لم تكن واقعة فتاة الفستان الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة مالم تكن هناك إجراءات حاسمة تعيد الأمور إلى نصابها، وتحافظ على مكتسبات المرأة، وتصون حقوق المواطن التى كفلها الدستور، هذه الواقعة كانت كاشفة لواقع مجتمعي يحتاج إلى مراجعة، وثقافة تتطلب وقفة، وسلوكيات في حاجة إلى تقويم وضبط، وربما تكون هذه الواقعة وجدت طريقها إلى السوشيال ميديا فحملت رسالة تحذير إلى المجتمع لكن هناك الكثير من الوقائع المماثلة التى تحدث في المجتمع وتضرب في ثوابته دون أن ينتبه لها أحد، لتظل الحقيقة الثابتة أن هناك ظواهر باتت تهدد قيم المجتمع، وتستهدف هويته الوطنية، وتسعى إلى تغيير ثقافته، والنيل من حرية أفراده، للدرجة التي أصبح فيها الزي أحد الأسلحة التى يتم استغلالها في ضرب هذه الثوابت.
“فتاة الفستان” كما أطلق عليها إعلاميا كانت في طريقها لأداء امتحانات الجامعة مرتدية فستانًا بسيطًا في ألوانه وهيئته لتفاجأ بالمراقبات داخل اللجان يغمرونها بالتنمر والتمييز وتساؤلا حملت في مضمونها سخرية من مظهرها الخارجي بل وتعدت التنمر لتصل إلى حد انتهاك الخصوصية والحريات الشخصية إذ بدت المراقبة استيائها من فستان الطالبة قائلة: “إيه اللي أنت لابساه ده، فين بنطلونك، نسيتي تلبسيه ولا إيه؟!”، بل أن أخرى سألتها عن ديانتها وكأن الزي أصبح يصنف على أساس طائفي وهو من المؤكد تطور مرفوض وغير مقبول.
حالة من الصمت انتابت الطالبة حبيبة طارق، المقيدة بالفرقة الثانية بكلية الآداب بجامعة طنطا والمعروفة إعلاميا بـ”فتاة الفستان” فوقفت أمام كلمات المراقبة داخل اللجنة تحاول أن تجد تفسيرًا لانتقاد مظهرها الخارجي وتوبيخها عليه أمام زملائها داخل المدرج قائلة: “لا أعرف لماذا حدث معي ذلك ولماذا تنمرت عليا المراقبة وأبدت سخريتها من ملابسي حتى أنها سألتني انتي مسلمة ولا مسيحية فما علاقة ديني أو لوني أو عرقي هُنا”.
ولم تكن حبيبة وحدها ففي أحد الفنادق فوجئت إحدى الفتيات بحرمانها من نزول حمام السباحة بسبب ارتدائها “مايوه محجبات” ما اعتبرته تمييزًا جعلها تشعر بالنقص وعدم المساواة والتعدي على حريتها الشخصية في اختيار المظهر البدني الذي تريده.
والمعروف، أن الملبس هو صورة من صور الحرية البدنية فلكل إنسان الحرية في اختيار المظهر البدني الذي يريده ما لم يتعارض ذلك مع العرف والتقاليد والآداب العامة ولكن دائمًا ما تحدث وقائع مشابهه حول حرية المظهر الخارجي ما جعل “بوابة الأهرام” تفتح القضية متسائلة: هل تحتاج حرية المظهر البدني إلى قوانين لعدم اختراقها أم أن مثل هذه السلوكيات بحاجة أكثر لتوعية ثقافية؟
قبل 40 عامًا كانت المرأة في مختلف أعمارها تخرج إلى الشوارع والنوادي والجامعات والمتنزهات دون التعرض لمواقف جارحه بشأن المظهر البدني وما ترتديه من ملابس وكان المواطن واحدًا لا فرق بين دين أو لون أو عرق، الجميع في طرف اليوم يجلسون علي مائدة طعام واحده سواء علي طاولة الجيران أو المطعم أو مائدة الرحمن في شهر رمضان الكريم.
تقول الطالبة حبيبة طارق التي عرفت إعلاميًا بـ”فتاة الفستان”: “لماذا حدث معي ذلك ولماذا قامت المراقبة بإحراجي داخل اللجنة بالرغم من عدم ارتدائي ملابسًا خارجة ولماذا استعدت مراقبة أخرى زميلة لها لتخبرها قائلة “تعالي شوفي دي لابسه إيه؟”.
مشكلات نفسية نتيجة الواقعة
بحسب حديث الدكتور وليد هندي، استشاري الطب النفسي لـ”بوابة الأهرام”، فإن هذه الفتاة ستواجه للأسف العديد من المشكلات النفسية نتيجة الموقف الحاد الذي تعرضت له من تنمر وتعد على حريتها الشخصية.
وتتمثل هذه المشكلات في العديد من السلوكيات التجنبية مثل العزوف عن المشاركات الاجتماعية والإحجام عن الدخول في صداقات كبيرة الحجم وكذلك العزوف عن ممارسة النشاط سواء الطلابي أو المجتمعي كالأفراح والأعياد والمناسبات العائلية.
وللأسف ستعاني من الشعور بالكآبة النفسية وهو ما سيؤدي للانسحاب الاجتماعي والعزلة النفسية التي قد تؤدي إلى بدايات ذهان الهوس الاكتئابي كما ستعاني من متلازمة القلق أثناء الكلام أو المشي وستعاني من شعور عدائي تجاه المجتمع ورفض التعامل مع بعض مؤسساته ولاسيما المؤسسات التعليمية باعتبارها تمثل لها خبرة ألم وإن لم تكن هذه الفتاة تتمتع بالصلابة النفسية ستراودها بعض الأفكار الانتحارية.
وقد تواجه الفتاة اضطرابات في النوم وفقدان الشهية كما قد تنعكس هذه الواقعة علي مستقبلها الدراسي والتعليمي واختياراتها المهنية المستقبلية.
علاج الظاهرة
وتقول الدكتورة هالة يسري، أستاذ علم الاجتماع بمركز بحوث الصحراء ، كيف يتعرض المواطن سواء أنثى أو ذكر للتنمر أو التمييز وقد نص الدستور المصري على المساواة بين كافة المواطنين بما يعرف بالمواطنة، حيث لا تمييز بين أفراد الشعب المصري على الإطلاق.
وحول العلاج تقول أستاذ علم الاجتماع لـ”بوابة الأهرام”، إن هذا السلوك بحاجة عاجلة لاستدعاء المادة الأولى من الدستور المصري وتفعيلها مع كافة الأجهزة التنفيذية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ومراجعة القوانين التي لا تتفق وهذه المادة من الدستور وتعديلها إن لزم الأمر.
وتوضح “بوابة الأهرام”، أن المادة الأولى من الدستور المصري تنص على الآتي:
مادة المواطنة
” جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون، الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية”.
وتضيف “يسري”، أنه على كل الجهات الحكومية وغير الحكومية أن تضع خطتها التنفيذية المقترنة بجداول زمنية لمعالجة الإخفاقات التطبيقية لهذه المادة من الدستور.
وتتابع في حديثها لـ”بوابة الأهرام”، أن هذه المادة من الدستور وهي المادة الأولى بحاجة إلى اتباعها بقانون لتفعيلها يعمل على تجرم كل من يحاول التنمر أو التمييز بين المواطنين وتجاهل مادة المواطنة وهي المادة الأولى في الدستور.
وأخيرًا تقول الدكتورة هالة يسري أستاذ علم الاجتماع، يبقى الإطار الثقافي بتفعيل مادة المواطنة من خلال إزكاء روح المساواة والعدل بين مواطنين الدولة المصرية بغض النظر عن اللون أو الدين أو العرق وتفعيل الحقوق الشخصية وخلق بيئة داعمة للمساواة بين كل أفراد المجتمع المصري.
نصائح للتعافي
وينصح الطبيب النفسي هذه الفتاة من خلال “بوابة الأهرام”، بأن تتفهم أن ما حدث موقف عارض في الحياة وجاء نتيجة قصور ليس منها وإنما من الفكر المضاد من بعض الأشخاص الذين لديهم أفكار تطرفية بعدم قبول الآخر.
ولمساعدة الفتاة في إعادة بث الثقة في النفس مرة ثانية ينصح الطبيب النفسي بخلق مواقف ناجحة مثل ممارستها للنشاط داخل الكلية واستقبال رئيس الجامعة لها لتكريمها إن كانت من المتفوقين وينصحها بالانخراط في جماعات النشاط الطلابي كالجوالة والرحلات لعدم الشعور بالنبذ أو النفور من المجتمع.
المصدر بوابة الاهرام