تجمع الحقائق على تورط النظام الإماراتي في تقويض الهوية الوطنية للدولة بقرارات التجنيس التي لا تحفظ الهوية وتزيد من “خلل التركيبة السكانية” المختلة بشكل صارخ.
واحتفى الإماراتيون في يوم الثالث من تشرين ثاني/نوفمبر الجاري بيوم “العلم” رمز وحدة الدولة وسط قلق بالغ من التدمير المحموم لهويتهم الوطنية وتهديد مستقبلها.
إذ أرخى قانون التجنيس الجديد في الإمارات معظم دفاعات الهوية الوطنية وكأن السلطات تحاول استبدال شعب بشعب جديد بلا هوية جامعة، لا لغة ولا أعراف ولا تقاليد متشابهة بين أبناء الوطن إذا ما استمر المضي قُدماً في التجنيس الجديد.
فالقانون السابق للتجنيس كان يحفظ الهوية الوطنية، فقد اشترط أن “يكون المجنس عربياً، ومكث في الإمارات وخدم لعقود طويلة، ويجبره القانون على التخلي عن جنسيته السابقة”.
أما في التعديلات الجديدة فإن الجنسية تُمنح بتزكية من الحكومة والمسؤولين، وحتى الإنجازات والمهارات فتكون تقديرية حسب رأي المسؤول نفسه، وتعترف بها أي مؤسسة من مؤسسات الدولة.
والهوية الوطنية: هي الخصائص التاريخية والثقافية واللغوية التي تأتي نتاج تفاعل بين تقاليد وموروثات تراكمت عبر التاريخ في دولة ما. وهي الألوان التي تميز العلم وترمز لهذه الهوية.
لكن يلاحظ الإماراتيون منذ بدء قرارات التجنيس مطلع العام الجاري (2021) فإن معظمهم لا يرتبطون لا من قريب أو بعيد بهذه السمات، بل إنهم عبء على المواطن الإماراتي.
وإن التجنيس من هويات ولغات أخرى ومنحها على أساس المال أو قرار مسؤول حكومي بتلك الاشتراطات في قانون الجنسية، هو استمرار في سياسة التجريف لكل ما هو وطني في البلاد بما فيه هويته.
وهو بالفعل ما يحدث منذ بداية العام، فقد تخلت السلطات في الدولة بهوية الدولة الإسلامية المنصوصة في الدستور، وبدأت في قوانين تنسلخ من هوية الإمارات الوطن المسلم والمحافظ. فقد سمحت بـ”العلاقة خارج إطار الزواج”، وسمحت بشرب الخمر، وتجريم جرائم الشرف ضد المرأة، والعديد من القوانين المماثلة.
يقول المسؤولون الحكوميون في تبرير ذلك إنه “يجب أن تتطبع الإمارات مع العدد الأكبر من سكانها”. لكن هذا الأمر غير سليم، فالأجانب والمقيمون في أي دولة يلتزمون بقوانين البلد المضيف خاصة فيما يتعلق بتلك القوانين التي جرى تعديلها.
كما أن هذا الانسحاب نحو الانسلاخ من هوية الدولة بتشريع قانوني يحرض المراهقين الإماراتيين والمسلمين والعرب بذات الاتجاهات تحت حماية القانون.
ويبرر المسؤولون الحكوميون أن التجنيس يأتي لاستقطاب الخبراء والمستثمرين والمبدعين من العالم. وهو تبرير يسيء للإمارات من عدة نواحي:
الأول أنه لا مبرر لتجريف هوية أي بلاد مقابل استقطاب خبراء ومبدعين، وهو استهتار بجنسية الإمارات ببيعها لرجال أعمال قد لا تُعلم نشاطاتهم!.
والثاني أن المبدعين والخبراء الوطنيين تسحب جنسياتهم، وأولئك الآخرين مهددون في أي لحظة بسحب الجنسية في حال انتقدوا السلطات.
منذ عام 2011 ظهر بشكل واضح محاولات تجريف الهوية الوطنية، عندما سحبت السلطات من مواطنين الجنسية بسبب مشاركتهم في مطالبات شعبية بتمثيل برلماني بصلاحيات كاملة ومنتخب من كل أفراد الشعب.
ولحقته قرارات مشابهة استهدفت مواطنين إماراتيين بقرارات سحب الجنسية، وهؤلاء هم من نخبة البلاد وقدموا إنجازات كبيرة لبناء الإمارات ومستقبلها.
كما أن عشرات آخرين في السجون تعرضوا خلال اعتقالهم للتعذيب والأحكام السياسية ولهم إنجازات واضحة وبارزة منذ تأسيس الدولة وحتى سجنهم.
سلوك جهاز الأمن
يتضح من السابق أن تعديلات قانون الجنسية والقوانين الأخرى هو سلوك من جهاز الأمن يستمر منذ بداية العقد الماضي. ومنح الجنسية لا يستند إلى قانون فقط بل إلى “موافقة أمنية”، حيث تتحكم وزارة “شؤون الدولة” بمنح الجنسيات، والتي تقوم على عدة شروط من بينها “الموافقة الأمنية” والتي بدأت فعلاً في جميع مؤسسات الدولة بما في ذلك التوظيف والتعليم والإقامات وتأشيرات الزيارة منذ 2009.
يملك جهاز أمن الدولة مشكلة حقيقية من تصاعد مطالب الإماراتيين بالإصلاح السياسي، وهذا التجنيس -كما يقول مراقبون- محاولة جديدة لتغيير ديموغرافي بإغراق البلاد بالمجنسين الذين يقدمون صمتهم وعدم مشاركته السياسية مقابل الجنسية، لمنع تحركات المواطنين الإماراتيين أصحاب الأرض من المطالبة بحقوقهم السياسية والمدنية.
إن هذا “السلوك الأمني” المستمر منذ عقد من الزمن يُجرف الهوية الوطنية الإماراتية، ويمتد من بُعدها الوطني إلى البُعد الإقليمي.
فاعتراف الإمارات بإسرائيل وإشهار العلاقات معها واستهداف القضية الفلسطينية يعني أيضاً احتمالية تجنيس “إسرائيليين” من رجال الأعمال ومن ساهموا في التقارب مع الكيان، ليكونوا مواطنين إماراتيين!
ومنذ تأسيس الدولة وحتى اليوم ظلت القضية الفلسطينية جزءاً من هوية الإمارات الوطنية، وتجريفها كما في “اتفاق التطبيع” ينتقص من الهوية الوطنية للدولة ولمواطنيها.