موقع مصرنا الإخباري:
ونحن نتكلم عن ملف التبرعات والعمل الخيرى والأهلى، هناك مفارقات تظهر خلال شهر رمضان وتتكرر سنويا، حيث التناقضات بين إعلانات عن كمبوندات شديدة الفخامة، أغلبها تقدم لأقل من واحد فى المائة، وإعلانات تطلب التبرع لجمعيات ومشروعات خيرية صحية أو تعليمية غير مكتملة، والأمر يفتقد إلى المنطق، ويشير إلى تفاوت واضح، ومسافة تفصل فئات المجتمع بشكل حاد، هناك علاقة بين مروجى الكمبوند، وسكانه، وطالبى التبرعات.
فى عالم التسول هناك أمر لافت للنظر، أن المتسولين القادرين على التمثيل أكثر، هم الذين ينجحون فى خداع الجمهور، وهم محترفون وغير محتاجين، بينما الفقير فعلا الذى يفتقد ميزات تمثيلية يبقى على فقره، نفس الأمر يمكن تطبيقه على محترفى جمع التبرعات، ممن يستطيعون الدعاية جيدا، واللعب على عواطف الجمهور، يجمعون الكثير، وغالبا فإن ما يتم جمعه لا يصل منه إلى الفقراء غير نسبة قليلة، والباقى يدخل جيوبا، ويتحول إلى كمبوندات ومزارع وعزب وأطيان، والنتيجة أن مليارات تتجه نية من يتبرعون بها إلى أن توجه للفقراء والمؤسسات الطبية، لكنها تذهب لجيوب المحترفين.
هناك بالطبع مؤسسات تجمع الكثير وتنفق الكثير، وهى مؤسسات تحظى بسمعة طيبة، أبرزها مركز مجدى يعقوب للقلب بأسوان وتوابعه، بل إن صندوق مثل تحيا مصر يقوم بالعديد من الخدمات فى إعانة الفقراء وإطلاق الغارمات، وتطوير مستشفيات وقرى، أضعاف ما تقدمه جمعيات الدعاية والإعلان، وأغلب الجمعيات ذات الأسماء الرنانة، ليس لأى منها أنشطة ظاهرة، باستثناء إعلانات تملأ السوشيال ميديا، ويصعب التوصل إلى هذه الجمعيات على الأرض، بينما تعجز مؤسسات خدمية، مثل معهد الأورام أو مستشفى أبوالريش، عن تحصيل تبرعات، بالرغم من أنها تقدم خدمات حقيقية مجانية، أضعاف ما تقدمه مؤسسات الدعاية والإعلان.
والنتيجة أن من يجيدون الدعاية، يأكلون الأموال، ولهذا هناك بعض المشروعات تعلن طوال عشر سنوات وأكثر، من دون وضع حجر أساس، أو إعلان عما تم جمعه. تغيب الشفافية فى المحاسبة، بينما تحضر فى الإعلانات، وهو أمر شديد التعقيد والدقة، وأغلب هذه الجهات لديها شبكات دفاع دعائية تهاجم كل من يسعى للاقتراب منها أو يطالب بحسابها، وتتهم من يطالبون بالمحاسبة بأنهم يهددون حقوق الفقراء والمرضى، لأنهم يقللون ثقة الناس فى هذه الأعمال الخيرية، بينما الحقيقة أن بعض الجمهور لديه قدرة على الفرز والتفرقة بين الحقيقى والزائف، وطبعا هناك قطاعات معذورة، لأنها تتبرع بنية حسنة وتتأثر بالدعاية، ولا يمكن لومهم على حسن نيتهم.
ولا أحد ينكر أن ثقة كثيرين تراجعت فى الكثير من الجمعيات المشهورة، بعد اكتشاف الفرق الهائل بين ما يتم جمعه من تبرعات، وما يقدم من خدمات فعلية، وبعض المتبرعين يفضلون التبرع مباشرة ويخشون الجمعيات والجهات المشكوك فيها، لكن حتى التبرع المباشر لا يسلم من المحترفين القادرين على ابتزاز مشاعر الناس.
الحل فعلا فى وجود مجتمع أهلى حقيقى، يمكن أن يوجه المليارات لأعمال حقيقية تخدم المستحقين والمحتاجين، وتملأ فراغات بحاجة إلى جهد، لكن هذا كله بحاجة إلى إخضاع كل جهات الدعاية الكثيفة لرقابة واضحة ودقيقة، تضمن توجه الأموال لمصارف حقيقية ولمن يحتاجونها، وحتى لا تتكرر تجارب سابقة تحولت فيها الأموال الأهلية لخدمة أغراض مشبوهة أو جيوب فاسدة.
بقلم أكرم القصاص