فى ظل الانفتاح الحادث الآن بسبب تداعيات العولمة وتأثيراتها على الأسرة والقيم المجتمعية، وخاصة أن العالم الآن قرية صغيرة بعد سيطرة مواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت الحياة بدونها مستحيلة، هناك تحديات وصعاب فى تربية الأبناء، بل هناك صعوبة فى إيجاد نموذج خاص يعبر عن ثقافتنا وعاداتنا وهويتنا كما كان فى الماضى.
والمزعج فى هذه القضية، هو تيه الآباء ليصبحوا هم أنفسهم عبئا في ظل حرص كثير منهم على استيراد نماذج غربية ما أنزل الله بها من سلطان، فقرروا على سبيل المثال، أن يلبسوا أبناءهم الملابس الغربية، وأن يعلموهم اللغات الأجنبية قبل العربية، بل المؤسف أنهم يتفاخرون بالمدراس الأجنبية ويتجاهلون عاداتنا وثقافتنا العربية، وليس معنى ذلك أننا ضد تعلم اللغات أو معرفة ثقافات العالم، لكننا ضد الانصهار الكامل والمبالغ في أحضان هذه الثقافات بشكل يجعلهم ينهلون منها كل شىء دون ضابط أو رقيب، فتكون النتيجة طمس الهوية وضياع الثقافة وغياب النموذج.
غير أن القدوة التى تعتبر ركيزة أساسية في التربية الصالحة، حيث الأب يكون قدوة بأخلاقه وحكمته وعفة لسانه وصدق حديثه وعزوته ومصدرا للقوة والدعم، والأم تكون قدوة بشرف ملبسها وحنانها وطهارة يدها وحسن مظهرها وعفة لسانها ورعايتها، للأسف قد غابت كثيرا أيضا فى ظل عصر العولمة والانفتاح، فشوهت معالم هذه التربية وضاع النموذج فأصبحنا كالراقصين على السلم ما بين التشبث بنموذج مستورد والحنين إلى نموذجنا النابع عن هويتنا، فوجدت الأسر نفسها أمام نموذج لا هو غربى ولا شرقى، نموذج خليط لا قيمة له، سلبياته أكثر من إيجابياته.
خلاف أن هناك مظاهر اقتحمت بيوتنا، مثل الإفراط في تدليل الأطفال والأولاد، سواء بمنحهم كل ما يريدون من وسائل الترفيه والمادة بداعى أن لا نحرمهم كما حرمنا نحن، متجاهلين أن هذا يعزز التكاسل والتواكل لديهم في المستقبل، بل وصل الأمر أن هناك آباءً وأمهات لم يتركوا فرصة لأبنائهم ليثبتوا أنهم قادرون على تحمل المسئولية، حيث يقومون ببذل كثير من الجهد لبناء لهم مسكن الزوجية بل تزويجهم، وأحيانا الإنفاق عليهم بعد زواجهم، بل الملفت أن هذا يحدث ليس نتيجة لسعة رزق ومقدرة هؤلاء الآباء! غير أن الكارثة أن هذا يحدث على حساب التربية نفسها، إما لذهاب الآباء للغربة أو العمل طوال الليل والنهار، أو لجوء الأم للعمل، فيبعدون عن أولادهم، ويغيبون عن البيوت فيضحى الأبناء فريسة مواقع التواصل والثقافات الأخرى، وتكون الشكوى الدائمة التي نسمعها كثيرا في أيامنا هذا، لماذا لم يُقدر أبنائنا تعبنا وتضحياتنا، بل نشتكى من كثرة مظاهر العقوق والجحود.
وختاما.. فإن تربية الأبناء تحتاج إلى نموذج خاص بنا يتسق مع هوية مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا، وهذا ما نطالب به لإكساب أبنائنا مناعة أخلاقية تحميهم من آفات الانفتاح العشوائى على ثقافات العالم، وأيضا نحتاج إلى نموذج يحمى الآباء والأمهات أنفسهم، ويعلمهم كيف يربون أبناءهم، ويكون بمثابة بوصلة لهم، لذا أصبح من المهم مراجعة منظومة التربية لتتوافق مع الأثر الذى ستؤديه في عصر العولمة والانفتاح، لأن الأسرة هى النواة التى يتشكل منها الضمير الاجتماعى والوطنى، فنعم لنموذج يساعدنا على غرس قيم المجتمع فى عقول أولادنا بثقة وحب ورعاية وإطلاع لخلق جيل واعٍ قادرا على التعامل مع مفردات العصر، فما لا يزرع فى الطفولة يا سادة لا ينتظر حصاده فى الكبر..
بقلم أحمد التايب