موقع مصرنا الإخباري:
“المعسكر الغربي”.. مصطلح استحدثته الحرب الباردة التي نشبت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لتنهى به حقبة الحروب العالمية، وما ارتبط بها من مصطلحات، على غرار دول “الحلفاء”، والتى انتصرت في الحرب العالمية الثانية في الأربعينات من القرن الماضي، بقيادة أمريكا والاتحاد السوفيتي، ومجموعة “المحور”، بقيادة ايطاليا وألمانيا واليابان، ليحمل الصراع شكلا مختلفا، يتوافق مع التغيير الكبير في مفاهيم النفوذ التقليدية.
فخلال الحروب العالمية، ارتبط النفوذ الدولى بالفكر الاستعمارى، والقائم على السيطرة العسكرية من قبل الإمبراطوريات العظمى المهيمنة على العالم، لتتحول النظرية بعد الحرب العالمية الثانية إلى ما يمكننا تسميته ب”الاستعمار الفكرى”، عبر نشر نظريات فكرية، على غرار الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التجارة وغيرها، ربما تعكس في ظاهرها بعدا إنسانيا، بينما تحمل في طياتها امتدادا للأفكار التوسعية القديمة من خلال إعادة هيكلة الأنظمة في العديد من مناطق العالم تبعا للمعايير الأيديولوجية، ليتفكك جزئيا، الارتباط بين النفوذ الدولى، والحروب العسكرية.
ولعل البعد الايديولوجي، والذى هيمن على نظرية النفوذ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ساهم في إضفاء “البرودة” على الصراع الشرس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وهى الفترة التي يطلق عليها اسم “الحرب الباردة”، وان شهدت العديد من المناوشات العسكرية هنا أو هناك، إلا أنها لم تصل إلى حد المواجهة المباشرة.
وعلى الرغم من نهاية “الحرب الباردة” في التسعينات من القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لتصبح الولايات المتحدة هى القوى الوحيدة المهيمنة على النظام الدولى، آثرت واشنطن الاحتفاظ ببعض معالم تلك الحقبة، مع تطويرها، من بينها الإبقاء على حلف الناتو، والذي من المفترض أن يكون فقد دوره بانهيار غريمه اللدود “حلف وارسو”، بالإضافة إلى التوسع في نشر المبادىء التى ارستها واشنطن باعتبارها “ارث” المعسكر الغربي، والذي ينبغي الاحتفاظ به.
وهنا يمكننا القول بأن تغير النظام الدولي في أعقاب الحرب الباردة، لم يدفع واشنطن إلى تغيير كبير أو عميق استراتيجيتها، بل سعت لتعزيز قيادتها لدول أوروبا الغربية رغم نهاية الصراع أو بالأحرى غياب المنافس الدولى الحقيقي الذى يمكنه مزاحمتها على قمة النظام الدولى، ليصبح بقاء أمريكا على العرش العالمي مرهونا ببقائها على رأس “المعسكر الغربي” والذى توغل إلى شرق القارة العجوز عبر الناتو لإحياء “الفزاعة” السوفيتية بين الحين والآخر لتكون الشوكة التي يمكن من خلالها تعديل البوصلة الأمريكية نحو واشنطن في حال نشوب أية خلافات حول قيادتها للعالم.
إلا أن بقاء “المعسكر الغربي” ربما يواجه العديد من التحديات، في المرحلة الراهنة، في ضوء العديد من المستجدات، أبرزها الصدع الكبير في علاقة أوروبا مع واشنطن خلال عهد الإدارة السابقة، وما ترتب عليه من شكوك في مدى التزام الولايات المتحدة بتعهداتها تجاه حلفائها، بالإضافة إلى المساعي الأوروبية لتنويع التحالفات في ظل وجود قوى جديدة على غرار الصين يمكنها ملء الفراغ الناجم عن حالة التخلى الامريكى، ناهيك عن تغير النظرة الأوروبية لروسيا، و التى لم تعد الخصم الأكبر لهم، وهو ما يعد بمثابة “انهيار” قوانين الحرب الباردة، بانهيار معها ما يسمى ب”المعسكر الغربي”.
انهيار المعسكر الغربي يكتب كلمة النهاية فعليا للهيمنة الأمريكية الاحادية، خاصة وأن القيادة الأمريكية للغرب هى بمثابة “المحلل” لقيادتها للعالم، لتصبح إعادة الغرب الأوروبي تحت الصولجان الأمريكى هو المهمة الرئيسية لإدارة بايدن في المرحلة المقبلة