تقاس المجتمعات والشعوب والأمم بما تقدمه للحضارة الإنسانية من إبداعات وإنجازات وخدمات تسهم في ازدهار وارتقاء الأوطان بصفة خاصة ونماء البشرية بصفة عامة، وهذا العمل الإبداعي لاينجزه إلا عظماء تبقى رموزا حية في سيرة شعب وأمة، وثمة رموز يغيبها الموت جسديا، لكنها تبقى حاضرة في وجدان شعوبها، ويبقى إرثها شموعا تضيء مسيرة تلك الشعوب، وتكمن أهمية تكريم الرموز الوطنية، فيما تركه هؤلاء من إرث إنساني وثقافي ونضالي أو سياسي أو فني، وفي العمل الاجتماعي أيضا، بحيث يقدم للأجيال المقبلة كقيمة عليا، ونموذجا يحتذى على مر السنين والأيام.
ومن هنا فالتكريم يمثل تحريضا صريحا على التميز والتفوق، وتحفيزا ايجابيا على البذل والإصرار والإخلاص، كذلك يعتبر التكريم بمختلف أشكاله ومستوياته دعوة صادقة لاستمرار الجهد ومواصلة العطاء أو تثمين ما قدمه المبدع من عطاء، سواء للمكرمين أو مختلف أفراد وشرائح المجتمع، كما يمثل التكريم استثمارا ذكيا في طبقة المبدعين والمميزين والرواد الذين يحققون التنمية الشاملة والمستدامة للوطن و كثيرة هى المبادرات والخطوات والتطلعات التي تمتلكها المجتمعات المتقدمة لتساعدها على البروز والتفوق والتميز، بل وتصدر قوائم الانجاز والإبداع في كل المجالات والقطاعات والأصداء والانعكاسات التي تحصل عليها المجتمعات التي تتبنى التكريم كقيمة وسلوك كثيرة جدا ومنها.
أن التكريم يمثل لمسة وفاء من الدولة والمجتمع ممثل بمنظمات المجتمع المدني والاتحادات المهنيه والثقافية والفنية نحو مبدعيه ومنجزيه، وهى رسالة مباشرة من قبلهم لأولئك المكرمين عنوانها التقدير والاحترام والفخر بإبداعاتهم وإنجازاتهم الرائعة .. إن التكريم في وطننا ، كثقافة وقيمة وسلوك، بحاجة ماسة لأن يتجذر في فكرنا ومزاجنا وقناعاتنا، لأنه المحرض على البذل والعطاء والإخلاص، والمحفز على ديمومة التميز والإبداع والإنجاز،
ومن أجل هذا الهدف الأسمى، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإطلاق اسم اللواء “عمر سليمان” على الكوبرى الجديد بمحور جمال عبدالناصر المؤدى إلى التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة أعلى الطريق الدائرى، ووجه بالتنفيذ الفورى للمحور الجديد باسم المهندس “حسب الله الكفراوى” الذى يربط الطريق الدائرى جنوب محور المشير طنطاوى بمنطقة المعادى.
والرئيس وجه أيضا بإطلاق اسم الفنان “سمير غانم” على الكوبرى الجديد على محور محمد نجيب بمنطقة شرق القاهرة والمتقاطع أعلى الطريق الدائرى، كما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإطلاق اسم البطلة الأولمبية المصرية “فريال عبدالعزيز” على الكوبرى الجديد الذى يتقاطع أعلى الطريق الدائرى على محور (طه حسين) بالتجمع الخامس بمدينة القاهرة الجديدة، وأوضح المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية، السفير بسام راضى، أن الرئيس وجه المسئولين بانتقاء عدد من المحاور الرئيسية والمواقع الجديدة الأخرى لإطلاق اسم أبطال مصر فى الأولمبياد عليها.
لقد أرسى الرئيس السيسي قواعد جديدة ومفاهيم للانتماء لتراب هذا الوطن في إطار الجمهورية الجديدة التي دشنها قبل شهر تقريبا، فهو لايترك مناسبة إلا وكرم فيها شهداء القوات المسلحة والشرطة كنوع من الاعتراف بالفضل لهؤلاء الذين بذلوا دماءهم في سبيل رفعة مصر وبقائها قوية شامخة بين الأمم، وتلك ثقافة وقيمة وسلوك يرسخها الرئيس كل يوم كي تتجذر في فكرنا ومزاجنا وقناعاتنا، إنطلاقا من إدراكه أن التكريم هو المحرض الرئيسي على البذل والعطاء والإخلاص لهذا الوطن، والمحفز على ديمومة التميز والإبداع والإنجاز لصالح مصر وشعبها والإنسانية كلها، فلابد كما يرسخ في عقله ووجدانه من الاعتراف بفضل الآخرين من خلال رسالة يبعثها بملء الحب، والتقدير والاحترام، لكل من بذل جهدا استثنائيا وعملا إبداعيا ساهم في رفعة شأن هذا البلد.
ويؤكد الرئيس دائما على حقيقة مهمة وهى إعادة الاعتبار لحقيقة التكريم ولمن يجب على المجتمع تكريمهم؛ فإنّ هذا الأمر كاد أن يقتصر على ألوان وأشكال من البشر لا صلة لهم بالفضائل والعطاء والتضحية وتقدّم الأمم، ولهذا أعلى الرئيس إن من شأن التكريم بتعزيز خصلة الوفاء في النفوس، لتكون قيمة مضافة تعتز بها الأجيال من خلال اعتزازها واعترافها بالبناة الذين صنعوا جزءا من بنيانها ومجدها، ومن شأن التكريم أيضا غرس هذا المبدأ الأخلاقي التربوي الديني (ولقد كرّمنا بني آدم..) في العقول والأذهان ورفع رأسمال الاعتزاز بالخلص الذين أعطوا من حياتهم وجهدهم ووقتهم ما يستحق التقدير فعلا، فضلا عن الجزاء الأوفى المنتظر عند الله تبارك وتعالى، بوصفهم من الذين تركوا للأجيال صدقات جارية عبر أعمالهم البارزة.
وأول هؤلاء المكرمين: الراحل الكبير اللوء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق، ورئيس جهاز المخابرات، الذي اكتسب صفة (رجل قومي مصري مهمته الوحيدة وهمه الأكبر حماية تراب هذا الوطن)
الثاني هو المهندس حسب الله الكفرواي، أحد أبرز المسئولين التنفيذيين والمخططين المعماريين في مصر خلال القرن الماضي، وقد تولى عدة مناصب مهمة، شغلها بنجاح كبير، وحاز شعبية واسعة وقبولا واحتراما كبيرين في أوساط الموطنين والسياسيين، حتى لقبه البعض بـ (أبو المدن الجديدة في مصر)، وكان رمزاً وقامة عظيمة في علوم الهندسة والبناء، وله إسهامات بارزة في قطاع التشييد والبناء، وفي نهاية سبعينيات القرن الماضي قام بتكليف هيئة تعاونيات الإسكان بتنفيذ مشروعات الإسكان الشعبي والتعاوني في هذه المدن كما بدأ مشروعات المدن الجديدة في مصر بمجتمعاتها الصناعية والعمرانية المتطورة، بالإضافة إلى العديد من المجتمعات العمرانية الحديثة بمناطق القناة والساحل الشمالي.
شهد عهده إنشاء 17 مدينة جديدة، إضافة إلى ست مناطق تعميرية في نطاقات مختلفة على صعيد الجمهورية، بخلاف مقترحاته الطموحة التي لم تر النور في فترة تقديمها، ونظير أدواره وإسهاماته العمرانية التاريخية، حصل الكفراوي على عدة تكريمات وأوسمة؛ أهمها وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، ووسام بطولة العمل من الاتحاد السوفيتي، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى، ووسام الاستحقاق الفرنسي من الطبقة الأولى.
الثالث: الفنان الكبير سمير غانم، آخر سلاطين الارتجال في الكوميديا، والذي عاش خفيف الروح، رشيق الجملة الكوميديا، ملك الإفيه، صانع السخرية اللاذعة التي تنفجر من قلب التراجيديا بطاقة هائلة من الضحك الذي يشرح القلب ويبعث على البهجة والسرور، فقد آثر أن يغادرنا مبتسما حتى آخر نفس، وفي هذه المناسبة: نادر جدا أن تجد له صورة لا تعلوها ابتسامة عذبة مرسومة بخطوط ناعمة على وجه بشوش يعكس صفاء وشفافية الروح ، لذا اختار له القدر سبحانه أن يرحل عن دنيانا في وقت مناسب، فلم يرحل في نهاية رمضان كي ينكد علينا بعد أن شارك في إعلاناته بخفة ظله المعهودة، ولا خلال أيام العيد ونحن ننعم بسعادة الفطر المبارك، بل فارقنا في موعد ننعم فيه برياح التحدي والتصدي لقيود (كورونا التي أصابته في مقتل)، ونحن أيضا نودع الأحزان مع آخر شهداء غزة في الأراضي المحتلة.
تمتع الراحل سمير غانم بروح محبة للضحك، وبرع في تجسيد الشخصيات الكوميديا التي صارت علامات بارزة في المسرح والسينما والتليفزيون من خلال أعمال ماتزال راسخة في الذاكرة المصرية والعربية، حتى صار (سلطان الارتجال في الكوميديا)، فلاشك أن الكوميديا لها دور فى صميم حياتنا النفسية والاجتماعية، فنحن نريد أن نضحك حتى نخفف عن أنفسنا بالكوميديا، والضحك عند (سمير غانم) إضافة إلى هذا ظاهرة اجتماعية فى أغلب شأن ، فنحن لا نضحك ضحكاً مفرطاً حينما نكون وحدنا، وإذا حدث هذا فإننا نضحك بدافع تخيلنا للنكتة التى شاركنا فى الضحك عليها شخص آخر أو أشخاص آخرون.
الرابع: فريال أشرف عبد العزيز، الطالبة بكلية الصيدلة في الجامعة البريطانية، الفائزة بذهبية منافسات وزن فوق 61 بدورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020، بعد التغلب على بطلة أذربيجان إرينا زاريتسكا، وقد لوحظ أنها استمرت في المباراة النهائية باللعب الدفاعي بين اللاعبتين، ليحصل كل منهم على إنذار، قبل أن تنجح فريال في نقطة “يوكو” قبل نهاية المباراة بـ 28 ثانية وتبعتها نقطة أخرى لتتقدم 2-0، وتحقق الميدالية الذهبية الأولى لمصر في الأولمبياد.
وكانت فريال قد حققت الفوز في أول مباراتين بالمجموعة الثانية أمام كلا من الصين 4-0 وسويسرا بفضل نقطة الأفضلية “سانشو” بعد أن حققت أولى نقاط اللقاء أولًا، وخسرت مباراتها الثالثة أمام إيران 7-9، وتعادلت في المباراة الرابعة والأخيرة أمام بطلة الجزائر 0-0، وحصلت اللاعبة المصرية البالغة من العمر 21 عاما على العديد من الميداليات الهامة من بينها الميدالية البرونزية في بطولة العالم للكاراتيه عام 2017، وبرونزية بطولة أفريقيا 2018 برواندا، وذهبية بطولة العالم للناشئين 2019، وذهبية الدوري العالمي بدبي في نفس العام.
كما حصلت اللاعبة التي بدأت ممارسة الكاراتيه وهى في عمر الثامنة على البرونزية الأولى لمصر في الدوري العالمي للكاراتيه، وفضية الدوري العالمي بالصين، وذهبية بطولة أفريقيا 2020، وفضية الدوري العالمي بفرنسا في نفس العام، وفي عام 2021 استطاعت اللاعبة الحاصلة على الذهبية الأولمبية، والفوز بفضية الدوري العالمي بتركيا، لكونها لم تتمكن من المشاركة في النهائي بسبب الإصابة.
وأخيرا: أود القول أنه إذا كانت المحافظة على قيمتى الولاء والعطاء هى مسؤولية الأحياء من جانب كل جيل من أبناء الوطن عموما، ومن القوات المسلحة خصوصا فى حياتهم .. فإن الاحتفاظ بقيمة الوفاء هى مسؤولية الأجيال المتعاقبة فى المستقبل، وبعيدا عن أسماء وسيرة تلك الشخصيات التي ذكرتها سابقا، وفضلا عن تأكيد معنى القول المأثور الآمر: (اذكروا محاسن موتاكم)، فإن ما يحدث فى عهد عبدالفتاح السيسى لهو إرساء وتعميق لمجموعة من القيم والمعايير التى يحرص الرئيس على أن تكون من العلامات المميزة للجمهورية الجديدة، لذا نقول له: جزيل الشكر، وصادق العرفان، على كل ما فعلت وتفعل تجاه رموز مصر وشعبها الطيب .. شكراً لكم على ما قدمتموه من أحاسيس نابعة من قلوبكم، ودام الله عزّكم ودام عطاؤكم، لقد كنت دائما كسحابة معطاءة، سقت الأرض فاخضرت، فعلا للنجاح أناس يقدرون معناه، وللإبداع أناس يحصدونه، لذا نقدر جهودك، فأنت أهل للشكر والتقدير، فوجب علينا تقديرك، فلك منا كل الثناء والتّقدير، ولمصرنا كل الحب والاعتزاز.
بقلم محمد حبوشه