبية المقاعد، والتي تبلغ 326 مقعداً، بحيث يصبح زعيم الحزب رئيساً للوزراء، ويتعين عليه أن يبادر إلى تشكيل الحكومة المسؤولة عن إدارة شؤون الدولة.
وبالعودة إلى نتائج الانتخابات العامة البريطانية، كان التراجع التاريخي والكبير لحزب المحافظين واضحا وملفتا، حيث حصل على 121 مقعدا، بتراجع قدره 251 مقعدا من إجمالي 362 مقعدا حصل عليها في الانتخابات التي جرت عام 2019، أي ما يعادل ثلثي المقاعد. وهذا الرقم هو الأدنى منذ تأسيس حزب المحافظين في عام 1834، وهذه النتيجة هي الأسوأ منذ فوز الحزب بـ 156 مقعدًا في عام 1906. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أطاحت الخسارة المروعة لحزب المحافظين بعدد من ساسته البارزين، مثل رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس، وبيني مورداونت، رئيسة مجلس العموم، ووزير الدفاع راند شابس، ووزير العدل أليكس تشالك، ووزير النقل مارك هاربر، ووزيرة التعليم جيليان كيغان، ووزيرة الثقافة لوسي فريزر، بالإضافة إلى خسارة حزب المحافظين لعدد كبير من الدوائر الانتخابية التي تعتبر تقليديًا تابعة له، مثل ويلز، التي ذهبت معظم مقاعدها إلى حزب العمال. وبدا الأمر وكأن الناخبين البريطانيين عاقبوا المحافظين بشدة على سياساتهم الداخلية الكارثية تجاههم.
في المقابل، فاز حزب العمال بـ 412 مقعدًا، مما مكنه من تشكيل حكومة برئاسة السير كير ستارمر. وتعهد بتوحيد بريطانيا وإعادة بنائها وإجراء التغييرات التي وعد بها حزب العمال خلال حملته الانتخابية، والتي ركزت في معظمها على القضايا الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والصحية بسبب الأزمات التي اجتاحت بريطانيا في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن التحديات التي فرضتها توجهات السياسة الخارجية البريطانية، التي تبدو متسمة بالاستمرارية. فكيف سيبدو المشهد السياسي البريطاني على المستويين الداخلي والخارجي؟
على الصعيد الداخلي:
1. إنعاش الاقتصاد البريطاني: تحتل الدولة موقعاً متقدماً وكبيراً في الخطة الاقتصادية لحزب العمال وحكومته برئاسة كير ستارمر، والتي تقوم على إنشاء شركة طاقة نظيفة مملوكة للدولة، وإعادة تأميم السكك الحديدية عند انتهاء العقود، وتنفيذ استراتيجية صناعية جديدة، والقضاء على التضخم الذي من شأنه أن يجعل مستويات المعيشة صعبة ومرهقة، وإنشاء صندوق ثروة وطني بحيث تساهم استثمارات القطاع الخاص بثلاثة جنيهات مقابل كل جنيه تنفقه الحكومة، (ما يوفر نحو سبعة مليارات جنيه من الإنفاق المخطط)، وتعزيز سياسة التقارب مع أصحاب الأعمال والشركات الكبرى التي تبناها الحزب قبل الانتخابات لتبديد مخاوفهم وقلقهم من التوجهات “اليسارية” لحزب العمال، والحفاظ على احتياطي استراتيجي من الغاز، ومنع إصدار تراخيص جديدة لاستخراج حقول الغاز والنفط في بحر الشمال. كما يعتزم حزب العمال زيادة الضرائب على شركات الغاز والنفط، والحفاظ على القدرات النووية، والتحول نحو الطاقة النظيفة، واتباع قواعد مالية صارمة بشأن الاقتراض المخصص فقط لتشجيع الاستثمار، بدلاً من استخدامه للإنفاق اليومي. ومن المتوقع أيضًا أن تتخذ حكومة حزب العمال إجراءات صارمة ضد التهرب الضريبي، وإنهاء الإعفاء الضريبي، وفرض ضريبة القيمة المضافة على رسوم المدارس الخاصة.
2. مكافحة الجريمة والحد من العنف: تعهدت حكومة ستارمر بالعمل على مكافحة الجريمة والحد من العنف.
خلال عام 2023، سجلت تقارير مسح الجريمة في إنجلترا وويلز ما يقدر بنحو 8.4 مليون جريمة، تتراوح بين الجرائم الجنائية والاحتيال والتحرش الجنسي. ويرجع ذلك إلى انخفاض تمويل الشرطة وانخفاض عدد الضباط منذ عام 2010. ولمعالجة هذه الزيادة الكبيرة في الجريمة والعنف، وعدت حكومة ستارمر بتجنيد 13 ألف ضابط للحد من الفوضى وإنفاذ القانون ضد المخالفين، وفرض عقوبات صارمة جديدة عليهم.
3. تعزيز قطاع الصحة: تسعى حكومة حزب العمال إلى تحسين قطاع الصحة، الذي يعاني من مشاكل وضغوط شديدة، حيث وصل العجز في هذا القطاع إلى ثلاثة عشر مليار جنيه إسترليني، ولا يوجد في المالية العامة سوى القليل لإصلاح هذه المشاكل. وقد أدى هذا إلى ارتفاع تكاليف العلاج وزيادة أوقات الانتظار. ووفقًا لاستطلاعات الرأي، تصدرت القضايا الصحية قائمة المخاوف لدى السكان البريطانيين. وعلى الرغم من وعود حكومة ستارمر بتحسين وتعزيز الخدمات الصحية، من خلال إنفاق ما يقدر بنحو 1.8 مليار جنيه إسترليني لدعم هذا القطاع الحيوي، إلا أن هذا لن يحدث فارقًا كبيرًا، حيث قدر معهد الدراسات المالية أن المبلغ المخصص أقل بكثير من المبلغ المطلوب لمعالجة مشاكل هذا القطاع، والذي سيظل دائمًا على رأس الأولويات.
4. خفض سن التصويت وإنهاء “النبلاء” الوراثيين: يعد خفض سن التصويت من 18 إلى 16 عامًا أولوية لحكومة ستارمر، حيث أعلن الأخير عن نيته إدخال تعديلات على مجلس اللوردات وإنهاء تعيين النبلاء الوراثيين مدى الحياة وتحديد سن تقاعد قانوني لهم مع اعتماد التمثيل النسبي للوردات بما يتناسب مع حجم المقاطعات وسكانها.
5. الحد من الهجرة غير الشرعية: أقر ستارمر أن مكافحة الهجرة غير الشرعية ستكون أولوية لحكومته، لذلك ستلغي الحكومة قانون ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا. وقد أقرته الحكومة المحافظة السابقة بقيادة سوناك. وعبر ستارمر عن ذلك بقوله إن “خطة رواندا” لترحيل المهاجرين من بريطانيا “ولدت ميتة ودُفنت قبل أن تبدأ”، معتبرا أن هذا المشروع “لن يكون رادعًا” للهجرة غير الشرعية. وستعمل حكومة حزب العمال على إنشاء “قيادة جديدة لأمن الحدود” للقضاء على عصابات الاتجار بالبشر عبر الحدود البريطانية ومنحها صلاحيات واسعة مثل معاملتهم باعتبارهم “إرهابيين”. أما فيما يتعلق بالهجرة القانونية، فستعمل الحكومة الجديدة على فرض المزيد من القيود على منح التأشيرات، وتعديل نظام النقاط البريطاني، وتقليص تراكم طلبات اللجوء من خلال زيادة عدد العاملين الاجتماعيين.
وعلى الصعيد الخارجي، من المتوقع ألا تجري حكومة ستارمر أي تغييرات جوهرية، إذ تتشابه مواقف حزب العمال إلى حد كبير مع مواقف حزب المحافظين في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لبريطانيا، ومنها:
1. الخروج البريطاني والاتحاد الأوروبي: تشكل العلاقات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي أحد أكثر القضايا إلحاحاً التي تواجه حكومة حزب العمال، إذ تأمل الأخيرة في علاقات أكثر دفئاً، دون السعي للعودة إلى الاتحاد الأوروبي أو السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي، والتخلي عن الخطاب العدائي تجاه بروكسل الذي ميز خطاب حكومة المحافظين منذ عام 2016، والتحرك نحو خيارات أكثر عقلانية وواقعية مع أوروبا، كما تجلى في الاجتماع الذي عقدته المجموعة السياسية الأوروبية في 18 يوليو/تموز في بريطانيا، والذي شارك فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، والدفع نحو إبرام اتفاق لإزالة القيود التي تعوق التجارة مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن إبرام اتفاقيات التعاون الأمني والدفاعي معه، بالتوازي مع تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الأوروبية، وأبرزها فرنسا وألمانيا. ألمانيا.
2. استقرار العلاقات الأنجلوأميركية: يبدو واضحاً أن حكومة حزب العمال بقيادة ستارمر ستمضي قدماً في ترسيخ العلاقات الأنجلوأميركية بغض النظر عن هوية الرئيس الأميركي في البيت الأبيض. فحزب العمال له تقليد طويل في الأطلسي. وستظل لندن الحليف الاستراتيجي لواشنطن والداعم الموثوق لها في الحفاظ على النظام الدولي القائم على قواعد وفقاً للرؤية الغربية. (ومن بين الأدلة على هذه العلاقة، وتحديداً من وجهة نظر حزب العمال، نتذكر توني بلير، رئيس الوزراء من 1997 إلى 2007، الذي اشتهر بـ “العلاقة الخاصة” التي ربطت بريطانيا بواشنطن إلى حد تقديم الدعم غير المشروط لجورج دبليو بوش في غزوه للعراق). وهذا ينطبق على قضايا أخرى مهمة، مثل الأمن العالمي، والحرب ضد الإرهاب، وتغير المناخ، والذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وغيرها من القضايا. وقد عبر وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عن استقرار هذه العلاقات بقوله: “إن العلاقة تتجاوز من يحكم 10 داونينج ستريت أو من يتحكم في العالم”.”من يحكم البيت الأبيض؟”
3. استمرار العداء تجاه روسيا: ستواصل حكومة حزب العمال اتباع نهج حكومة المحافظين في سياستها العدائية تجاه روسيا، التي تعتبر تهديدًا للأمن القومي البريطاني. وهي سياسة تتفق عليها جميع الأحزاب السياسية البريطانية، والتي تتمثل في فرض العقوبات على روسيا وتزويد أوكرانيا بالأسلحة، بالإضافة إلى المعارضة الإيديولوجية لـ “إمبريالية” بوتن. وتعتقد حكومة حزب العمال أن هذا التوجه المعادي لروسيا سيعزز حضور بريطانيا كطرف موثوق وقوي في أوروبا.
4. حلف شمال الأطلسي: من المتوقع أن تجري حكومة حزب العمال مراجعة دفاعية استراتيجية خلال عامها الأول لتحديد مسار نحو زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي وإعادة تأكيد التزامها بحلف شمال الأطلسي كحجر أساس للأمن الأوروبي والعالمي. (يجب ألا ننسى الروابط القوية بين حزب العمال وحلف شمال الأطلسي، كما لا يمكننا أن ننسى ونتجاهل كيف ساعد كليمنت أتلي، رئيس وزراء حزب العمال من عام 1945 إلى عام 1951، في تأسيس حلف شمال الأطلسي). وتخطط حكومة حزب العمال أيضًا للعمل مع الحلفاء لبناء وتعزيز وإصلاح حلف شمال الأطلسي والمؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين لمعالجة التحديات العالمية الجديدة. وفي هذا السياق، قال ستارمر إن حكومته “ستحافظ على التزام ثابت بالتحالف ورادعنا النووي، وستركز مرة أخرى على تحسين الروح المعنوية لقواتنا المسلحة”.
5. تحدي صعود الصين: تشكل الصين وعلاقتها أحد أبرز التحديات للسياسة الخارجية البريطانية لحكومة حزب العمال، التي أعرب زعيمها ديفيد ستارمر ووزير الخارجية ديفيد لامي عن رغبتهما في إجراء مراجعة كاملة لعلاقة لندن ببكين، معتبرين أن سياسة الحكومة المحافظة كانت غير متسقة إلى حد كبير مع الصين، حيث تبنى المحافظون في البداية الاستثمار الصيني وأشادوا بـ “العصر الذهبي” للعلاقات في عهد ديفيد كاميرون، ثم وصفت الصين بأنها “أعظم تهديد للأمن العالمي” في عهد سوناك. وعليه، ستتبنى حكومة حزب العمال استراتيجية للعلاقات مع الصين تقوم على ثلاثة أبعاد: التعاون في القضايا العالمية مثل تغير المناخ، والمنافسة في مجال أشباه الموصلات، والتجارة، والاستثمار، وتحدي رؤية النظام الدولي، وانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان.
6. الشرق الأوسط: تعتمد سياسة حكومة حزب العمال تجاه الشرق الأوسط، برئاسة كير ستارمر، على مزيج من المشاركة النشطة والتحذير والتعاون. وأعلن ستارمر أن حكومته ملتزمة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية “كمساهمة في عملية السلام المتجددة المؤدية إلى حل الدولتين” لكنه لم يحدد أي جدول زمني للقيام بذلك والدفع نحو وقف إطلاق النار الفوري، والإفراج عن جميع الأسرى، وزيادة كمية المساعدات التي تصل إلى غزة. وجاء هذا التحول في التوجه نحو القضية الفلسطينية بعد موجة غضب واستياء واسع النطاق بين الأقليات المسلمة بسبب التصريحات المنحازة لـ”إسرائيل” التي أعلنها ستارمر في وقت سابق قبل فوزه بالانتخابات وتوليه رئاسة الوزراء، حيث دعم “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، حتى بقطع المياه والكهرباء عن قطاع غزة، ناهيك عن تأخره في دعم وقف إطلاق النار الفوري. ومن المتوقع أيضًا أن تستمر حكومة حزب العمال في اعتبار فصائل المقاومة الفلسطينية مجموعات “إرهابية”.
وفيما يتعلق بإيران، من المتوقع أن تتبنى حكومة ستارمر نهجًا أكثر حزماً، وتنفتح على تصنيف الحرس الثوري الإيراني كـ”منظمة إرهابية”، وتشديد الخناق على حلفاء إيران في المنطقة، والاقتراب من النهج الأميركي بشأن البرنامج النووي الإيراني، ونفوذ طهران المتزايد في المنطقة، وقدرات إيران الصاروخية والعسكرية المتنامية. وسيكون لهذا النهج تداعيات واسعة ومهمة في حال عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض.
وستولي حكومة حزب العمال أهمية كبيرة لمزيد من التقارب بين بريطانيا والخليج، وخاصة فيما يتعلق بالتجارة، فضلاً عن الاستقرار والأمن الإقليميين. وفي تصريحات أدلى بها وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في مايو/أيار الماضي، أكد على أهمية العلاقات مع دول الخليج. وقال: “نحن بحاجة ماسة إلى العمل مع الخليج، وهذا مهم للغاية للأمن في الشرق الأوسط”. وتابع: “إنه مهم لمهام النمو الاقتصادي لدينا”، مستشهداً برحلاته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية وقطر.
يعكس هذا المزيج من التوجهات نهجاً للسياسة الخارجية أطلق عليه ديفيد لامي “الواقعية التقدمية”، حيث تحتاج بريطانيا إلى التشبث بمكانتها الدولية، وحاجة الناخبين الغاضبين إلى رؤية التغيير الذي يتوقعونه من حكومة حزب العمال التي لا تملك عصا سحرية للمشاكل والأزمات المزمنة التي تعاني منها بريطانيا.
وفي الختام، يمكن القول إن التحديات التي تواجه الحكومة البريطانية برئاسة كير ستارمر كثيرة،إن آمال البريطانيين في أن تحقق حكومتهم تحولات تعيد إحياء اقتصادهم المنهك وحياتهم التي تغيرت مثل إمبراطوريتهم المتلاشية كبيرة. والتحديات الداخلية ليست سهلة ولا يمكن حلها بسهولة. والسياسة الخارجية البريطانية بائسة وفي أسوأ حالاتها، فالمشاكل المستعصية مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا لم تجد طريقاً لحلها والاتفاق عليها، وهذا ينطبق أيضاً على بروتوكول أيرلندا الشمالية، والعداء المتجذر مع روسيا، والحرب في أوكرانيا التي لا تبشر بحل قريب ومتاح، والمنافسة الشرسة مع الصين التي تنذر بتصعيد كبير، والاعتماد الكامل على الولايات المتحدة الأميركية في التعامل مع القضايا الكبرى على المستوى العالمي، والاعتماد عليها للحفاظ على دورها ونفوذها، والعلاقات الدولية التي أصبحت عسكرية تماماً، تهيمن عليها الاستقطاب والانقسام الحاد، وحالة من عدم اليقين تسود النظام الدولي. بين الداخل والخارج، هناك اختبار صعب ينتظر حكومة العمال، وعلى أساسه سيتحدد مصيرها، والذي يبدو بلا ملامح حتى الآن.