قال معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن خطط ولي العهد محمد بن سلمان ببلوغ “صافي صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2060” يترافق مع تناقضات ملفتة.
وذكر الباحث في معهد واشنطن سايمون هندرسون أن السعودية التي يعتبرها الكثيرون – ولسبب وجيه – دولة صحراوية، تريد التحور إلى مملكة خضراء.
وخلال الفترة التي تسبق مؤتمر المناخ الذي يبدأ في غلاسكو، اسكتلندا، في 31 تشرين الأول/أكتوبر، تقود الرياض السباق لتتصدر العناوين الرئيسية في هذا الخصوص. فقد أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، نهاية الأسبوع الماضي خلال منتدى “مبادرة السعودية الخضراء” الذي استضافته الرياض أن بلاده تعتزم الوصول إلى “صافي انبعاثات صفري” بحلول عام 2060.
لماذا اختارت المملكة عام 2060 في حين أن الدول التي أعلنت بدورها عن تواريخ لتحقيق هذه الغاية تستهدف العام 2050؟ الإجابة ليست واضحة، رغم أن البعض قد يعتبر أن 2060 هي بمثابة جناس مع “مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي” السادس والعشرين (COP26)، وهو الاسم الرسمي للفعالية التي تستضيفها غلاسكو. على أي حال، استدرك وزير النفط السعودي عبد العزيز بن سلمان، الأخ الأكبر غير الشقيق لولي العهد، هذه النقطة معلناً بعد وقت قصير من حديث محمد بن سلمان أنه يتوقع أن تحقق المملكة الهدف المتمثل بصافي انبعاثات صفري قرابة عام 2050.
وبذلك، تكون العناوين قد حققت الغرض منها وسيلاحظ عدد أقل من الناس التناقض المناخي الذي يكتنفه الهدف. ففي عام 2060، ستكون المملكة مستمرة في نواياها بأن تكون دولة رائدة في إنتاج النفط والغاز، محتفظةً ربما بمكانتها كأكبر دولة مصدرة للنفط.
لكن ذلك لا يدخل في حسابات السعودية الخاصة بالانبعاثات. فالكربون لا ينبعث إلا حين يصل النفط والغاز إلى وجهتهما ويتمّ تحويلهما إلى بنزين أو طاقة كهربائية. كما أن الكربون يُحتسب أنه ينبعث من الدولة العميلة (الولايات المتحدة وغيرها) وليس الدولة المنتجة (السعودية).
كذلك، قد يتساءل الأشخاص الذين يتمتعون بذاكرة جيدة نوعاً ما عن مصير «رؤية 2030» التي أطلقها محمد بن سلمان، وهي الخطة المعلنة في عام 2016 للحدّ من اعتماد المملكة على الموراد الهيدروكربونية بحلول… نعم عام 2030.
ويبدو أن الرياض تدرك الآن تناقضاً سابقاً كان واضحاً للكثيرين. من أجل تمويل «رؤية 2030»، يتعيّن على السعوديين زيادة إنتاج وإيرادات النفط والغاز، بدلاً من تخفيضها.
واستناداً إلى وسائل الإعلام الإخبارية السعودية، يعتزم ولي العهد التوجّه إلى غلاسكو. ربما سيذهب لحضور مباراة فريق “نيوكاسل يونايتد” لكرة القدم الذي لا يقدّم أداء جيداً، وهو أحدث استثمارات المملكة.
وجاء إعلان “صافي انبعاثات صفري” على الأرجح بمثابة ترسيخ مصداقيته وسمعته من أجل الرحلة.
وهناك أمراً قد يكون مثيراً للاهتمام: من المتوقع أن يحضر المؤتمر أيضاً الرئيس الأمريكي بايدن، الذي يرفض لقاء ولي العهد، نتيجة اعتقاده أن محمد بن سلمان – ورغم النكران المتكرر – أمر بقتل وتقطيع جثة الصحفي المنشق جمال خاشقجي في اسطنبول قبل ثلاثة أعوام. (حين زار مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ولي العهد السعودي في نهاية أيلول/سبتمبر، تحدثا لما يقرب من 5 ساعات.
وفي هذا الصدد، كتب ديفيد إغناتيوس في العمود المخصص له في صحيفة “واشنطن بوست”: “يبقى ولي العهد محمد بن سلمان نقطة التوتر في العلاقات الأمريكية-السعودية”).
لدى محمد بن سلمان ورقة يلعبها – ربما. فالرئيس بايدن قلق بشأن أسعار النفط. وقد تذمر أحد الأصدقاء بقوله: “لقد ملأتُ خزان الوقود في سيارتي هذا الأسبوع، وكلفني ذلك أكثر من 50 دولاراً!”.
صحيح أن الرئيس الأمريكي سبق وأعلن أنه على منظمة “أوبك” إنتاج كميات إضافية، لكن ليس هناك مؤشرات على أن الكارتل مستعد للتلاعب بالإنتاج بطريقة قد تُضعف الأسعار الحالية – فسعر البرميل الذي يتخطى 80 دولاراً، مع احتمال أن يصل إلى 100 دولار، ربما لفترة وجيزة فقط، لا يُعتبر غريباً.
ومن المحتمل أن تكون مثل هذه الدبلوماسية المنطقية قد تبددت من خلال البرنامج الاستقصائي الأمريكي “60 دقيقة” الذي تم عرضه في الرابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، والذي تضمن مادة عن سعد الجبري، وهو مسؤول سعودي سابق كان يشرف على صندوق مكافحة الإرهاب ويعيش الآن في المنفى في كندا.
فالرياض تريد محاكمته بتهمة اختلاس أموال. وقد اشتكى الجبري من اعتقال أبنائه في المملكة وهم يقبعون حالياً في السجن بهدف الضغط عليه للعودة إلى السعودية.
وقد يكون السبب الأساسي علاقة الجبري المقربة من الأمير محمد بن نايف، الذي أبعده محمد بن سلمان بشكل غير مباشر عن منصب ولي العهد في عام 2017 ولكنه لا يزال يمثل معارضة رئيسية ضده في أوساط العائلة المالكة الأوسع نطاقاً.
أما التفصيل الأشبه بالضربة القاضية في تقرير “60 دقيقة” فهو اتهام الجبري لمحمد بن سلمان بإرسال فرقة النمر لقتله في كندا بعد أيام قليلة من ذبح خاشقجي. وهذا ممكن، حتى أنه مرجح، غير أن القصة تفتقر إلى تأكيد واضح من السلطات الكندية التي يُفترض أنها منعت دخول الفريق في مطار أوتاوا.
تجدر الملاحظة أن الجانب المظلم المزعوم لمحمد بن سلمان ربما يجعله مشاركاً غير مرحب به خلال التقاط الصور التذكارية في “مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي”.
وسيعني ذلك أيضاً على الأرجح أن ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية قد تتجنبه، لكن الملكة البالغة من العمر 95 عاماً أمضت لتوها ليلة في المستشفى، لذا لديها العذر لعدم حضور المؤتمر.
غير أن الأمير تشارلز الذي تحدث خلال منتدى “مبادرة السعودية الخضراء” عبر رابط فيديو سيحضر المؤتمر. إلّا أن لديه مشاكله الخاصة.
فقد أفادت “الصنداي تايمز” اللندنية أن جمعيته الخيرية للاستدامة والحماية كانت تقبل أموالاً من شركة النفط السعودية العملاقة، “أرامكو”، بمبالغ تصل إلى “مئات الآلاف”. وتقول الجمعية الخيرية إنها “تقوم بالفعل بالتدقيق [بالمراجعة]”.
وأخيراً، يبدو أن مستقبلاً خالياً من الانبعاثات يواجه بعض المشاكل التي يتعين حلّها في الوقت الحاضر.