أصدر مجلس الوزراء المصري في خطاب موجه إلى جميع الجهات الحكومية من وزارات وهيئات وشركات، تعليمات سريّة بفرض عقوبات إدارية على الموظفين الذين يرفعون دعاوى قضائية ضد الحكومة، سواء في مجلس الدولة (الجهة القضائية المختصة بنظر المنازعات بين المواطنين والدولة)، أو أي محاكم أخرى. وجاء في الخطاب ما يلي: “التأكيد على جميع الوزراء بإنهاء جميع المنازعات القضائية بين الجهات الحكومية وبعضها البعض، وتسوية أي نزاع من خلال لجان فضّ المنازعات الحكومية بوزارة العدل، والتنبيه على المرؤوسين بعدم رفع أي دعوى قضائية ضد جهة حكومية، واتخاذ إجراءات عقابية ضد من يقوم بذلك”. واتضح من الخطاب أن هذه التعليمات صدرت في الأسبوع الأول من سبتمبر الحالي، بعد اجتماع لمجلس الوزراء ناقش عدداً من القضايا، أبرزها الحملة القومية لتعمیم اللقاح ضد فیروس کورونا. لكن ما دفع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لمناقشة مسألة التقاضي هو صدور تعليمات من دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بضرورة التصدي للدعاوى القضائية التي ترفع من المواطنين بشكل عام والموظفين بشكل خاص ضد الحكومة، نظراً لتسببها بأعباء مالية كبيرة على خزانة الدولة، وفقاً لما ذكر مصدر حكومي مطلع. وأضاف أن التعليمات الصادرة من دائرة السيسي شملت أيضاً سرعة الفصل في النزاعات المعروضة أمام لجان فض المنازعات الحكومية التابعة لوزارة العدل، بصورة تصعّب اللجوء للقضاء، على الرغم من أن اللجوء لهذه اللجان في واقع الأمر مجرد خطوة مبدئية لمباشرة حق التقاضي، بموجب التشريعات ذات الصلة في مصر. ولا تحرص هذه اللجان على فض ما يعرض عليها من الأساس، لعدم تمتعها بالإمكانيات الفنية التي تؤهلها لذلك، وهو ما حولها فعلياً بمرور السنوات إلى مركز للقضاة المحالين إلى التقاعد، الذين يتم تعيينهم أعضاءً في تلك اللجان لزيادة دخلهم إلى جانب الرواتب.
يحفل هذا الاتجاه الجديد من الدولة بمخالفات دستورية عديدة، على رأسها إهدار حق التقاضي الذي هو من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، والتي أفردت لها الاستراتیجیة الوطنية لحقوق الإنسان الصادرة منذ أيام قليلة قسماً كبيراً للتطوير والتحسين. وتخالف هذه التعليمات المادة 97 من الدستور التي تنص على أن “التقاضي حق مصون ومكفول للجميع.