قال اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية سامح شكرى أمام جلسة مجلس الأمن حول سد النهضة كانت شارحة بشكل موضوعى وتفصيلي ومتكامل لموقف مصر خلال عشر سنوات من التفاوض وكذا المخاطر الناجمة عن الإجراءات السلبية التي تتخذها إثيوبيا وتأثيرها على الأمن المائى المصرى، مضيفًا أن هذا الشرح التفصيلى كان ضرورياً من أجل وضع كافة أعضاء مجلس الأمن بل العالم كله أمام مسئولياته بعد أن تيقن من خطورة الوضع.
وأوضح إبراهيم، في تصريحات صحفية، أن التوجه المصري إلى مجلس الأمن بشأن أزمة السد الإثيوبى جاء من منطلق القوة لدولة بحجم مصر لديها قيادة سياسية وطنية وحكيمة لها وضعيتها وتقديرها على مستوى العالم ولديها جيش مصنف ضمن أقوى جيوش العالم وشعب عظيم يقف خلف قيادته بكل قوة .
وتابع أنه وفى نفس الوقت أكدت هذه الخطوة على مدى التمسك المصرى بانتهاج الأسلوب السلمى لحل هذه الأزمة ووضع مجلس الأمن الدولى أمام مسؤولياته للحفاظ على الأمن والسلم العالميين بالإضافة إلى تحميله المسئولية كاملة في حالة تدهور الأوضاع في المنطقة من جراء عدم حل هذه الأزمة .
ونوه بأن هذا النهج التفاوضى يتمشى مع السياسة المصرية الإيجابية تجاه القارة الإفريقية والتى عبر عنها بوضوح الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال رئاسة سيادته للإتحاد الإفريقى وسعيه الدؤوب إلى دعم التنمية الإقتصادية للقارة السمراء ودعم إستقرارها وحل النزاعات الإفريقية بالطرق السلمية وهذا هو النموذج الذي تتبناه مصر وتحاول تثبيته كمبدأ إفريقى لا يتغير.
وأكد اللواء محمد إبراهيم أن مصر لازالت حريصة على أن تتفاوض من أجل حل هذه الأزمة في الإطار الإفريقى ولم تمانع يوماً ما من أن يكون هذا الحل من خلال الاتحاد الإفريقى وهو ماحدث خلال الفترة السابقة، إلا أن الموقف التفاوضى في المرحلة المقبلة يجب أن يتم بشكل مغاير تماماً عما ذى قبل حيث أن المفاوضات التي راعاها الاتحاد الإفريقى طوال عام كامل لم تحقق أي تقدم ومن ثم فإن أية مفاوضات قادمة يجب أن تكون محددة التوقيت وتؤدى إلى التوصل إلى إتفاق قانوني ملزم بشأن ملئ وتشغيل السد وبمشاركة أكثر فعالية من الأطراف المراقبة كما عبر عن ذلك كافة مندوبى الدول في جلسة مجلس الأمن، معربًا عن اعتقاده في أن هذا هو أهم العوامل التي يمكن أن تنجح المفاوضات القادمة من عدمه.
وشدد في نفس الوقت على أن أي تقدم في المفاوضات لابد أن يرتبط بأن تتوقف إثيوبيا عن مواصلة الإجراءات الأحادية الجانب وخاصة عملية الملئ الثانى الذي بدأته منذ أيام قليلة دون إتفاق مع دولتى المصب مصر والسودان مثلما فعلت في الملئ الأول العام الماضى 2020 والذى قامت خلاله بملئ حوالى 5 مليارات متر مكعب وكان له تأثيرات سلبية واضحة على الجانب السودانى، حيث أن إستمرار إثيوبيا في الملئ الثانى الذي يقدر بأكثر من 10 مليارات متر مكعب سوف تكون له تداعيات سلبية كبيرة وغير مسبوقة على السودان أساساً ثم على مصر وهو ما عبر عنه كل من وزيرى خارجية مصر والسودان، وهو ما يعنى أن عملية الملئ الثانى الجارية حالياً يجب أن ترتبط بعملية التفاوض والتوصل إلى إتفاق ثلاثى .
واعتبر اللواء محمد إبراهيم أن كلمة الوزير الإثيوبى، أمام مجلس الأمن، جاءت مؤكدة لنفس المغالطات الإثيوبية التي درجت على ترديدها بشكل دائم دون أن يفتح المجال أمام إمكانية حدوث أي تقدم سوى محاولة الدفع بعدم إختصاص مجلس الأمن ببحث هذه الأزمات المائية، مع المطالبة بإستئناف المفاوضات في إطار الإتحاد الإفريقى .
وفيما يتعلق بالمرحلة المقبلة، أشار إلى أن مصر لا تمانع في استنئاف المفاوضات وسوف تتيح فرصة أخرى وأخيرة لإنجاح العملية التفاوضية في إطار زمنى محدد حتى تثبت للمجتمع الدولى أن الخيار السياسى لا يزال هو خيارنا الأول بالرغم من كل العقبات التي يثيرها التعنت الإثيوبي الذي لازلنا نأمل أن يتغير إلى الأفضل .
أما في حالة وصول المفاوضات المنتظرة إلى طريق مسدود، أكد انه في هذه الحالة سوف تكون كل الخيارات مفتوحة وستكون مصر في هذه الحالة قد إستنفذت كافة الوسائل والسبل للحل السلمى لأزمة السد الإثيوبى على المستويين الإقليمى والدولى، مضيفًا «والأمر المؤكد أن مصالح مصر المائية لن تستمر إلى وقت طويل تحت رحمة مواقف إثيوبية غير مبررة بل تحاول أن تتحكم في نهر النيل بإعتباره ملكية خاصة» .
وتابع اللواء أنه إذا كانت مصر بهذا السلوك العظيم تعلن للعالم أنها دولة حضارية تتحرك في إطار القانون الدولى وتلجأ إلى المنظمات الدولية لحل مثل هذه الأزمة، فإن الأمر الإيجابى الذي لابد من الإشارة إليه هو أن الشعب المصرى بأجمعه يقف مصطفاً خلف قيادته السياسية مؤيداً لأى موقف تتخذه سواء كان بإستئناف المفاوضات أو غير ذلك، وسيظل هذا الموقف قائماً وقوياً حتى نصل إلى إتفاق مرضى يحافظ على حقوقنا المائية التي لن نتنازل عنها مطلقاً مستخدمين في ذلك كافة الوسائل.
واختتم اللواء محمد إبراهيم بأن المرحلة القادمة أصبحت تحمل متغيراً جديداً نجحت مصر في أن تجنى ثماره، وهو أن المجتمع الدولى أصبح يدرك تماماً مدى سلامة الموقف المصري، وكذا مدى خطورة عدم حل هذه الأزمة على الأمن والإستقرار في المنطقة، كما أن استئناف المفاوضات في إطار الإتحاد الإفريقى مرة أخرى يضع عليه مزيداً من المسئولية من أجل أن يصل بالمفاوضات إلى تقدم ملموس بعد عام من عدم تحقيق أية نتائج وهنا من الضرورى أن يكون للوسطاء دور أكثر فعالية، وفى هذا المجال يبدو من الضروري استمرار التنسيق المصرى- السودانى كأساس قوى من أجل الحفاظ على قوة الضغط على الجانب الإثيوبي، قائلا ؛«دعونا ننتظر ماذا يمكن أن يحدث ولكن من المؤكد لن يكون هذا الإنتظار طويلاً».