موقع مصرنا الإخباري:
الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، فلا يمكنه ان يعيش لوحده، وهذه من نعم الله علينا، حيث جعلنا نعيش في جماعات، ولكن هذه الحياة تحتاج إلى قانون، وهذا القانون قد يكون قانون مثالي، وهو القانون الالهي، وقد يكون غير ذلك كما هي القوانين الوضعية، فالثقافات الإنسانية تعد نوع من القوانين، التي تحكم الفرد والمجتمع، وهذه الثقافات قد تكون صحيحة وسليمة، وقد تكون مريضة وسقيمة….
لكل مجتمع من المجتمعات ثقافة عامة يمكن أن تتحكم في الكثير من أبناء هذه المجتمعات، هؤلاء الذين لا يضعون ما يشيع في مجتمعاتهم تحت مجهر البحث والتمحيص والتجربة والاختبار، فبكل تأكيد ليس كل ما تتوارثه الأجيال من عادات ولا أفكار ولا تقاليد ولا ثقافة هي صالحة كل الصلاح، فالكثير مما تتوارثه الأجيال: جيل بعد جيل هو نتيجة لمعارف ليس من الضروري أن تكون صحيحة ولا من الأكيد أنها صالحة.
وما يشاع في بيئة معينة ويأتي بتأثير على أفراد هذه البيئة نتيجة لقناعة أبنائها بما هو منتشر من ثقافة، ليس من الضروري، بل ربما من المستحيل أن يأتي بنفس النتيجة في بيئة مختلفة لديها إيمان مختلف وقناعة بثقافة مغايرة، هذا الذي يعني أن الوهم يلعب دورا كبيرا في نفوس أبناء كل ثقافة بما هو مشهور في تلك الثقافات المختلفة.
وكلما ارتقت جماعة أو أمة في سلم التطور الحضاري، وفي مجال العلم الحديث كلما هذّبت هذه الجماعة أو تلك الأمة الموروثات الثقافية التي ورثتها عن أجيال سبقتها، لم يتوفر لهذه الأجيال من العلم والمعرفة ما يتوفر للأجيال الحديثة، فقامت أجيال الآباء والأجداد بتفسير الظواهر الطبيعية والأمراض النفسية، بل والعضوية كذلك تفسيرا يتناسب مع معارفهم المحدودة، ولجأت للغيبيات فيما لم تجد له تفسيرا من هذه الظواهر، ذلك الذي فتح مجالا هائلا للسحرة والمشعوذين ليسرحوا ويمرحوا وتسرح معهم العفاريت والجان ليتحكموا في مصائر إنسان المعارف المحدودة والثقافات البدائية.
ويمكننا أن نفرّق بين البيئات المختلفة بما هو شائع من ثقافة في كل منها، فيمكن للمدقق أن يلحظ دون كثير عناء أنه كلما كانت البيئة متحضرة كانت الثقافة المنتشرة بها هي ثقافة عقلية علمية في جانبها الأعظم، وعلى العكس من ذلك فكلما كانت البيئة متخلفة انتشرت الثقافات البدائية كما انتشر السحر والشعوذة اللذان هما مرتبطان بالجهل ارتباطا وثيقا.
ولعلنا نجد مثالا حيا واضحا كل الوضوح في القارة الأفريقية التي تؤمن شعوبها إيمانا راسخا بالسحر والشعوذة، فنجدهم يعالجون الأمراض النفسية والعصبية على اعتبار أنها مس من قوى غيبية أو باعتبارها أرواح شريرة تتلبس هذا الذي يعاني مرضا نفسيا، بل أكثر من ذلك، فربما لجأوا كذلك للسحر والشعوذة في تلك الأمراض الجسدية التي يعجز فيها العلم عندهم عن علاجها، ولعل أكثر ما يمكن أن تتم ملاحظته هو اللجوء للسحر والشعوذة في القارة الأفريقية في المنافسات الرياضية وفي القلب منها مباريات كرة القدم التي تحظى باهتمام بالغ في كل دول العالم، هذا الذي نجد له مثيلا في مجتمعنا المصري الذي انتشرت فيه الخرافة والسحر والشعوذة، فوجدنا من يلجأ لمن يسمون “شيوخ” للقيام بــ “عمل” ليتمكن فريقه من الفوز في مباراة من المباريات، هذا الذي يكون سببا في انتشار هذا العبث وتلك الخرافة.
ولو أردنا أن نقارن بيئة متحضرة ثقافيا بما يحدث عندنا، فيمكننا أن نقف على حالة في إنجلترا؛ وذلك ببساطة شديدة؛ لأننا – أعني المصريين جميعا – نتابع مباريات الدوريات الأوروبية وعلى الأخص مباريات مسابقة الدوري الإنجليزي “بريمير ليج” وذلك للاستمتاع بلاعبينا المحترفين به وعلى رأسهم النجم المصري العالمي محمد صلاح الذي حقق فريقه ليفربول بطولة الدوري بعدما غابت عنه لمدة ثلاثين سنة وها هو الآن يمر بظروف صعبة حيث لم يحقق في آخر خمس مباريات في الدوري سوى نقطتين من تعادلين وخسر ثلاث مباريات، وفي المباراة السادسة التي جاءت مؤخرا في مسابقة كأس الاتحاد الإنجليزي استمرت سلسلة الهزائم فخسر أمام مانشستريونايتد بثلاثة أهداف مقابل هدفين وأطيح به خارج المنافسة، ولقد كان فريق ليفربول هو الأفضل والأكثر استحواذا في أغلب هذه المباريات ورغم ذلك خسر كل هذه النقاط التي أبعدته عن صدارة الدوري فهل وجدنا في إنجلترا من بين مشجعي الفريق أو من المسؤولين عن الفريق من يزعم أن هناك من قام بــ “عمل” للفريق، أو من سخر جنا أو عفريتا أو قرأ طلسما من الطلاسم أو أن “عينا” أصابت اللاعبين؟!.
إن هذه المقارنة لهي مثال حي على الفوارق بين المجتمع الذي يحيل كل ما يصيبه أو يصيب أفراده إلى غيبيات ما أنزل الله بها من سلطان، وبين مجتمع يقدّر قيمة العمل والعقل والعلم والبحث في أسباب الإخفاق ليتلاشاها وعن أسباب النجاح لينميها.
ربما يقول قائل إذا كنت تنكر تأثير الأعمال والطلاسم والشعوذة والعين فما هو التفسير فيما يبدو لهم من أثر؟ هذا الذي نجيب عليه بما يعرف بالمتلازمة الثقافية.
فالمتلازمات المرتبطة بالثقافة هي الأمراض المرتبطة بثقافات معينة (culture-bound syndrome) أي الأمراض ذات الأعراض المنحصرة على عدد من الثقافات أو الأشخاص لأسباب متعلقة بالخصائص النفسية والاجتماعية المشتركة بينهم.
في الطب والأنثروبولوجيا الطبية تعرّف المتلازمة المرتبطة بالثقافة أو المتلازمة الخاصة بالثقافة أو المرض الشعبي على أنها مزيج من الأعراض النفسية والجسدية التي تعتبر مرضًا يمكن التعرف عليه فقط داخل مجتمع أو ثقافة معينة. ولا وجود لأيّ تغييرات كيميائية حيوية أو هيكلية في أعضاء أو وظائف الجسم، ومثل هذا المرض غير معترف به في الثقافات الأخرى.
فلو أخذنا على سبيل المثال “عجز العريس عن ممارسة الجنس مع عروسته” فيما يعرف شعبيا بــ “ربط العريس” نتيجة لأن هناك من أوهمه أن شخصا – يجب أن يكون هذا الشخص مشهورا في مثل هذه الأعمال التي يطلق عليها أعمالا سفلية – قد قام بــ “عمل” يمنعه من القدرة على الإتيان بدوره الجنسي وكان هذا الشخص مما يؤمنون بهذا الأمر فإنه لن يستطيع أن يمارس الجنس مع عروسه في هذه الليلة ما يجعله يلجأ حتما لمن “يفك” هذا العمل، وهنا يستطيع أن يقوم بواجبه الزوجي، ذلك الذي يمكن أن نطلق عليه ” علاج الوهم بالوهم” الذي هو منتشر في بلداننا، ولنفترض الآن أن هذا المشعوذ انتقل إلى بيئة ثقافية مغايرة لا تؤمن بمثل هذه الادعاءات فإنه مهما يفعل فلن يلتفت له أحد ولن تكون لمهارته السفلية المزعومة أثر يذكر، بل ربما أصبح مثار استهزاء وسخرية.
وقد تم تضمين مصطلح “متلازمة مرتبطة بالثقافة” في الإصدار الرابع من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (الجمعية الأمريكية للطب النفسي، 1994) والذي يتضمن قائمة بأكثر الحالات المرتبطة بالثقافة شيوعًا والتي كان من بينها “عين الحسد” (أو عين الشيطان) وهي، كما جاءت في ويكيبيديا، عبارة عن نظرة حاسدة تؤمن بها العديد من الثقافات وبقدرتها على التسبب بالإصابات أو جلب الحظ السيئ للشخص الموجهة إليه هذهِ النظرة، لأسباب عديدة قد تكون حسدًا أو كراهية ويشير هذا المصطلح أيضًا، إلى قوة تصدر من أشخاص معينين تؤدي لإصابة آخرين بالعمد، والتسبب لهم بسوء الحظ عن طريق نظرة الحسد أو تمني قلة الحظ. والعين الحسودة عادةً ما تُعْطِى وتؤثر في الأشخاص بدون علمهم بها. و تعرف في اللغة الفارسية ب “” (الإصابة بسبب العين) أو ب “شزم الي باد” (العين السيئة) أما في اللغة التركية تعرف بـ “نزار” وهي كلمة مشتقة من الكلمة العربية (نظر) وفي أفغانستان بـ “تشاتشيم مورا” أما في اليونانية ” توماتي و مالديخو و مالوكيو” وأما في مجتمع الهاواي فتعرف بـ “العين النتنة” ولقد تم تصنيف “عين الحسد” في “الطبعة الرابعة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية للمتلازمات على أنها متلازمات مرتبطة بالثقافة في البحر المتوسط.
وهناك مثال قاتل على مثل هذه الاعتقادات، وهو حينما يصدر ” الشامان” رئيس القبيلة وساحرها، لدى بعض القبائل البدائية حكما بالإعدام على أحد أفراد القبيلة لأنه اخترق حرماتها، فإنه بمجرد أن يعلن هذا الحكم المصحوب باللعنات التي تؤكد أنه قد حُكِم عليه بالإعدام وأنه سوف يموت خلال فترة زمنية وجيزة، دون تدخل من أحد لتنفيذ حكم الإعدام هذا، فإن من وَقَع عليه الحكم يموت خلال فترة زمنية وجيزة ربما في نفس اليوم أو خلال شهر من إصدار هذا الحكم، هذا الذي يرفض العلم موته بسبب تلك اللعنات التي صبها هذا الشامان، وبالفعل فإنه في البحث عن أسباب الوفاة اتضح أن من أسبابها هو أنها حدثت نتيجة لأزمات قلبية ناتجة عن الخوف الذي أصاب المجرم المحكوم عليه بهذا الحكم من “الشامان”. وغيرها من الأسباب العلمية.
والسؤال الآن: هل لو أصدر هذا “الشامان” هذا الحكم المصحوب بتلك اللعنات الخرافية على أحد أبناء بيئة غير بيئته المؤمنة بقدرته هذه سوف يأتي بأية نتيجة؟!. والإجابة بكل بساطة هي بالنفي المؤكد.
ولنختم بهذه المتلازمة الثقافية المعروفة باسم كورو (الصين وماليزيا) ومرض كورو هو اضطراب يصيب الرجال بشكل رئيسي، الذين يعانون من حالة من الذعر، مع ميول قلق، وخلال هذا يرى أن قضيبه يتناقص في الحجم.
وعلى الرغم من أن هذه المتلازمة في الجنس الذكري، فلقد كانت هناك حالات لدى النساء أيضا، اللائي رأين هذا الانكماش في الثديين والأعضاء التناسلية.