تشكل زيارة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، لتركيا قبل أيام، ولقاؤه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونائبه فؤاد أوقطاي، فضلاً عن مشاركته في افتتاح مسجد تقسيم في إسطنبول، وتوقيع العديد من الاتفاقيات، أحدث المؤشرات على أن العلاقة بين أنقرة والخرطوم، والتي تضررت بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير، بدأت تجد طریقها نحو الترمیم، عبر بناء أسس تعاون جديدة مع السلطة الانتقالية، يحتل فيها الاقتصاد دوراً محورياً
.
وبقدر الأهمية التي توليها أنقرة للعلاقة مع الخرطوم، فإن الأمر نفسه ينطبق على جوبا عاصمة جنوب السودان، إذ لطالما أبدت تركيا طيلة سنوات اهتماماً كبيراً بالسودان لجهة موقعه الجغرافي الاستراتيجي والتاريخ المشترك، ولما يملكه من ثروات طبيعية، والتي كانت أحد الدوافع الرئيسية لتوالي زيارات المسؤولين الأتراك للخرطوم. ولم تتبدل هذه الاستراتیجیة بعد ولادة دولة جنوب السودان في 2011. ولذلك لم يكن مستغرباً أنه بالتزامن مع مباحثات دقلو في أنقرة، كان السفير التركي لدى جوبا أردم موتاف، يرافقه مسؤول الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا”، يبحث مع وزيرة الطفولة والرفاه الاجتماعي في جنوب السودان آية بنيامين وريل، سبل التعاون بين البلدين وتطورات المشاريع التركية في البلد الأفريقي.
شهدت العلاقات بين أنقرة والخرطوم تطوراً خلال العقدين الماضيين، وتحديداً منذ وصول “حزب العدالة والتنمية” إلى السلطة في تركيا في 2002، حيث وضع خطة طموحة لتعزيز التواصل مع البلدان الأفريقية. وعلى الرغم من ترنح الاقتصاد السوداني طيلة السنوات الماضية، بعد عقود من العقوبات المفروضة عليه، بالإضافة لانفصال جنوب السودان، المنطقة الأغنى بالنفط، إلا أن ذلك لم يوقف الاستثمارات الخارجیة في المنطقة المعروفة بثرواتها الطبيعية.
وقد شهد عام 2017 زيارة لأردوغان، برفقة مجموعة من رجال الأعمال الأتراك، للسودان. وأعلن حينها رغبة بلاده في رفع استثماراتها تدریجیاً داخل البلاد حتى تصل إلى 10 مليارات دولار. وخلال هذه الزيارة، سلم البشیر إدارة جزیرة سواكن إلى تركيا لفترة زمنية غير محددة، كي تقوم بإعادة ترميم الآثار العثمانية الموجودة فيها. وانتهت الزيارة بارتفاع الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين البلدين إلى 21، في مقدمتها إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي. أما على الأرض، فتتصدر وكالة “تيكا” تسلم مشاريع البنية التحتية في البلاد. كما يتمثل الاستثمار التركي الأكبر في السودان، في مشروع بناء مطار الخرطوم بميزانية تصل إلى نحو مليار دولار.
وتمتد جذور العلاقة والتعاون بين تركيا والسودان وجنوب السودان لما يقرب من 450 سنة، إذ بدأت في العام 1555 عندما أنشأ العثمانيون محافظة على جزء من السودان وجزء من دولة إريتريا. وكانت تركيا من بين أوائل الدول التي اعترفت بدولة جنوب السودان، وافتتحت سفارة لها في جوبا في أكتوبر/تشرين الأول 2012. وذكر الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية التركية أن أنقرة “لديها استراتيجية أفريقية شاملة، وأنها بذلت مساعيها وجهودها لحل الأزمات والمشاكل في تلك القارة بالطرق السلمية”. وأوضح أن “تطوير العلاقات مع دولة جنوب السودان يحمل أهمية كبيرة، لكونها دولة حديثة تمتلك موقعاً استراتيجياً مهماً للغاية، يتمثل في سيطرتها على طرق المرور في شرق أفريقيا ووسطها”. واعتبر أن أنقرة “عملت منذ استقلال جنوب السودان على تسوية القضايا بين السودان وجنوب السودان، وأنها تقوم بدور هام وفاعل في هذا الصدد”.