يستكمل الطبيب السعودي عبد الله سداد قرض شخصي حصل عليه لبناء منزل على أرض يمتلكها، رغم أنّ جرافات أزالت بيت أحلامه في جدّة ضمن مخطط لتطوير المدينة الساحلية يقول هو إنه حول حياته إلى “جحيم”.
وجاء هدم بيته في إطار مشروع كلفته 75 مليار ريال (20 مليار دولار) يتضمن عمليات هدم وبناء تؤثر على نحو نصف مليون شخص في ثاني أكبر مدن البلاد، ما يثير غضبا يتفجّر على وسائل التواصل الاجتماعي، في ظاهرة نادرة في المملكة.
ووعدت الحكومة السعودية بتعويض الأسر، وأعلنت في شباط/ فبراير الماضي، أنها ستستكمل بناء 5000 وحدة سكنية بديلة بحلول نهاية العام.
وأطلق ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، مشروع “تطوير وسط جدة” بهدف التخلص من “العشوائيات”، على أن يتضمّن بناء دار أوبرا وملعب رياضي ومتحف في المدينة المطلة على البحر الأحمر.
وتعجّ شوارع جدة في غرب المملكة بالخرسانات والمعادن الملتوية جراء إزالة آلاف المنازل. واتهم عدد من السكان الحكومة بتدمير أحياء طبقة عاملة تشمل سكانا من عشرات الجنسيات في مدينة تعتبر منفتحة إلى حد بعيد في البلد المحافظ.
ويقول الطبيب عبد الله، وهو أب يبلغ 45 عاما، لوكالة فرانس برس: “صرنا غرباء في مدينتنا. نشعر بمعاناة ومرارة”.
وكان عبد الله الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من ملاحقة السلطات، حصل في 2007 على قرض شخصي مصرفي لمدة 30 عاما مقابل رهن أرض يمتلكها واستخدم المال لبناء منزل في حي النزلة (جنوب) على أن يسدد نحو 1500 ريال (400 دولار) شهريا لثلاثين عاما.
ويضيف عبد الله الذي اضطر لاستئجار منزل: “ما حدث هو أكبر صدمة في حياتي. الوضع مأساوي كالجحيم ولا يمكن وصفه”.
وتوقّفت عمليات الهدم خلال شهر رمضان الذي ينتهي في مطلع أيار/ مايو المقبل.
وتعدّ جدة التي تعرف بأنها “بوابة مكة” كونها تضم مطارا يقصده الحجاج المتجهون للمدينة المقدسة لدى المسلمين على بعد نحو 100 كلم، مركزا سياحيا حيويا تنتشر فيه المطاعم على شاطئ البحر. كما استضافت في الأشهر الأخيرة مهرجانا سينمائيا وسباق فورمولا واحد.
وحتى قبل أن يشرع الأمير محمد في حملة انفتاح اجتماعي لتخفيف الصورة المتشددة لبلاده، تمتّعت المدينة بقدر من الحرية ساعد في وصفها بأنّها “مختلفة”.
وكانت عشرات الأحياء التي تتم إزالتها تضمّ مزيجا من السعوديين والأجانب من دول عربية أخرى وآسيويين.
وذكرت منظمة “القسط” الحقوقية أنّ بعض الأسر كانت تعيش في بيوتها لأكثر من 60 عاما. وأوضحت أنّ بعض الأشخاص أجبروا على الخروج من منازلهم بعد قطع خدمات المياه والتيار الكهربائي عنها، أو تلقوا تهديدات بالسجن.
وشهد حي غليل في جنوب جدة أولى الإزالات في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ويروي الموظّف السعودي فهد أنّ قوات الأمن صادرت الهواتف المحمولة للسكان لتجنّب تصوير عملية الإخلاء التي تمّت ليلا.
ويقول: “هُجّرنا من منازلنا فجأة بين يوم وليلة ودون سابق إنذار”.
على تويتر، غرّد العديد من المستخدمين تحت وسم #هدد_جدة، معربين عن سخطهم.
وقاد الناشط السعودي علي الأحمد حملة إلكترونية لعرض مظالم السكان المتضررين جراء الهدم الذي وصفه بأسلوب “الصدمة والضربة” القاسية.
ويعتبر الأحمد، وهو أيضا باحث في مركز الشؤون الخليجية في واشنطن، أنه “ليس من المقبول هدم منازل المواطنين بدون موافقتهم وقبل تعويضهم بسعر مناسب يكفي لانتقالهم لمكان جديد”.
وتسبّبت عمليات الهدم ونزوح السكان في ارتفاع أسعار إيجارات المنازل عموما في جدة وكذلك خدمات النقل، ما فاقم من معاناة المتضررين وغير المتضررين على حد سواء، على ما أفاد سكان.
“يوم القيامة”
في أحد الأحياء التي يشملها المشروع، هدمت بعض المباني تماما، فيما كتبت بالأحمر كلمة “إخلاء” على جدران العديد من المباني التي كانت لا تزال قائمة.
ووضعت السلطات لوحة تطالب السكان بإخلاء عقاراتهم وأخذ أغراضهم الشخصية، وتحميل وثائق الملكية على موقع إلكتروني للحصول على تعويضات.
وقال ثلاثة متضررين إنهم لم يتلقوا تعويضات، وأشاروا لعدم “وجود آلية واضحة لتقييم قيمة” بيوتهم، بينما يؤكد فهد أن “أشهرا مرّت، ولم أحصل على تعويض عن منزلي. وتحوّلت من مالك منزل لمستأجر يجاهد لدفع إيجاره”.
رغم الشكاوى، يقول المسؤولون إنّ المشروع سيطوّر المدينة مع تشييد 17 ألف وحدة سكنية عصرية في موازاة الحفاظ على هوية جدة.
وقال مسؤول محافظة جدة مؤخرا إنّ عمليات الهدم تستهدف أحياء لا تحتوي على مرافق بنية تحتية، وكان يتعذر على مركبات الإسعاف والمطافئ الوصول إليها، واصفا بعضها بأنها كانت “وكرا للجريمة”.
لكن العديد من السكان يرفضون ما يعتبرونه “تشويها” لصورة أحيائهم، ومنهم السعودي تركي الذي عاشت عائلته لعقود في بيت واحد في حي الحرازات في شرق جدة.
ويقول لـ”فرانس برس”: “نسكن وعائلتي في بيت جدي. والدي وُلد به وكذلك أبنائي. هو بمثابة حياة وليس مجرد بيت”.
وعاد تركي الأب لأربعة أطفال أخيرا لمنزله ليجده ركاما، ويقول: “صوت الهدم في كل مكان. الركام في كل مكان. تشعر أنه يوم القيامة”.
المصدر هنا