بين الأولويات الوطنية والمهازل الاقتصادية: كأس العالم للألعاب الإلكترونية في السعودية
في ظل الأزمات المتعددة والتحديات الكبيرة التي تواجه المجتمعات، تبرز الأولويات الوطنية كخطوط حمراء لا يجب تجاوزها. تتعلق هذه الأولويات بمعالجة قضايا حيوية، مثل البطالة، والتعليم، والصحة، والإسكان. ومع ذلك، نشهد اليوم في السعودية تحولًا مثيرًا للجدل نحو الاستثمار في مجالات ترفيهية بعيدة كل البعد عن تلك القضايا الملحة، وأبرزها استضافة كأس العالم للألعاب الإلكترونية.
يأتي هذا التوجه في وقت ما زالت فيه العديد من الملفات الحيوية مفتوحة، دون حلول شاملة أو حتى مؤقتة. هل حقًا عالجت السعودية مشكلة البطالة التي تؤرق الشباب السعودي؟ هل حقًا تم توفير الرعاية الصحية اللازمة لكل مريض؟ هل حقًا تمت معالجة النقص في التعليم؟ وهل حصل كل مستأجر على منزل يؤويه؟ في ظل هذه التساؤلات، يمكننا أن نسأل بكل جدية: لماذا يتم صرف المليارات على أحداث ترفيهية مثل كأس العالم للألعاب الإلكترونية، في حين أن هناك قضايا أكثر إلحاحًا تنتظر الحل؟
الجواب قد يكون صادمًا للكثيرين. في الوقت الذي من المفترض أن تركز فيه الدول على معالجة مشكلاتها الداخلية، نرى الحكومة السعودية تستثمر في قطاع الترفيه بشكل كبير، متجاهلة – أو على الأقل، متأخرة في – معالجة القضايا الأكثر تأثيرًا على حياة المواطنين. ويبدو أن هذا التوجه يعكس سياسة تهدف إلى تحسين الصورة الخارجية أكثر من معالجة القضايا الحقيقية التي يعاني منها المواطنون.
العديد من المراقبين يرون أن هذا التحول نحو الترفيه والترويج له يأتي على حساب التنمية الحقيقية للمجتمع. ففي بلد يعاني من نقص في الإسكان، ومستويات متفاوتة من التعليم والرعاية الصحية، وزيادة في نسبة البطالة، تبدو الاستثمارات الضخمة في الألعاب الإلكترونية بمثابة هدر للموارد يمكن توجيهها نحو تحسين حياة المواطنين بشكل مباشر.
تخيلوا لو أن تلك الأموال التي تُنفق على استضافة كأس العالم للألعاب الإلكترونية تم توجيهها نحو بناء مدارس جديدة، أو تحسين المستشفيات، أو تمويل مشاريع الإسكان للمواطنين. تخيلوا لو كانت الأولويات الوطنية تتركز على رفع مستوى معيشة المواطن بدلًا من الاستثمار في فعاليات تهدف في الأساس إلى تحسين صورة المملكة على الساحة الدولية.
هذا ليس هجومًا على الألعاب الإلكترونية أو الترفيه بحد ذاته، بل هو دعوة إلى إعادة النظر في الأولويات. متى نتوقف عن متابعة المظاهر، ونبدأ في معالجة الجوهر؟ متى يقرر الشعب أنه يجب توجيه الجهود نحو ما هو أكثر أهمية وضرورة؟ متى يُقال لهذه المهازل “كفى”؟
في النهاية، يتعين على القادة في السعودية أن يستمعوا إلى أصوات المواطنين الذين يطالبون بالتغيير الحقيقي. فالتحديات الكبرى التي تواجهها المملكة لا يمكن التغلب عليها بالمظاهر والفعاليات، بل تحتاج إلى رؤية واقعية تستجيب لأولويات الشعب وتضعه في قلب كل قرار يُتخذ.
أحمد آدم