موقع مصرنا الإخباري:
ما أشبه بالجائحة جاء الإعلان عن فكرة دورى السوبر، لتضرب استقرار الكرة الأوروبية في مقتل ، وتثير فوضى لا مثيل لها بعدما انقسمت القارة العجوز إلى شطرين احدهما يؤيد الفكرة وأخر يعارضها وكل طرف يبحث عن مصلحته في المقام الأول، ليتحول الأمر إلى صراع عروش بين القوى الكروية الكبرى في أوروبا من ناحية وبين فيفا ويويفا من ناحية أخرى.
الفكرة لم تكن جديدة وسبق تناولها كثيرا على فترات متباعدة واعتقد الكثيرين أن تنفيذها ضرب من ضروب الخيال، لكنها في الأيام الأخيرة اخذت ابعاد جديدة وتم الإعلان الرسمي عن انطلاقها عبر اثنا عشر من أهم أندية كرة القدم في أوروبا ، بالتوصل إلى اتفاق لتشكيل مسابقة جديدة ، هي الدوري الممتاز تضم 20 نلديا، تحكمها الأندية المؤسسة لها وهى :” ريال مدريد ، برشلونة، اتلتيكو مدريد، ليفربول، مانشستر سيتى، أرسنال ،مانشستر يونايتد، تشيلسى، توتنهام، يوفنتوس، انتر ميلان ، ميلانو، وسيتم دعوة ثلاثة أندية أخرى ليصل العدد إلى 15 ناديا ثابتا بالإضافة إلى خمسة أندية متغيرة تشارك حسب نتائجهم في الموسم السابق بالمسابقات المحلية، لتتكون تلك البطولة الانفصالية من 20 ناديا.. ومبدئياً أى نادي سيقبل المشاركة في البطولة سيحصل على 355 مليون دولار من إجمالى (4.2 مليار دولار) ستحصل عليها الأندية المؤسسة كتمويل من أحد البنوك الأمريكية التى تم الاتفاق معها لتكون راعى المسابقة، وذلك من أجل الإنفاق على البنية التحتية، والتعافي من تداعيات كوفيد-19.
الأغلب أن الهدف من انشاء تلك البطولة هو المال وليس شيء غيره، خاصة وأن هذه المجموعة من الأندية ترى أن فيفا ويويفا يحصدان الأرباح الطائلة من العائدات ويعطيان الأندية الفتات رغم ان الأندية هي أساس كل البطولات.. وبما ان هذة الأندية بحسب ما ترى نفسها أصبحت تعانى وبات الكثير منها رغم قوته وشهرته تحت تهديد الإفلاس بعد أزمة كورونا التي أدخلت اقتصاد كرة القدم في نفق مظلم وأصبح الجميع في حاجة ماسة إلى البحث عن سبل جديدة تعيد انتعاش الاقتصاد الكروي الأوروبي، ومن وجهة نظر الداعين لها هذا ما سيتحقق من خلال تلك البطولة التي تصل جوائزها إلى 3.5 مليار يورو ويبلغ إجمالي عوائدها على الأندية إلى 802 مليون يورو .. هذا في الوقت الذى تنحصر فيه جوائز دورى الأبطال على 2 مليار يورو وعوائد الأندية 172 مليون يورو.
فيفا من جانبه يحاول التصدي بكل السبل لإحباط تلك المحاولة ومنع إقامة بطولة السوبر ليج، ووصل الأمر إلى تهديد مباشر بمنع تلك الأندية من المشاركة في كل البطولات المحلية والقارية المختلفة، فضلا عن منع لاعبى الأندية المشاركة في تلك البطولة من تمثيل منتخبات بلادها فى كأس العالم، ليتم تصعيد الأمر في اتجاهات مختلفة وبات الجميع على شفا بركان قابل للانفجار في وجه الجميع بأي لحظة.
الحقيقة الواضحة في ذلك الصراع – هو ان الأندية الكبرى الداعية إلى إنشاء الدورى الممتاز تبحث عن مصلحتها الشخصية فحسب، دون النظر إلى مصالح الأندية الصغيرة التي تعانى هي الأخرى التي رأت نفسها فجأة في مقام المنبوذين المحتقرين .. العظمة تأتي من السماح للجميع بالمنافسة وبنزاهة وليس اختيار النخبة لنفسها وإقصاء الباقيين.
وحال إذا ما تحولت فكرة السوبر ليجا إلى واقع، لن يعد هناك رياضة بالمعنى المعروف وستغيب المنافسة الشريفة وسيتحول الأمر إلى صناعة واقتصاد احتكاري بحت بكل ما تشمله الكلمة من معنى سواء على مستوى البث التليفزيوني حيث ستتهافت المحطات والشبكات على إذاعة المباريات التي تضم كل نجوم الفئة الأولى في عالم كرة القدم وتتجاهل باقى المنافسات التي تضم أندية متوسطة وصغيرة ، وأيضا وسترتفع أسعار اللاعبين لأرقام فلكية ليتحول الأمر إلى احتكار بين الكبار، ومن لن يمتلك المال فيما هو قادم لن يكون له وجود على الخريطة الكروية، فمن أين يشترى لاعبين ويتعاقد مع مدربين وأجهزة فنية ويمنحهم مرتباتهم؟ .. ما قد يترتب عليه اندثار واختفاء العديد من الأندية الأوروبية العريقة والمغمورة فى نفس الوقت لقلة حيالتها وعجزها أمام ما يحدث حولها.. وهى الأندية التي ما بين الحين والأخر يطل علينا احداها ويخطف لقب دوري الأبطال من بين أنياب وحوش أوروبا الكبار مثلما فعل سيلتك الاسكتلندى ، هامبورج، ستيوا بوخارست، والنجم الاحمر أعوام 67 ، 83 ،86 ، و91 .
وهنا يبقى السؤال.. هل هذا من العدل ؟
بكل تأكيد هذه الخطوة من جانب كبار أندية أوروبا بإقامة دورى السوبر آراها فكرة عنصرية و ستضع الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص في دائرة الخطر، وسيغيب عنها العدالة التي تعد من اهم الأسس التي قام عليها كرة القدم.. وسيصبح الامر منغلقا على أندية بعينها ومنفصلا عن المؤسسات التي تدير الساحرة المستديرة حول العالم مثل الاتحاد الدولي والاتحاد الأوروبي .. وطبعا شتان الفارق بين حكم وإدارة المؤسسات وبين حكم وإدارة الأشخاص.. فهنا الحكم يكون للوائح وهناك الحكم يكون للأهواء وعند الاختلاف قد تتضارب المصالح وينهار المعبد على رؤوس من فيه.
وإذا ما كنا نلوم الأندية الدراعية لفكرة تأسيس الدورى الممتاز ، فانه في المقابل يتوجب على الاتحاد الأوروبي إزاء ما يحدث لكبح جماح الوحوش الأوروبية، أن يقوم بتغيير سياسته بضمان قاعدة صالحة للعمل مع مراضاة الأندية بتوزيع عادل للأموال والعائدات التي تتجاوز مليارات المليارات نظير البث التليفزيوني ، إذ يكتنز ويفا لنفسه نسبة تصل إلى 70 %، فضلا عن أهمية تدخله في مساعدة الأندية التي تعاني من عثرات بنسب محددة وفقا للوائح ثابتة ولا يترك أي ناد يواجه أزماته بمفرده، فضلا عن تقليل العقوبات المالية المفروضة على الأندية وإلغاء فكرة اقصاء الأندية من البطولات القارية كقرار عقابي أمام أي تصرف، خاصة وأن المشاركة في البطولات تعد من أهم مصادر الدخل التي تنفق منها الأندية على شئونها.. وحال إذا ما تم التوصل إلى اتفاق رسمي في هذا الخصوص وشعور الأندية الكبيرة بالحصول على حقوقها قد تعيد تفكيرها في إنشاء دوري السوبر ليج.. وينتهى هذا الصراع الطبقي الكروى الذى أدى إلى إنقلاب الأوضاع رأسا على عقب في أوروبا.
بقلم
كمال محمود