لا أعرف مبدأ واحد في علم التسويق يقول إن سعر السلعة أو الخدمة قد يصبح سراً، إلا أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي لهم رأى آخر، فقد راجت هذه الظاهرة لدرجة أن من يعرض قميصاً أو بنطلوناً أو جزمة للبيع، سيكتب مع أول سؤال عن الأسعار التعليق الشهير “السعر خاص” أو هبعت لحضرتك “انبوكس” وكأن هناك مباحثات رفيعة المستوى تتم لإنهاء الصفقة كبيرة كانت أو صغيرة، ومكانها يكون على الخاص فقط!
الكل يفهم أن الغرض من فكرة “السعر خاص”، زيادة التفاعل مع المنشورات التي يقدمها مسئولين الدعاية في الشركات والصفحات التسويقية، إلا أن هذا الهدف نفسه يفقدها أحد أهم سمات الإعلان وهى فكرة “سعر المنتج”، خاصة أن الجميع ينظر إلى ثمن السلعة باعتباره المقوم الرئيسي في عملية الشراء وبدونه لن يتحقق شيئ، لذلك تفشل دائماً نظرية الفهلوة والحداقة المصرية الخالصة في أغلب عمليات البيع والشراء على وسائل التواصل الاجتماعى.
يومياً تزدحم صفحات الفيس بوك بآلاف المنشورات الإعلانية، بداية من الوحدات السكنية والعقارات بمختلف أنواعها، حتى الملابس الداخلية والأحذية، والكل يشترك في مبدأ “السعر خاص”، حتى تحول الموضوع إلى تعليقات من نوعية “حد يعرف السعر ويرد علينا”، أو شتائم بألفاظ خادشة للحياء لأصحاب الإعلانات، أو استنكارات من أن صاحب الإعلان بأنه لا يرد على “خاص”، وهكذا الأمر حتى أصبحت هذه النوعية من الإعلانات سيئة السمعة، ولا يصدقها أحد.
الحقيقة تقول إن الإعلان الذي يتمتع بمواصفات فنية وبصرية جيدة سيجد زبائنه، وينجح في الوصول إلى الشريحة المستهدفة، فى أقصر وقت ممكن، لذلك يجب أن يتفهم جمهور السوشيال ميديا جيدا متطلبات الإعلان، فالأمر ليس مجرد كلمات ومجموعة صور ووصف، ثم نختم بـ “السعر خاص”، بل يخضع الموضوع لمعرفة الجمهور المستهدف، والشرائح العمرية، والحيز السكنى، والطبقة الاجتماعية، التي يخاطبها الإعلان.
إعلانات الأسعار السرية ليست مقصورة فقط على أدوات التجميل وزيوت الشعر وغيرها من المستلزمات البسيطة، بل إن شركات عقارية كبرى ترى أن إعلان الأسعار أحد أهم أسرار النجاح، فلو دخلت إلى موقع أي شركة كبرى لمحاولة معرفة سعر شقة أو فيلا بمساحات مختلفة، لن تجد كلمة واحدة عن الأسعار، فقط ستجد عبارة لن تفهم منها شيئ تقول “الأسعار تبدأ من كذا” وكأن التفاصيل التي يمكن للمستهلك أن يستخدمها في عمل مقارنات ومفاضلات، ويحدد القرار الشرائى بناء عليها غير مهمة، في ظاهرة لا توجد في أي دولة في العالم سوى مصر، لذلك يجب أن تتصدى الأجهزة الرقابية لهذه الآفة، وأن نشجع على تقديم حالة وعى عام بما يجب وما هو غير مستحب، حتى نصل إلى ضبط هذه الفوضى بصورة واضحة.
بقلم محمد أحمد طنطاوي