موقع مصرنا الإخباري:
إن التعاون الثابت بين الصين والدول العربية أصبح الآن منارة للرخاء والتنمية المشتركة.
يمثل انعقاد الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي مؤخراً في بكين معلماً هاماً في تاريخ هذه المنصة المؤثرة على مدى عشرين عاماً. يحتفل هذا الحدث، الذي أقيم في 30 مايو 2024، بمرور عقدين من الشراكة القوية ويمهد الطريق لمستقبل أكثر ازدهارًا. ويكتسب الاجتماع أهمية خاصة لأنه يأتي في أعقاب القمة الصينية العربية الأولى الناجحة التي عقدت في ديسمبر 2022 في المملكة العربية السعودية. وتحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، أكدت هذه القمة على الروح الدائمة للصداقة الصينية العربية، والتي تتلخص في قيم التضامن والمنفعة المتبادلة والشمولية.
إن التعاون الثابت بين الصين والدول العربية أصبح الآن منارة للرخاء والتنمية المشتركة. خلال العام الماضي، شهدت مبادرة بناء مجتمع مصير مشترك صيني عربي تقدما هائلا، وأصبحت راية ازدهر تحتها التعاون السياسي والتنموي والأمني والثقافي. إن هذا الاجتماع في بكين هو شهادة على الثقة الاستراتيجية العميقة واتساع نطاق العلاقات الصينية العربية.
ومن الناحية الاقتصادية، لم تكن العلاقات بين الصين والدول العربية أقوى من أي وقت مضى. وعززت الصين مكانتها كأكبر شريك تجاري للعالم العربي. وعلى مدى العقدين الماضيين، ارتفعت أحجام التجارة إلى عنان السماء، فبلغت مستوى قياسيا بلغ 400 مليار دولار سنويا، أي بزيادة عشرة أضعاف عما كانت عليه قبل عشرين عاما. ويعد هذا النمو الهائل مؤشرا واضحا على المنافع المتبادلة المستمدة من هذه الشراكة. وكانت مبادرة الحزام والطريق حجر الزاوية في هذه العلاقة الاقتصادية، حيث تشترك الصين والدول العربية في تنفيذ أكثر من 200 مشروع رئيسي. وتستفيد هذه المشاريع، التي تشمل البنية التحتية، والطاقة، والتمويل، وقطاعات أخرى، من ما يقرب من ملياري شخص في المنطقتين.
وفي قطاع الطاقة، التعاون جدير بالملاحظة بشكل خاص. واستوردت الصين 265 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية في عام 2023 وحده، وهو ما يمثل 47% من إجمالي وارداتها من النفط الخام. ولا يقتصر هذا التبادل الحيوي على التجارة فحسب؛ فهي تمثل شراكة استراتيجية مبنية على الاعتماد المتبادل والأهداف المشتركة. ويتوسع التعاون ليشمل مجالات الطاقة الجديدة مثل الطاقة الكهروضوئية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية المدنية، والطاقة الهيدروجينية، مما يعرض نهجًا تطلعيًا للتنمية المستدامة.
ويكتمل نجاح هذه المشاريع الاقتصادية بمجموعة مثيرة للإعجاب من التبادلات الثقافية. وتعمقت العلاقات الثقافية بين الصين والعالم العربي، مما عزز التبادل الغني للأفكار والتقاليد. ويعد إنشاء 21 معهدًا وفصولًا دراسية كونفوشيوسية في 13 دولة عربية مثالًا رئيسيًا على هذا الجسر الثقافي. وقد لعبت هذه المؤسسات دوراً محورياً في تدريس اللغة الصينية وتعزيز فهم أعمق للثقافة الصينية بين الشباب العربي. وهذا التبادل التعليمي ليس من جانب واحد؛ كما يتم الاحتفال باللغة والثقافة العربية ودراستهما في الصين، مما يعكس الاحترام والإعجاب المتبادلين.
وتوضح البرامج التلفزيونية والمهرجانات الثقافية التفاعل الثقافي النابض بالحياة. وقد وجد المحتوى السمعي والبصري الصيني، مثل “الهجرة إلى السعادة”، و”وسام الجمهورية”، و”الأقنعة والكنوز”، جماهير متحمسة في العالم العربي، مع أكثر من 500 مليون مشاهدة. بالإضافة إلى ذلك، أدت ترجمة ونشر 50 عملاً كلاسيكيًا من كلا الثقافتين إلى إثراء المشهد الأدبي في كلا المنطقتين، مما سمح بتقدير أعمق لتراث كل منهما.
كما انتعشت التبادلات السياحية والشخصية بقوة بعد الوباء، حيث تجاوز السفر الجوي بين الصين والدول العربية مستويات ما قبل الوباء. لقد فتحت الطرق الجوية الجديدة، مثل تلك التي بين بكين والرياض وبين شيامن والدوحة، ممرات جديدة للصداقة والتعاون. هذه الاتصالات هي أكثر من مجرد رحلات جوية. فهي ترمز إلى الرابطة المتنامية بين الشعوب، وتسهل المزيد من التفاهم والخبرات المشتركة.
وتؤكد الإنجازات الملموسة في مشاريع البنية التحتية الفوائد العملية للتعاون الصيني العربي. مشاريع بارزة مثل أطول مبنى في أفريقيا يقع في العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، والطريق السريع بين الشرق والغرب الذي يبلغ طوله 1200 كيلومتر في الجزائر، واستاد لوسيل لكأس العالم في قطر، وجسر محمد السادس في المغرب، أكبر جسر معلق في العالم. إن أفريقيا تقف بمثابة نصب تذكارية للتعاون المثمر بين الصين والعالم العربي. هذه المشاريع ليست مجرد إنجازات هندسية؛ إنهم رموز لرؤية مشتركة للتقدم والازدهار.
كما تحقق الشراكة الصينية العربية خطوات كبيرة في المجالات المتقدمة مثل تكنولوجيا المعلومات، والمنتجعات الصحية الاستكشاف والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. وتساهم المشاريع المشتركة في هذه المجالات في دفع عجلة الابتكار والتقدم التكنولوجي، مما يزيد من ترسيخ أسس النمو المستقبلي. ويعد التشغيل الناجح لمراكز متعددة لنقل التكنولوجيا، ونظام بيدو للملاحة عبر الأقمار الصناعية، والأبحاث الدولية حول مكافحة الجفاف والتصحر بمثابة شهادة على التعاون رفيع المستوى بين المؤسسات العلمية والابتكارية في كلا المنطقتين.
يمثل الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي فصلا جديدا في العلاقات الصينية العربية. إن الالتزام بتسريع تنفيذ نتائج القمة الصينية العربية الأولى يعد مؤشرا واضحا على التصميم المشترك للارتقاء بهذه الشراكة إلى آفاق جديدة. إن الطريق إلى الأمام مشرق، حيث تواصل الصين والدول العربية العمل معا نحو قدر أعظم من الثقة الاستراتيجية، والازدهار الاقتصادي، والوئام الثقافي.
إن العلاقات الصينية العربية تعتبر نموذجا للتعاون الدولي. إنها شهادة على ما يمكن تحقيقه من خلال الاحترام المتبادل والأهداف المشتركة والجهود التعاونية. وبينما يسير الجانبان إلى الأمام، جنبًا إلى جنب، نحو مستقبل مليء بالوعود والفرص، ستستمر الشراكة الصينية العربية بلا شك في الازدهار، مما يحقق مستويات غير مسبوقة من التنمية والإثراء الثقافي لكلا المنطقتين.