مصر حاضرة إقليمياً ودولياً بقوة، هذه حقيقة لا ينكرها أحد، فقد أصبحت القاهرة تتفاعل مع كل القضايا والموضوعات بقدر كبير من الحنكة والحكمة، وتتحرك سريعاً بخطى مدروسة ومحسوبة، من أجل كرامة أبنائها، ولعل ما حدث أمس الإثنين، بعد عودة البعثة المصرية في أفغانستان، التي كانت تضم دبلوماسيين مصريين، وشيوخ من الأزهر بعائلاتهم وأطفالهم، خير دليل على أن مصر لا تتخل عن أبنائها في أي مكان، ولا تتغافل عن مسئوليتها تجاههم سواء كانوا في الداخل أو الخارج.
مشاهد الفرح التي ارتسمت على وجوه أبناء مصر العائدين من أفغانستان هي العنوان الحقيقي لقدرتها، التي لا تقبل بأي حال أن يتعرض مصري واحد لأذى خارج حدودها، وتنتفض دفاعاً عنه، حتى ولو كانت المهمة صعبة أو محفوفة المخاطر، فكرامة المصري فوق كل الاعتبارات، ولم تعد الظروف والتحديات عائقاً أمام الدولة لإنقاذ مواطنيها ورعاياها في الخارج.
لا يمكن أن نحكم على مشهد عودة المصريين في أفغانستان، دون أن نرى الأطفال الذين يرفعون علم مصر، عقب وصولهم إلى أرض الوطن، وشعورهم بالأمن والطمأنينة الذي لا يساويه شعور، فقد عادوا إلى حضن الوطن، الذي انتفض لهم، وتحرك بطائرته ورجاله وآمنهم من خوف.
المشاهد الخاصة بعودة المصريين من أفغانستان دليل كبير على قوة الدولة في مواجهة الطوارئ والمحن، وخير شاهد على أن الجمهورية الجديدة باتت خطواتها أكبر وأسرع في التعامل مع القضايا العاجلة، والموضوعات الطارئة، فهذه المشاهد لم نكن نراها من قبل إلا في الدول العظمى، التي تحرك أسطولها وطائراتها لحماية مواطنيها ونقل رعاياها حال وجود اضطرابات أو مشكلات في أي دولة، مهما كانت المسافة، ومهما بعُد الطريق، فهذه مصر تحرك طائراتها ورجالها لنجدة مواطنيها، وهذا يجعلنا نقدم كل التحية والتقدير للقيادة السياسية، التي أصدرت قرار التحرك لنجدة المصريين في أفغانستان وإعادتهم سالمين إلى أرض الوطن.
الطريق إلى كابول لم يكن عائقاً أو حائلاً لإعادة المواطنين المصريين إلى أرض الوطن، فالتخطيط الجيد، والمتابعة الجادة، والعزيمة التي لا تلين، والإصرار المصرى الذي يعتبر “ماركة مسجلة”، وعلامة مميزة لكل وطني مخلص، جعل المسافات الطويلة تتقلص، والمطبات الهوائية تتلاشى، وتحذيرات الهبوط والإقلاع تزول وتتبدد، فقد نجح رجالنا الأوفياء وصقورنا اليقظة، من إسعاد ملايين المصريين، بعد إعادة البعثة المصرية من أفغانستان، بكامل عددها إلى أرض الوطن، وسط فرحة عارمة من 100 مليون مصري، يصفقون للقرار الحكيم، والتحرك السريع، الذى أنقذ عشرات الأرواح من المصير المجهول والعواقب غير المتوقعة.
بقلم محمد أحمد طنطاوي