وأنا صغير كانت مشاهد الشحاذين تستعطف قلبي وتدور بعقلى وتصدع رأسي كثيرا بالعديد من التساؤلات، من عينة أين بيوت هؤلاء وأين أهاليهم، وهل هؤلاء يسكنون الشوارع كما نسكن البيوت؟ كما كانت مشاهد الأطفال الذين يمسكون بكراسات وأقلام ليكتبوا الواجب أثناء الشحاذة بمحطات مترو الأنفاق والميادين الكبرى والشوارع الشهيرة تربك عيني وتوترني، وأتساءل أيضا هل نحن مجتمع بلا رحمة؟ هل نحن شعب يأكل كبيره صغيره ولماذا هؤلاء هم الضحايا ولماذا لا نقوم بواجبنا إزاء هؤلاء؟
وعندما كبر سنى ونضج عقلى، علمت وتيقنت أن هناك بيزنس كبيرا جدا لأصحاب كار “الشحاتة” نعم كما أقول لكم هو كار ومهنة، يعمل فيها عديمو الضمير والكسالى والكذابون المفسدون والأفاقون، وكل من يريد الحصول على المال بسرعة دون مجهود، ومن يجيدون خداع الناس بمشاهد كاذبة وكلمات مزيفة وجمل مضللة، فكتابة الطفل الشحاذ للواجب في الإجازات الصيفية دليل على أن ما يقوم به مشاهد لاستعطاف قلوبكم وليس لكتابة وأجب في أجازه مدرسية.
والأمر زاد عن حده، وأصبحت الشحاتة في كل مكان، في مواصلات النقل العام، وأمام المساجد والميادين الكبرى، وفي الطرق والشوارع، ويقينا ليس كل من يتسول يحتاج بل هناك من يمتهن الشحاذة ويعتبرها الوسيلة الأسرع والأيسر لتحقيق الثراء الفاحش وإيداع أمواله بالبنوك.
وسأروي لكم قصة رأيتها بنفسي تكشف حقيقة هؤلاء، فأنا مقر عملي بالمهندسين، ومن وقت لآخر، اصطحب زملائى، ونذهب سويا لكشك حمادة، نتناول البسكويت المصحوب بـ”الحاجة الساقعة” ومع الأيام رأينا سيدة تبلغ من العمرة أرذله، تأتي بشكل شبه يومي، تجمد أموالا وتحصل على عبوات سجائر من الماركات الأجنبية ثم “تشرب سيجارة” وتنصرف.
تكرر هذا الأمر بشكل شبه يومي، ومع تكرر المشهد وجدتني مدفوعا لتلبية فضولى، فالعلاقة التي بيني وبين حمادة صاحب الكشك تسمح لي بسؤاله، فسألته عن هذ السيدة فكانت الإجابة مفاجأة إذ قال:” الست دي ساكنة بالعمرانية وتأتي يوميا إلى المهندسين بصحبة بناتها، ويقمن طوال اليوم بالشحاذة ثم يجمدن الأموال التي تتراوح من 700 إلى 1000 جنيه يوميا لكل واحدة فيهن، ويشترين السجائر الأجنبية ويذهبن إلى بيوتهن”.
انتهت إجابة حمادة، وقد رأيت بعيني هذه السيدة تتجول بشارع البطل أحمد عبد العزيز بالمهندسين للتسول من المارة وأصحاب المحلات ومستقلي السيارات، رأيتها بعيني تخالف القوانين والإنسانية وتشوه بلادنا والله على ما أقول شهيد.
“بيزنس الشحاتة” يحتاج وقفة منا كمواطنين وألا نمنح أي أحد أموالنا ممن يستعطف قلوبنا بمشاهد كاذبة، فهناك قنوات معروفة للتبرع والله سبحانه وتعالى علمنا قاعدة تجعلنا نتحرى عندما نتبرع ألا وهي “تحسبهم أغنياء من التعفف” وتطبيق هذا المبدأ يجنبنا منح الأموال لمن لا يستحق.
مؤخر تناولت الصحف المصرية والعربية، خبر إلقاء أجهزة الأمن القبض على متسول ظهر في مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يتفاخر بعمله وتمكنه من جمع مبلغ 50 ألف جنيه شهريا حصيلة التسول.
سبب القبض عليه تداول رواد مواقع التواصل في مصر، فيديو بثته صفحة على فيسبوك، عندما كان يشتري سجائر من أحد الأكشاك، ويطلب من مصور الفيديو العمل معه مقابل 200 جنيه يومياً أي ما يعادل 6 آلاف جنيه شهريا، متفاخرا بعمله وبتدخينه لأفخم أنواع السجائر.
وفي اعترافاته أمام أجهزة الأمن، أكد المتهم أنه يقوم بالتردد على الكشك الذي ظهر في الفيديو لتغيير المبالغ التي يحصل عليها وتجميدها حتى يسهل إيداعها في البنك، فهل تستحق مصر منا أن نتصدر الصحف العربية بالتسول، وأخيرا أقول لكم الأقربون الذين تحسبهم أغنيا من التعفف أولي بالمعروف بدلا من هؤلاء الذين يحصلون عن أمولكم لجلب السجائر الأجنبية وإيداع ما تبقى في البنوك.
بقلم
كامل كامل