موقع مصرنا الإخباري:
بدأ المئات من سجناء الرأي في البحرين إضرابًا عن الطعام – منذ بداية أغسطس – احتجاجًا على الإهمال الطبي والمعاملة اللاإنسانية التي تنتهك أبسط المعايير الدولية لمعاملة السجناء.
وهذا الإضراب عن الطعام ليس الأول من نوعه في تاريخ البلاد الكئيب، لكنه يكتسب الاهتمام الآن مع استمراره للأسبوع الثاني على التوالي، حيث وجد المئات أن معركة البطون الفارغة قد تعيد بعض حقوقهم التعسفية حقوق.
ويحتج هؤلاء المعتقلون السياسيون على تدهور الأوضاع الإنسانية في السجن، حيث يضطرون إلى شرب الماء من عبوات المنظفات. ويضطرون إلى تناول وجباتهم غير الصحية في أكياس القمامة البلاستيكية بدلاً من الأطباق. يتناوبون في النوم بسبب ضيق المساحة. تتم معاقبتهم بالاختفاء القسري، وهي العقوبة المفضلة للحراس في إدارة سجن جو المركزي سيئ السمعة. ولا يُسمح لهم بممارسة حرياتهم الدينية بحرية. خصوصيتهم تنتهك. إنهم محرومون من حمامات الشمس والالتقاء بعائلاتهم الممتدة. وهم محرومون من التعليم. وتتعرض لهم الإهانات الطائفية بشكل يومي. باختصار، يوجد حاليًا أكثر من 1300 سجين رأي محشورين في زنازين صغيرة جنبًا إلى جنب مع السجناء الجنائيين في بيئة غير صالحة للسكن البشري.
وقد دفعت العديد من المنظمات الحقوقية مراراً وتكراراً من أجل السماح لمقرري الأمم المتحدة المعنيين بزيارة السجن في محاولة لضمان احترام إدارة سجن جو المركزي لالتزاماتها الدولية تجاه المعتقلين. إلا أن رفضها المتكرر وإنكارها المتعمد يؤكد انتهاكها لهذه الالتزامات، بل وإصرارها على إساءة معاملة معتقلي الرأي.
في أي حركة شعبية، يعتبر الإضراب على البطن الفارغة أسلوباً من أساليب المقاومة السلمية ضد الاستبداد والظلم؛ إضراب لا يضر بمرافق الدولة ومصالح الشعب. إنها مواجهة بين أفراد عزل لا يملكون سوى بطونهم للاحتجاج، وبين سلطة قمعية تمتلك كل عناصر الوحشية. إنها مواجهة غير متكافئة، لكنها -في انتفاضات الحقوق والحريات- تصبح أشبه بعملية استشهادية يضحي فيها هؤلاء بأنفسهم من أجل تمهيد الطريق أمام شعبهم المهمش، وإشعال شعلة الحرية. إنها مقاومة لصالح مسيرة التحرر من الدكتاتورية.
ورغم حرارة الصيف الحارقة، يواصل مئات السجناء السياسيين في البحرين الآن الإضراب عن الطعام للتعبير عن رفضهم للانتهاكات التي يتعرضون لها، تماما كما يضرب الفلسطينيون في سجون الكيان الصهيوني. وفي الحالتين الجلاد ظالم، لكن المفارقة هي أنه في حالة بعض الأسرى الفلسطينيين، يُجبر نظام الفصل العنصري الصهيوني -أحيانًا- على الخضوع، فتنتصر الأجساد النحيلة على طغيانه الإمبريالي. أما المعتقلون البحرينيون فهم ضعفاء ليس بسبب قلة المثابرة، بل بسبب غطرسة سلطة استهترت بسلامتهم إلى درجة تفوق وزن الأنظمة الفاشية.
ومن الأمور المهمة الأخرى أن الكيان الصهيوني الغاصب – المعروف بعنصريته وهمجيته وقمعه – يخشى ضغوط المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ويحرص على صورته في الغرب. علاوة على ذلك، فإن تل أبيب أكثر حرصاً على صورتها، ولهذا تضطر إلى الإذعان. أما النظام البحريني فلا يبالي لأنه يعلم -مسبقاً- أنه يتمتع بدعم خارجي.
كما أن الأنظمة الغربية لا تهمها سمعة النظام البحريني، لأنه -بنظرها- نظام وظيفي مهمته الوحيدة حماية المصالح الغربية. في حين أن الكيان الصهيوني أداة استعمارية لتحقيق مشروعه الهيمنة في غرب آسيا. ومن الواضح أن هناك فرقا. لقد تفوق النظام البحريني على نموذج الكيان الصهيوني. يمكن القول إن الطالب تفوق على أستاذه بكثير، وبالتالي فإن البطون الفارغة للسجناء السياسيين في البحرين غير قادرة على قرع الطبول على عقول المنامة المتصلبة، وبالتالي تحقيق أبسط حقوق الإنسان.
ولافتًا إلى أن الهيئات الرقابية الرسمية في المنامة، وتحديدًا ما يسمى “أمين المظالم”، ليست سوى وسيلة لشرعنة الانتهاكات، وليس لإصلاح السجون. ورغم طبيعتها المستقلة المزعومة، إلا أنها لا تخرج عن الأطر الرسمية. وهي مؤسسة أمنية بامتياز وظيفتها الدفاع عن المذهب السياسي الإقصائي وتشويه سمعة معتقلي الرأي ومحاولة إظهارهم كمجرمين وكذابين، حتى لو كانوا من نخبة المجتمع البحريني ورجال دينه المخلصين. مراراً وتكراراً نجدها تتبنى رواية وزارة الداخلية التي تصدق بصراحة أن هؤلاء الحفاظ على العقوبة.
ما تدعيه الأمانة العامة للتظلمات هو أن سجن جو المركزي هو إحدى جنات الله الموعودة بتحقيق العدالة وتنفيذ مواثيق حقوق الإنسان. ولا تخبرنا الأمانة العامة للتظلمات أن هؤلاء المعتقلين محتجزون ظلما، ولا ذنب لهم سوى أنهم كانوا دعاة للعدالة في مواجهة وحش غاشم يلتهم ثروة البحرين العامة، ويؤسس لحالة الاضطهاد الطائفي والتطبيع السياسي والتطبيع. . وكان الأجدر أن تكون ديوان المظالم مؤسسة تضع حداً للظلم، لكنها في الواقع تشرع عمليات القتل البطيء والتصفية الجسدية والانتهاكات الطائفية.
والسؤال الذي يطرح نفسه في نهاية المطاف هو: ألم تدرك المنامة أن النار والحديد يفشلان في إخضاع معتقلي الرأي، وأنه كلما تضاعفت وحشيتهم، كلما زاد إصرار هؤلاء على أنه لا خيار أمامهم سوى المقاومة؟