الولايات المتحدة: تحضير مسرح الحرب مع الصين

موقع مصرنا الإخباري:

مؤشرات التحركات الأميركية وانتشار القواعد العسكرية وإقامة التحالفات الدفاعية والأمنية تفيد بأنَّ الأمر هو تحضير لمسرح الحرب التي ستندلع بعدما يستكمل الأميركيون استعداداتهم لها.

شغل الأميركيون العالم والداخل الأميركي بقضية “البالون” الصيني الذي أسقطته طائرة حربية أميركية، واتُهمت الصين من خلاله بالتجسس على قواعد الصواريخ الأميركية وأماكن أخرى في البلاد.

حلّق المنطاد من دون أن يلاحَظ، ثم اكتُشف في 28 كانون الثاني/يناير، وأُسقط بعد أيام، في ظل أجواء إعلامية وحربية واتهامات للصين بالتجسس. وقد ألغى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن زيارته التي كانت مقررة لبكين، فيما نددت الصين بـ”رد الفعل المبالغ فيه بشكل واضح” في اتخاذ قرار استخدام القوة ضد المنطاد، وقالت إنه كان وسيلة مدنية لأبحاث المناخ انجرفت بشكل غير متوقع فوق الأراضي الأميركية.

في الواقع، وفي الوقت الذي انشغل العالم بقضية المنطاد، كانت الولايات المتحدة تستكمل محاولة تطويق الصين بحراً عبر توقيع اتفاقية جديدة مع الفلبين تضمن لها الوصول إلى 4 قواعد عسكرية إضافية، ما سيوفر لها قواعد أمامية متقدمة لمراقبة الصين في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان.

ينصّ الدستور الفلبيني على عدم السماح بوجود قواعد عسكرية دائمة لأي جهة خارجية في البلاد. لذا، تمّ الاتفاق على أن يكون للأميركيين حق الوصول والتموضع في تلك القواعد من دون الحق بالتمركز بشكل دائم فيها.

على الرغم من ذلك، فإنَّ الولايات المتحدة الأميركية تكون قد اكتسبت -بموجب هذا الاتفاق الجديد- الحقّ بوضع معدات عسكرية وبناء منشآت في 9 مواقع في جميع أنحاء الفلبين، وهي المرة الأولى منذ 30 عاماً التي سيكون فيها للولايات المتحدة مثل هذا الوجود العسكري الكبير في هذا البلد.

يعدّ الوجود العسكري الأميركي في الفلبين مسألة حساسة للغاية يرجع تاريخها إلى استعمار الولايات المتحدة الأرخبيل في عام 1898، وإلى نشوب حرب استعمارية استمرت حتى عام 1913. حصلت الفلبين على استقلالها عن الولايات المتحدة عام 1946، لكنها ظلت تحت السيطرة الأميركية مع احتفاظ الجيش الأميركي بقواعد رئيسية وسلطات واسعة في البلاد، وبدعم الرئيس والجيش الفلبيني الذين يتهمهم كثيرون بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

بعد سنوات من الاحتجاج على القواعد العسكرية الأميركية وسقوط ديكتاتورية فرديناند ماركوس المدعومة من الولايات المتحدة، أجبر الفلبينيون الولايات المتحدة على إغلاق قواعدها في 1991-1992، وتم تحويل القواعد السابقة إلى استخدامات مدنية منتجة، بما في ذلك التسوق والمطاعم والترفيه والأنشطة الترفيهية والمطار المدني، لكن، لغاية الآن، يتهم الفلبينيون الأميركيين بالتسبب بأضرار بيئية طويلة الأمد، مع ما يصاحبها من أضرار صحية، فضلاً عن آلاف الأطفال الذين ولدوا وتركوا من قبل أفراد الجيش الأميركي وغير ذلك.

ارتبطت الولايات المتحدة مع الفلبين بمعاهدات أمنية دفاعية منذ سنوات طويلة، وتمّ توقيع اتفاق “التعاون الدفاعي المعزز” خلال فترة ولاية باراك أوباما عام 2014، وذلك في خضم الاستعداد لتطبيق إستراتيجية “التوجه نحو آسيا” لاحتواء الصين. وقد ساعدت القوات الأميركية الحكومة الفلبينية على قمع التمرد في البلاد، في مقابل السماح للجيش الأميركي بتخزين المعدات والإمدادات الدفاعية في 5 قواعد في أنحاء البلاد.

عملياً، أُضيفت تلك القواعد في الفلبين إلى سلسلة تتألف من 313 قاعدة عسكرية أميركية في شرق آسيا، وفقاً للقائمة التي نشرها البنتاغون، بما في ذلك القواعد الموجودة في اليابان وكوريا الجنوبية وغوام وأستراليا. ويرجح أن تكون القواعد الجديدة في الجزء الشمالي من الفلبين الذي يبعد 15 كيلومتراً فقط عن تايوان، ما يجعل القواعد الأميركية قاعدة متقدمة مناسبة في حال اندلاع النزاع مع الصين حول تايوان.

وبهذا الاتفاق الجديد، تكون واشنطن قد قامت باستكمال قوس التحالفات العسكرية حول الصين، الممتدة من كوريا الجنوبية واليابان في الشمال إلى أستراليا في الجنوب. وكانت الفلبين هي الحلقة الأخيرة المفقودة في ذلك القوس، وهي تحدّ اثنتين من أكبر بؤر الصراع المحتملة مع الصين، هما تايوان وبحر الصين الجنوبي.

وهكذا، يبدو أنَّ الولايات المتحدة تقوم بتعزيز جودها العسكري في الفلبين وعبر شرق آسيا وتطويق الصين بالقواعد والقوات، تماماً كما فعل حلف الناتو مع روسيا في وقت سابق، وأدى إلى اشتعال الحرب في أوكرانيا.

وعلى الرغم من التصريحات الأميركية المتعددة التي تقول إن إطار السباق مع الصين هو مجرد منافسة، وليس صراعاً وردعاً، كما كانت عليه الحال خلال الحرب الباردة أو كما هي الحال مع روسيا، فإن مؤشرات التحركات الأميركية في تلك المنطقة وانتشار القواعد العسكرية وإقامة التحالفات الدفاعية والأمنية تفيد بأنَّ الأمر هو تحضير لمسرح الحرب التي ستندلع بمجرد أن يستكمل الأميركيون استعداداتهم لها.

بقلم: نيلى نيقولا

المصدر: الميادين

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى