المبادرات الاقتصادية العالمية المتنافسة: قصة طريقين بقلم توفيق الناصري

موقع مصرنا الإخباري:

في حين تمثل مبادرة الحزام والطريق جهداً شاملاً وجامعاً لتعزيز التكامل والتعاون الاقتصاديين العالميين، فإن مبادرة الحزام والطريق تظهر كاستجابة مشحونة سياسياً، ومحفوفة بالحسابات الاستراتيجية الخاطئة وعدم الاستقرار الجيوسياسي.

في السنوات الأخيرة، ظهرت مبادرتان اقتصاديتان رئيسيتان في آسيا، وخاصة في غرب آسيا: مبادرة الحزام والطريق الصينية والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC). وتمثل هذه المبادرات منافسة استراتيجية بين القوى العالمية التي تتنافس على النفوذ والهيمنة الاقتصادية في عالم سريع التغير.

إن مبادرة الحزام والطريق، التي تصورها الرئيس الصيني شي جين بينغ، هي إحياء حديث لطريق الحرير القديم. وتهدف هذه المبادرة إلى ربط الصين ببقية العالم من خلال استثمارات واسعة النطاق في البنية التحتية، بما في ذلك الموانئ والطرق والسكك الحديدية والمناطق الصناعية. كان طريق الحرير التاريخي، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، عبارة عن شبكة من الطرق التجارية التي تربط الصين بأوروبا، مروراً بآسيا الوسطى والشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تصبح مبادرة الحزام والطريق أكبر مشروع للبنية التحتية في تاريخ البشرية، حيث تستثمر الصين مليارات الدولارات لتسهيل التجارة العالمية والتكامل الاقتصادي.

وفي المقابل، فإن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي أعلنته الولايات المتحدة في قمة مجموعة العشرين العام الماضي، يبدو وكأنه استجابة تم تجميعها على عجل لمواجهة نفوذ الصين المتنامي. وعلى عكس مبادرة الحزام والطريق المخططة بدقة والمستقرة جغرافيا، تفتقر المبادرة الأمريكية إلى أساس جغرافي واستراتيجي متماسك. تم الإعلان عن ذلك بشكل مفاجئ، دون إجراء مشاورات شاملة مع الدول والمناطق التي ينوي إشراكها. ويتناقض هذا بشكل حاد مع النهج الشامل الذي تتبناه مبادرة الحزام والطريق، والذي شهد مشاركة نشطة من 150 دولة، كما ظهر في منتدى الحزام والطريق لعام 2019 في بكين.

ترتكز مبادرة الحزام والطريق على مبادئ التعاون الاقتصادي والتعايش السلمي وحل النزاعات. إن الدور الذي تلعبه الصين في تسهيل التقارب السعودي الإيراني يسلط الضوء على التزامها بإزالة العقبات السياسية التي قد تعيق تقدم المبادرة. ومن خلال تعزيز الحوار وإعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية، تسعى الصين إلى خلق سيناريو مربح لجميع الدول المشاركة.

من ناحية أخرى، يبدو أن IMEC أكثر تركيزًا على المواجهة الجيوسياسية من التركيز على التعاون الاقتصادي. فقد أعادت الولايات المتحدة إحياء الحوار الرباعي، الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، باعتباره ثِقَلاً استراتيجياً موازناً لنفوذ الصين. بالإضافة إلى ذلك، قامت الولايات المتحدة بتعزيز تحالف جديد يسمى “2I 2U”، يضم الهند و”إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة. ويسلط هذا التحالف الضوء على المناورات الجيوسياسية المتأصلة في طريق الهند حيفا، والتي تهدف إلى موازنة قوة الصين الصاعدة في المنطقة.

ومع ذلك، فإن الجوانب العملية لـ IMEC تثير مخاوف كبيرة. يبدأ الطريق من الهند، مروراً ببحر العرب إلى دبي، ثم براً إلى السعودية والأردن، ويبلغ ذروته في ميناء حيفا في “إسرائيل”. وهذا المسار يتجاوز باكستان والصين لاسترضاء الهند، ويتجنب إيران وتركيا لاسترضاء “إسرائيل”. ومثل هذه الاعتبارات الجيوسياسية تقوض جدوى هذا الطريق واستقراره.

علاوة على ذلك، فإن الوضع الأمني ​​في الخليج، الذي يتسم بالتوترات الأمريكية الإيرانية، يزيد من تعريض استقرار المسار المقترح للخطر. وقد أدى الهجوم الإسرائيلي الأخير على القنصلية الإيرانية في دمشق إلى زيادة التقلبات الإقليمية، مما ألقى بظلال من الشك على جدوى IMEC وسط مثل هذه الاضطرابات الجيوسياسية.

وفي تناقض صارخ، يكمن نجاح مبادرة الحزام والطريق في تركيزها على التكامل الاقتصادي والتنمية، بعيداً عن التشابكات السياسية والعسكرية. ويسعى الإطار الشامل والشامل للمبادرة إلى إقامة علاقات سلمية ومتبادلة المنفعة بين الدول الواقعة على طول طريق الحرير. ومن خلال إعطاء الأولوية لتطوير البنية التحتية والتعاون الاقتصادي، تعمل مبادرة الحزام والطريق على تعزيز الاستقرار والازدهار على المدى الطويل.

لكن المبادرة الأميركية تبدو رجعية وقصيرة النظر من الناحية الاستراتيجية. ويعكس إعلانها المتعجل في قمة مجموعة العشرين، والذي كان يهدف إلى تقويض مبادرة الحزام والطريق، الافتقار إلى الرؤية والتخطيط المتماسكين. إن الأسس الجيوسياسية للـIMEC تلقي بظلالها على أهدافها الاقتصادية، وتحولها إلى أداة للمناورة السياسية بدلاً من كونها مبادرة تنموية حقيقية.

إن التوجهات المتناقضة التي تتبناها مبادرة الحزام والطريق في الصين والمركز الدولي للتعاون الاقتصادي تسلط الضوء على الاختلافات الجوهرية في رؤيتيهما الاستراتيجية. وفي حين تمثل مبادرة الحزام والطريق جهداً شاملاً وجامعاً لتعزيز التكامل والتعاون الاقتصاديين العالميين، فإن مبادرة الحزام والطريق تظهر كاستجابة مشحونة سياسياً، ومحفوفة بالحسابات الاستراتيجية الخاطئة وعدم الاستقرار الجيوسياسي. وبينما يبحر العالم في هذا العصر من المنافسة الاستراتيجية، فإن نجاح هذه المبادرات على المدى الطويل سوف يعتمد على قدرتها على تعزيز التنمية الاقتصادية الحقيقية والسلام والتعايش، بدلاً من المواجهة الجيوسياسية والهيمنة.

الولايات المتحدة
IMEC
مبادرة الحزام والطريق
G7
الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا
الرئيس الأمريكي جو بايدن
الصين
الرئيس الصيني شي جين بينغ

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى