من المقرر أن يبدأ مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكون من 35 دولة اجتماعاته الفصلية، اليوم الإثنين، على أن تستمر حتى الجمعة المقبل. وتتصدر أجندة هذه الاجتماعات مناقشة مستجدات الملف النووي الإيراني الساخنة.
يأتي هذا الاجتماع على وقع ستة معطيات مهمة، جلها مرتبط بالبرنامج النووي الإيراني والاتفاق النووي والمفاوضات النووية المتعثرة الرامية إلى إحيائه، والتي بات مصيرها مرتبطا بمخرجات اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك في ظل ارتفاع منسوب التشاؤم خلال الفترة الأخيرة. بالتالي، فإن ما بعد الاجتماع في ما يتعلق بمفاوضات فيينا المتوقفة، وجهود إحياء الاتفاق النووي، قد لا يكون مثل ما قبله.
وبما يتعلق بالمعطى الأول، فإن الاجتماع ينعقد على وقع عودة التوتر إلى العلاقات بين إيران والوكالة الدولية على خلفية تقارير جديدة للمدير العام للوكالة رافاييل غروسي بشأن هذا الملف واتهاماته لطهران بعدم التعاون في التحقيقات حول ثلاثة مواقع مشتبه بممارسة أنشطة نووية فيها، فضلا عن اتهامات إيرانية للوكالة بالتسيس والانحياز و”الخضوع” للإملاءات الإسرائيلية والغربية.
والإثنين الماضي، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقريرين منفصلين، عن القضايا الخلافية بين الوكالة وإيران واحتياطياتها من اليورانيوم المخصب. وفي التقرير الأول، ذكرت الوكالة أن إيران لم ترد بمصداقية على أسئلة الوكالة المطروحة عليها منذ فترة طويلة، بشأن مصدر آثار يورانيوم عُثر عليها في ثلاثة مواقع غير معلنة.
وفي التقرير الثاني، أوردت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران قد تجاوز الحد المسموح به بموجب الاتفاق النووي، المبرم عام 2015 بين طهران والقوى الكبرى، بأكثر من 18 مرة.
أما المعطى الثاني المتفرع من المعطى الأول، فيتعلق ببحث مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مسودة قرار ضد إيران، أرسلتها الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) الشريكة في الاتفاق النووي والمشاركة في مفاوضات فيينا المتعثرة. والسبت الماضي، قال المندوب الروسي لدى الوكالة، ميخائيل أوليانوف، في تغريدة إن المجلس على الأغلب سيناقش مسودة القرار يوم الأربعاء المقبل.
كما توقع أوليانوف في تغريدة أخرى أن تكون جلسة مجلس محافظي IAEA “متوترة”، قائلا، إن المجتمعين سيناقشون القضايا المتعقلة بإيران وأوكرانيا واتفاقية أوكوس (AUKUS.).
وعشية بدء الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، توعّد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بالرد على إقرار القرار الغربي في الجلسة، قائلا: “إذا اتبع صناع القرار ضد إيران في IAEA نهج التهديد فهم يتحملون مسؤولية كل عواقب ذلك”.
وأشار أمير عبد اللهيان في تغريدة له إلى مباحثاته مع مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، الجمعة الماضي، قائلا إنه بحث مع بوريل المفاوضات النووية وطريقة استمرارها. وأكد الوزير الإيراني أن بلاده ترحب بـ”اتفاق جيد ومحكم ومستدام”، لافتا إلى أن “الاتفاق في المتناول إذا ما كانت أميركا والدول الأوروبية الثلاث تعاملت بواقعية”.
والثلاثاء الماضي، أرسلت الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، الثلاثاء الماضي، مسودة قرار إلى أعضاء مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تدعو السلطات الإيرانية إلى “الوفاء العاجل بتعهداتها القانونية”.
وتنص المسودة، التي اطلعت عليها “رويترز” الأربعاء، على أن يدعو مجلس محافظي الوكالة إيران إلى “العمل بشكل عاجل للوفاء بتعهداتها القانونية، والنظر فوراً في اقتراح المدير العام (للوكالة الدولية للطاقة الذرية) حول مزيد من المشاركة لتوضيح وحل جميع قضايا السلامة العالقة”.
وتعبّر القوى الغربية، في مشروع القرار المقدم إلى مجلس محافظي الوكالة، عن “القلق العميق” تجاه عدم حل القضايا العالقة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، عازية عدم حلها إلى “التعاون غير الكافي المؤسسي لإيران”.
وبما يتعلق بالمعطى الثالث، فإن فرص إحياء الاتفاق النووي عبر التفاوض (مفاوضات فيينا) باتت تتضاءل يوما بعد يوم، وهو ما أكد عليه مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل السبت الماضي، لكنه فتح نافذة للتفاؤل أيضا بالقول إن إبرام الاتفاق لإحياء الاتفاق النووي “ما زال ممكناً بجهد إضافي”، معلناً عن استعداده “في أي وقت لتسهيل عملية حل القضايا العالقة (المتبقية)”.
ولعل التوجه الغربي لاستصدار قرار من مجلس محافظي الوكالة ضد إيران لزيادة الضغط على إيران، يعكس المأزق الذي وصلت إليه المفاوضات النووية لحل الأزمة بالمفاوضات، الأمر الذي يعني من جهة إحباطا غربيا من التفاوض لإعادة فرض القيود الدولية الصارمة على برنامج إيران النووي، ومن جهة ثانية إحباطا إيرانيا من رفع العقوبات الأميركية الشاملة والقاسية على طهران من خلال المفاوضات والمزيد من التعويل على ممارسة الضغوط النووية لـ”إرغام” الجانب الغربي لرفع العقوبات في وقت الانشغالات الغربية بالأزمة الأوكرانية ومواجهة روسيا حسب أوساط محافظة.
أما المعطى الرابع، فهو أن عقد الاجتماع الأممي النووي على وقع حدوث عدة عمليات “تخريب واغتيال” و”وفيات غامضة” في إيران، خلال الأسبوعين الأخيرين، من شأنها تعقيد وتقزيم عملية التوصل إلى حل دبلوماسي للملف النووي والعودة إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015. طبعا، المتهم الرئيسي في هذه العمليات إيرانيا هو إسرائيل، العدو اللدود للاتفاق والمعارض للعودة الأميركية إليه.
تلك العمليات بدأت أخيرا من اغتيال العقيد حسن صياد خدايي الضابط في “فيلق القدس” الإيراني يوم 22 مايو/ أيار، ثم تلاه وقوع “حادث غامض” في منطقة “بارجين” العسكرية شرقي طهران ومقتل العالم المهندس إحسان قدبيغي وإصابة شخص آخر، فضلا عن “وفاة غامضة” لعالم الجوفضاء أيوب انتظاري، الإثنين الماضي في مدينة يزد وسط إيران ووجود روايات متناقضة حول وفاته، وكذلك حديث إسرائيلي عن وفاة عالم نووي آخر يدعى كامران ملابور في ظروف غامضة في منشأة نطنز، لكن لم يرد أي خبر عن ذلك في الإعلام الإيراني.
وحول المعطى الخامس، فإنه بما يتعلق بالزيارة المثيرة للجدل لمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي إلى إسرائيل، الأسبوع الماضي، وإجرائه مباحثات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت.
وأثارت الزيارة غضبا وتساؤلات إيرانية حيال غروسي، ما جلب له اتهامات إيرانية بعدم الحيادية، حيث قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في مباحثاته الهاتفية مع مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل الجمعة الماضي، إن زيارة غروسي إلى تل أبيب على أعتاب اجتماع مجلس محافظي “الذرية الدولية” تتعارض مع مبدأ “الانحياد والموقع الفني والمهني للوكالة”.
وأكد أمير عبد اللهيان، أن “الكيان الصهيوني هو المجرم الأساسي في ممارسة أنشطة نووية غير شرعية ويمارس ممارسات تخريبية”.
كما في تغريدة على “تويتر”، حذر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، من “تقويض مصداقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكثر من قبل”، مضيفا: “لا يمكن لأحد التزام الصمت تجاه البرنامج التسليحي النووي السري لإسرائيل ثم يزعم الحياد ويتحدث عن الأنشطة النووية الإيرانية السلمية”.
المعطى السادس الذي من شأنه تسخين الصراع مع إيران، مصادرة الولايات المتحدة الأميركية، خلال الشهر الماضي، شحنة نفطية إيرانية في اليونان بعد احتجاز ناقلة نفط كانت تحملها.
تأتي الخطوة الأميركية بعدما منحت واشنطن الضوء الأخضر لإيران خلال الشهور الأخيرة لبيع نفطها مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا عبر عدم متابعة تطبيق العقوبات في هذا القطاع كما في السابق، وذلك على ما يبدو لمنع ارتفاع مطّرد لأسعار الطاقة، لكن مصادرة الشحنة الإيرانية تشي بأن واشنطن قد تقرر تشديد تطبيق العقوبات على النفط الإيراني.
على أثر ذلك، أدركت إيران سريعا خطورة الخطوة في الوقت الراهن الذي تواجه فيه أزمة اقتصادية متفاقمة، فردت على الخطوة اليونانية، يوم 27 من الشهر الماضي باحتجاز ناقلتي نفط يونانيتين في الخليج وسحبهما إلى الشواطئ الإيرانية.
المصدر: العربي الجديد