مع كل حالة الزخم الفنى التى شهدتها مصر فى فترة الأربعينيات ومطلع الخمسينيات، وما تلاها من فترات صعود وهبوط، إلا أن الحالة الفنية والثقافية، التي شهدتها مصر قبل 90 عاما مضت لم تتكرر مرة أخرى، مع العلم أن المعادلة تغيرت مرات عديدة لصالح التطور التكنولوجى والتقنى، الذى يدعم تطور الفن وازدهاره، إلا أن الواقع له رأى آخر، فعلى الرغم من أن عدد سكان مصر عام 1945 كان 18.4 مليون نسمة كانت السينما المصرية تنتج 40 فيلم سنوياً، كبداية للصحوة الفنية وعصر الشباب الحقيقى للفن المصرى، بينما في الوقت الراهن أو تحديداً خلال الفترة من عام 2000 حتى 2020 الإنتاج الفعلى للأفلام من 25 إلى 30 فيلم سنوياً.
وحتى نفهم الأرقام السابقة علينا أن نقرأها ونحللها جيداً، لنخرج بنتائج يمكن توظيفها لتحسين الوضع الحالي، وصناعة النهضة الفنية الجديدة، كما كانت قبل سنوات بعيدة على أيدى الرواد الأوائل، الذين قدموا للفن أكثر مما قدموا لأنفسهم، فقد تضاعف عدد سكان مصر خلال الفترة من عام 1945 حتى اليوم حوالى 6 مرات تقريباً، بما يعنى أنه من المفترض أن نُنتج حوالى 240 فيلماً سنوياً، بينما لم نصل فعلياً إلى الرقم القديم الذى كنا ننتجه قبل 85 عاماً وهو 40 فيلماً، فرغم كل الإمكانيات التكنولوجية والتطور الذى شهدته مصر والعالم، مازال إنتاجنا كما سبق وذكرت يدور بين 25 إلى 30 فيلم سنوياً.
عدد دور العرض السينمائي في مصر مطلع الخمسينيات كان حوالى 354 داراً، انخفض في منتصف الستينات إلى 255 فقط، بينما وصل العدد الآن وفقاً لنشرة مصر في أرقام الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، 78 دار عرض سينمائى فقط، تحتل منها القاهرة نصيب الأسد بعدد 28، تليها الإسكندرية بـ 12 دار عرض، ثم الجيزة 10 دور عرض، بينما 4 محافظات هي أسيوط وأسوان والبحر الأحمر وجنوب سيناء يوجد سينما واحدة في كل منها.
بيانات الجهاز المركزى للإحصاء كشفت أن 10 محافظات في مصر لا يوجد بها دار عرض سينمائى واحد، وأغلب هذه المحافظات في صعيد مصر، مثل بنى سويف والمنيا وسوهاج وقنا والفيوم، بما يشير إلى أن هذه المحافظات تحتاج إلى رعاية عاجلة من الحكومة، وعلى وزارات التخطيط والثقافة والإعلام والتنمية المحلية التعاون مع أجل تأسيس سينما واحدة في كل محافظة على الأقل ثم التوسع في الخطة مستقبلاً، كما يجب أن يتعاون في ذلك صناع السينما، فلو أن جمهور ورواد السينما في مصر الآن عدده 10.7 مليون سنويا، يمكن أن يكون 60 مليون زائر للسينما سنوياً لو كانت لدينا الإرادة الحقيقية للتطوير والتثقيف واتبعنا الحسابات المذكورة في السطور السابقة، وتضاعفت أعداد دور العرض والأفلام التي يتم إنتاجها، لتعود السينما المصرية من جديد أحد المصادر الهامة للدخل القومى، بعدما كانت تصدر أفلامها إلى العديد من دول العالم وتُدر عائداً كبيراً يضعها فى مقدمة الصناعات الهامة، بالإضافة إلى قدرتها على التأثير والريادة كأهم القوى الناعمة التى نجيدها.
بقلم محمد أحمد طنطاوي