في الآونة الأخيرة، تعالت بعض الأصوات محذرة من تزايد أعداد اللاجئين السودانيين في مصر، مشيرة إلى ارتفاع استهلاكهم للخدمات العامة، ودخولهم إلى سوق العمل، وانتشارهم في مناطق محددة من القاهرة والجيزة والإسكندرية.
هذه الأصوات بالتأکيد لا تمثل غالبية الشعب المصري، المعروف بحبه الطبيعي للساکنین في جنوب الوادي، حیث رأي بعض المصریین بأنّه من الضرورة الرد علی هذه الأصوات لوأد أي فتنة في مهدها، ومنعها من أن تصبح عائقا أمام العلاقة الوثيقة بين الشعبين الشقيقين.
فمصر والسودان ليستا مجرد دولتين متجاورتين تفصلهما حدود سياسية ومساحات جغرافية، بل هما في الواقع وطن واحد وشعب واحد، تربطهما الجيرة، اللغة، الدين، الثقافة، والعشرة الطيبة. تجمعهما أيضًا تاريخيًا مياه النيل المتدفقة شمالًا، والحضارة الفرعونية التي امتدت جنوبًا، وقبائل تجولت عبر الحدود لقرون طويلة قبل أن تُرسم الحدود، إضافة إلى المصاهرات والعائلات، والعلاقات التجارية والمصالح الاقتصادية العميقة والممتدة، والتاريخ المشترك في مقاومة الاستعمار، والعادات والطقوس المتشابهة، والمودة الطبيعية.
وفي ظل الظروف الراهنة التي دفعت أهل السودان للهجرة واللجوء إلى مصر خلال العامين الماضيين، فإن أعدادًا أكبر منهم قد استقروا في مصر منذ عشرات السنين. هؤلاء السودانيون سكنوا، عملوا، تعلموا، وربوا أولادهم وبناتهم دون أن يُعرف عنهم ضجيج أو إزعاج أو توتر، بل اندمجوا مع المصریین وبینهم وأصبحوا جزءً من نسيجهم الاجتماعي، مضيفين لهم الكثير.
اليوم، يعيش السودانيون في محنة حقيقية، بل في كابوس لا تبدو له نهايات قريبة، ولا أحد يهتم بهم. ولكن الأكيد أن لكل كابوس نهاية، وأن أهل السودان سيعودون يومًا إلى بلدهم لأنهم، مثلنا تمامًا، تربطهم بأوطانهم وأصولهم وقراهم ومدافن أجدادهم روابط سحرية تجعل الفلاح والعامل والموظف المصري المغترب، مهما طال غيابه، لا يحلم كل مساء إلا بالعودة والجلوس بين أهله.
أحمد آدم