موقع مصرنا الإخباري:
أطلق عليه البعض «الغاز القاتل» بينما وصفه آخرون «بالقاتل الصامت» أو «سفاح الشتاء» وجميعها أسماء ارتبطت بذلك الغاز السام «أول أكسيد الكربون»، الذى يتسبب فى وفاة المئات سنويا، خاصة فى فصل الشتاء، نظرا لارتباطه باستخدام سخانات المياه التى تزداد الحاجة لها فى مثل هذه الأجواء، ليجد بيئة خصبة ومناسبة لحصد أرواح المواطنين.. وقد تسبب الغاز مؤخراً فى العديد من الحوادث وخاصة بين المتزوجين حديثاً، وهو ما يفتح الباب لمناقشة أسباب استمرار تسرب هذا الغاز، وهل المشكلة تكمن فى تصنيع السخانات أم تركيبها أم استخدامها؟، وهذا ما سنعرفه فى السطور القادمة.. يَحدث التسمم بأول أكسيد الكربون عندما يتسرب إلى مجرى الدم حيث يَستبدل الجسد الأكسجين الموجود فى خلايا الدم الحمراء بأول أكسيد الكربون، ويُؤدى ذلك إلى تلف خطير بالأنسجة، يصل إلى الوفاة.. وأول أكسيد الكربون هو غاز ليس له لون ولا رائحة ولا طعم ينتج عند حرق البنزين، أو الخشب، أو البروبان، أو الفحم أو غيرها من الوقود وقد تَسمح الأجهزة والمحركات ذات التهوية غير السليمة، ولا سيما فى الأماكن المغلقة بإحكام، بتراكم أول أكسيد الكربون إلى مستويات خطيرة.. لكن كيف يتسرب هذا الغاز من السخانات فى فصل الشتاء لتحصد المئات من أرواح المصريين، وماهى تفاصيل تلك الحوادث؟.
عادة ما يكون أول استخدام لسخانات الغاز بمثابة الضربة القاضية خاصة فى شقق المتزوجين حديثا، فعقب ليلة صاخبة من الفرح والغناء يكون الحمام الساخن هو الأمر المناسب للراحة بعد تلك الليلة، وفى ظل الطقس البارد يحرص البعض على غلق كافة النوافذ والاستمتاع ببخار المياه المتصاعد من المياه الساخنة، وعلى غفلة يسقط الزوجان مغشيا عليهما، ليفارقا الحياة بعد دقائق قليلة.
هذا السيناريو تكرر كثيرا خلال السنوات الماضية فى العديد من المحافظات، ومنها محمد وشيماء عروسا مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية أكتوبر الماضي، والتى تسببت فى حالة حزن عميق، فبعد إنتهاء حفل زفاف «محمد السيد صبح» 24 سنة، وزوجته «شيماء أحمد هلال» 22 سنة بكالوريوس هندسة، بقرية طحا المرج مركز ديرب نجم، وبعد يوم حافل مع العائلة والأصدقاء ضمن فرح حضرة المئات من أهل العروسين، زف الزوجان إلى عش الزوجية لبداية حياتهما الجديدة، وفى صباح اليوم التالى وكعادة أهل القرى حاول أهل العروسين الوصول إليهما للاطمئنان عليهما كما هو معتاد، وبعد عدد من المحاولات فشل الأهالى فى التواصل مع العروسين، وهو ما دفعهم لكسر الباب والدخول إلى شقة الزوجين ليكتشفوا أنهما فارقا الحياة داخل الحمام.
ولم تختلف القصة كثيرا عن عروسين آخرين بقرية نزلة بمحافظة أسيوط، والتى شهدت أحداثا مشابهة تمثلت فى يوم حافل من الفرح والسعادة فى عرس حضرة الآلاف من أهالى العروسين، لينتهى بان توجه العروسان إلى عش الزوجية فى حالة من الفرح والسرور من الأهل، ويحاول أهل العروسين التواصل معهما فى الصباح ولكنهم يفشلون فى ذلك، ليتخلل الخوف إلى داخلها وهو ما دفعهم إلى تحطيم باب عش الزوجية، وخلصت النيابة إلى وفاة العروسين بسبب تسرب غاز من سخان الحمام.
من جانبنا تواصلنا مع د. مجدى صليب، خبير السلامة والصحة المهنية، والمدير الأسبق للمركزالإقليمى لدراسات السلامة المهنية، الذى أكد أن جميع أنواع الأجهزة سواء سخانات أو دفايات أو حتى بتوجازات لها اشتراطات فى مجال السلامة والصحة المهنية، لكن الكارثة أن المواطنين لا يتبعونها، فهناك حالة كبيرة من الاستهتار تسرى داخل المجتمع المصري.. ويوضح الأمر قائلا: لايكون تسرب غاز أول أكسيد الكربون من السخانات نتيجة سبب واحد فقط، لكنها سلسلة من الأمور تبدأ على سبيل المثال من شراء سخانات من أماكن مجهولة المصدر أو «تحت بير السلم» كما نطلق عليها، وتكون بالطبع رخيصة الثمن، ولا يكتفى المواطن بذلك بل يلجأ إلى أى فنى لتركيبه، وأخيرا لا يهتم بالصيانة الدورية وكل تلك المراحل تحوى بداخلها أسبابا كاثية تؤدى لتسرب الغاز ووفاة المواطن.
الجهة المختصة
يشير د. مجدى إلى أن تركيب السخان من قبل شخص غير مختص يعد كارثة كبيرة، نظرا إلى أنه لا يعلم شروط تركيبه ولم يتم تدريبه على التصرف الصحيح فى المنزل، فلا يراعى مساحات أو أماكن تهوية وغيرها، موضحا أن هناك جهازا فى شركة بتروجاز، هو المسئول عن عمليات التركيب، فيقوم المواطن بتقديم طلب تركيب سخان غاز، ويتم إرسال فنى متخصص مدرب لتركيبه بشكل سليم والاطمئنان عليه قبل الرحيل.. ويوضح أن من أخطر أسباب تسرب أول أكسيد الكربون بعد التركيب هو عدم مراعاة شروط تركيب «المدخنة» حيث لها ارتفاعات محددة، كما أن صيانتها والتأكد من عدم انسدادها بسبب وجود عش طيور سبب كاف قائلا «عند تشغيل السخان من المفترض ان تتم عملية احتراق كاملة ينتج عنها ثانى أكسيد الكربون، لكن فى بعض الأحيان عندما لا يتم اتباع تعليمات التركيب السليمة لا يتم الاحتراق كليا فينتج أول أكسيد الكربون الذى يجد المدخنة مسدودة ولا مجال للتهوية وهنا لا يتوجه للأعلى بل يتحرك لأسفل الحمام فيستنشقه المواطن.
ويؤكد د. مجدى أن هذا الغاز يتحد مع هيموجلوبين الدم بطريقة سريعة فقوة اتحاده تفوق اتحاد الاكسجين بالهيموجلوبين بنحو 210 مرة، فيطرد الاكسجين من الدم، ويدخل المستنشق فى حالة لا وعى وقد يتطلب الأمر لنجاته إلى شق حنجرى أو أكسجين فى ضغط معين عشان يطرد أول أكسيد الكربون وهى أمور لا تتوفر لحظيا.
مابعد التركيب
يكمل خبير السلامة المهنية حديثه قائلا: إذا تمت عملية التركيب صحيحة ومن قبل فنى مختص يمكننا تجنب الكثير، لكن ذلك لايمنع الالتزام بعملية الصيانة، فأغلب الأهالى لا تفكر فى النظر للسخان إلا عند تآكل الكاوتشة، بيتم تغييرها من أى فنى فقط، وهذا أمر خاطئ، فيجب الاتصال بالشرطة المختصة عند حدوث أى خلل مهما كان بسيط، فلديهم خبرات مدربة للتعامل مع أى موقف.
وينهى حديثه موضحا أن على كل مواطن أن يعى أن عملية الاختناق تحدث إما نتيجة زيادة بخار المياة داخل الحمام فتزيد الرطوبة نسبيا ويقل الاكسجين بشكل كبير، أو عدم وجود مكان لخروج العادم نظرا لانسداد المدخنة، فينتج لنا أول اكسيد الكربون، موضحا أن الحل فى أيديهم فى الالتزام كأى مواطن متحضر بإجراءات السلامة.
تدريب مكثف
بالرغم من انتشار هذه الحوادث فى الآونة الأخيرة إلا أنه كما أكد د. مجدى فعملية التركيب على يد متخصص ثم المتابعة بالصيانة أمر ضروري، وهو ما اعتمدت عليه مصلحة الرقابة الصناعية منذ سنوات مضت، ففى عام 2016 ومع ظهور عدة حالات احتراق لسخانات الغاز عقب التركيب أعلنت المصلحة عن تنظيم دورات تدريبية متخصصة للعمالة الفنية بشركات الغاز والمسئولة عن أعمال التركيب والتوصيل للسخانات التى تعمل بالغاز الطبيعى بهدف رفع كفاءتهم الفنية.
ونسقت آنذاك المصلحة مع الهيئة العامة للبترول بصفتها الجهة المشرفة على هذه الشركات، لموافاة المصلحة بأسماء وأعداد الفنيين وتوزيعهم الجغرافى على كافة مناطق الجمهورية لتدريبهم فى إطار حرص المصلحة على صحة وسلامة المواطنين وضمان التشغيل الآمن للأجهزة المنزلية المنتجة محليًا.
كما درست المصلحة ظاهرة احتراق السخانات عن طريق تشكيل لجان فنية من مهندسين متخصصين إلى المصانع المنتجة لهذه النوعية من السخانات وتم سحب عينات للتأكد من مدى مطابقتها لشروط السلامة والأمان، وتبين أن هذه النوعية من السخانات ليس بها عيوب فى الصناعة تؤدى إلى حدوث ظاهرة الاحتراق ولكن يكمن السبب فى حدوث أخطاء فنية عند توصيل هذه الأجهزة بشبكات الغاز الطبيعي.
الغرق الجاف
على جانب آخر يؤكد الدكتور طه عبد الحميد، أستاذ أمراض الصدر والحساسية، أن على المواطن عدم الاستهانة بخطوات تركيب سخانات الغاز، نظراً إلى أن عملية تسرب أول أكسيد الكربون تعد خطيرة فهو غاز سام قاتل، ينتج عنه عملية تسمى «الغرق الجاف»، فقدرته الفائقة على الاتحاد بكرات الدم الحمراء تجعل نسب الأكسجين تقل بشكل ملحوظ فيسبب رشحا فى الجهاز التنفسى العلوى والسفلى واختناق.. ويشير إلى أن مكان وضع السخان عامل أساسى لحماية المواطن، فإذا كان لديه أكثر من حمام فعليه وضعه فى الحمام الذى لا يستخدم فى عملية الاستحمام، أمام إذا لم يتوافر ذلك فيجب أن تتوافر تهوية جيدة سواء من الشباك أو الشفاط أو أى فتحة أخرى.. ويوضح أنه من الممكن إنقاذ الشخص إذا كان باب الحمام مفتوحا عن طريق وضعه فى تهوية جيدة وإرجاء عملية التنفس الصناعى إلى حين وصول سيارة الإسعاف.
تحذير واضح
عقب تكرار تلك الحوادث وتعجب الأهالى من الأمر، وانتشار خروج غاز سام من سخانات الحمام، حذر مركز سموم الإسكندرية التابع لكلية الطب جامعة الإسكندرية، من الأمر، وأوضح للأهالى خطورة استنشاق غاز أول أكسيد الكربون.
وحذر المركز فى البيان الصادر عنه عبر صفحته الرسمية من خطورة الغاز، وذلك أثناء الاستحمام أو عمل البخار المغربى داخل المنزل، فضلا عن البوتاجاز وبعض وسائل التدفئة مثل إشعال الخشب والفحم وعوادم السيارات فى مكان مغلق عديم التهوية.
ودعا إلى ضرورة التوجه إلى مركز السموم فى حالة الشعور بصداع أو غثيان أو إغماء أو تشنجات وصعوبة فى التنفس، مشيرا إلى أن نسبة الإصابة تزداد فى موسم الشتاء نتيجة استعمال السخانات التى من الممكن أن يتسرب منها غاز أول أكسيد الكربون،مع ضرورة التأكد من حالة السخانات والدفايات فى البيوت، وأن تعمل بكفاءة تامة ولا يوجد أى تسريب من الأجهزة، وإجراء صيانة للأجهزة دورياً، نظراً لخطورتها على الصحة حيث تسبب الإصابة بالتسمم.