كثيرة هى الجوانب الإيجابية للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي استطاع من خلالها أن يعيد بناء مصر الحديثة والمعاصرة، بل إنه استطاع أن يضعها فى مصاف الدول العظمي، فقد استطاع أن يقضي علي كثير من سلبيات سنوات مضت، بل وأضاف الكثير من ملامح الجمال لهذا الوطن الكبير مصر، صحيح أن هنالك الكثير من القرارات التي رأي فيها المواطن المصري بعض الشدة، ولكنها ضريبة النجاح وإعادة البناء الحقيقي على أسس متينة لهذا الوطن كي ننعم جميعا معا بغد أكثر إشراقا.
ولأن عقل الموطن ووعيه هما حجر الزاوية في عملية التنمية الشاملة من وجهة نظر الرئيس، فقد حرص على تأكيد ذلك من خلال مداخلته مع الكاتب عبد الرحيم كمال والإعلامية الكبيرة عزة مصطفي قبل أيام قليلة، حينما دعا إلى الاهتمام بزيادة الوعي لدى المواطنين، موجها كلامه إلى المفكرين والمثقفين وصناع الأفلام من المنتجين والمخرجين، وأوضح الرئيس قائلا: (أنا أتصور أن القضية الأهم هى الوعى بمفهومها الشامل، سواء الوعي بالدين) معقبا: (كلنا اتولدنا المسلم مسلم والمسيحي مسيحي، حد عارف أنه المفروض نصيغ فهمنا للمعتقد، وعلينا إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذي نحن فيه).
ويبدو لي أن كلام السيسي واضح جدا في دلالاته عبر تلك المداخلة التي اختار لها التوقيت المناسب، ولم يكن مفاجأة لنا، بل جاء تأكيدا على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي رجل إصلاحي ويتمتع برؤية إصلاحية شاملة تعالج كل مشاكل مجتمع من جذورها وليس بطريق المسكنات، ومن أجل ذلك فإن هذا الكلام يحمل في طياته الكثير من التحديات في صدد الوعي والمعرفة، وخاصة أنه يعول على أهمية الدراما في تشكيل الوعي لدى المواطنين، والثقافة لها دور كبير في هذا الأمر، لأن المشروع التعليمي الكبير سوف تظهر آثاره بعد سنوات، بالتالي إصلاح الفكر العام يستدعي حركة ثقافية وحركة فنية.
وظني أن اختيار الرئيس لمصطلح (الخطاب الروحي) اختيار في محله، وهو استخدام يحسب له، بل إنه يعبر عن رؤيته الإصلاحية الشاملة والعميقة للمجتمع المصري، وهذا طبعا نابع من فهمه العميق بأنه الخطاب الروحي هو جوهر الأديان كلها، كما أنه في الوقت ذاته جوهر علاقة الإنسان بالخالق، لذا تراه ثابتا على مبدئه منذ بداية توليه الحكم في مصر بأنه (كلما ارتقى الخطاب الروحي كلما انعكس ذلك سموا على شخصية الإنسان نفسه، وإن انحدر الخطاب الروحي – لا قدر الله ولا شاء – ينحرف الفهم ويحدث فهم مغلوط للأديان، وهو ما فتح الباب مسبقا أمام المتشددين وأصحاب الأفكار المتشددة كي يبعثون بعقول الناس).
الرئيس تحدث عن بناء الوعي بمعنى أن يكون هناك إعمال العقل النقدي لدى المستمع أو المشاهد أو القارئ، بحيث إنه لا يؤمن بأي كلام يسمعه من الكلام الذي تبثه الجماعات الإرهابية، وأعتقد أن مسؤولية الوعي تقع بالدرجة الأولى على الإعلام؛ لأن الإعلام هو الذي يصل إلى الناس في كل مكان، خاصة أننا لدينا الكثير من الأشخاص الأميين الذين يتلقون وعيهم من الإعلام مثل الدراما والبرامج التليفزيونية، وهنا تكمن فحوى توجه الرئيس برسالته في هذا التوقيت إلى عبد الرحيم كمال كرمز للمثقفين وخاطبه بلغة تؤكد على حرص الدولة على إنتاج دراما حقيقية تركز على البطولات من ناحية ومن ناحية أخرى تتضمن مفاهيم السلم الاجتماعي.
أنظر هنا لقد وجه الرئيس رسالة إلى الكاتب عبد الرحيم كمال، قائلا: (لفت نظري كلامك عن تجديد الخطاب الروحي ويبقى فيه حاجة بتتكلم عن التاريخ وبتدمجه بفكرة معينة، أنا عايز أقولك أنا داعم لك في عمل على مستوى الدولة، والناس اللي بتشتغل في أي مهنة بتستهدف الربح طبعا، لكن أحيانا بيكون فيه قضية تطرحها على الناس قد تتوارى فكرة الربح شوية، أنا مش هطلب من المفكرين والمثقفين والكتاب وحتى المنتجين والمخرجين إن هما يتولوا قضايا قد يكون تناولهم فيها قد لا يحقق الربح، لكن إذا كانت حتى التكلفة المالية والربح هيبقى عائق أمام عمل زي كده أنا بقولك دلوقتي أهو أنا معاك، وأشار الرئيس السيسي إلى أنه تحدث عن الأعمال الفنية خلال فترة ترشحه للرئيس، والبعض فسرها بشكل خاطئ حينها، بأنه يريد حجب الإبداع.
كما وجه الرئيس السيسي في حديثه إلى الكاتب عبد الرحيم كمال رسالة أخرى قائلا: (قضيتنا قضية الوعي مثلما ذكرت أنت الجانب الديني ولن أدخل في نقاش حاليا حول الخطاب الديني، وستجدون دعما ضخما للإبداع، لا أطلب منك أبدا تقديم عمل بالمجان، بل أطلب منك تقديم عمل يحشد كل الموهبة، بدعوة زملائك الفنانين والموهوبين، فأنتم تعرفون أنفسكم جيدا)، واستكمل: (هدفنا تحصين أبنائنا وبناتنا وشبابنا، والقضايا التي يجب الاهتمام بها كثيرة، أهمها فهم تحدي إسقاط الدول، الخطورة في استهداف الدول، أفغانستان كانت شكلا آخرا منذ 50 عاما، شوفوا الكتب والأفلام ستجدون دولة مختلفة تماما، فحينما تسقط الدولة يبدأ العبث بمقدرات الدولة، طالما لا توجد قيادة، لن نجد فرص).
ومما سبق من كلام الرئيس حول قضية الوعي والتركيز على أعمال درامية ذات هدف ومضمون يتضح لنا أنها رسالة طمأنينة للمبدعين فى مصر، خاصة وأنها المرة الأولى التى تولى القيادة السياسية أهمية خاصة بمتابعة ما يجرى على الساحة من أعمال فنية، ومن ثم قام بإجراء مداخلة تليفونية تؤكد الدعم لكل مبدعى مصر، وهو ما يؤكد أن الدولة لديها أولويات تجاه قضاياها، والإعلام والثقافة والفنون لها أولوية متقدمة، وقد لفت نظرى الحوار والحديث حول تجديد الخطاب الدينى وضرورة تقديم أعمال تتناول التاريخ ودمجه بالأحداث، وأنا أدعم ذلك، وتقديم أعمال تهدف للربح شىء طبيعى، لكن حين تقدم أعمال فنية من أجل توضيح قضية، قد تتوارى فكرة الربح قليلا، ولهذا فقد اعتبر صناع الدراما المداخلة بارقة أمل جديدة، تجاه بعض المشكلات التى واجهت سوق الدراما فى الآونة الأخيرة وخلقت حالة من الارتجال، تسببت فى ابتعاد أصحاب المواهب عن الساحة، بالإضافة إلى ظهور أعمال فنية تكاد تسيء إلى شكل المجتمع المصرى محليا وعالميا، هى إذن رسالة طمأنينة تؤكد أن الفن (أمن قومى).
وهذا بالطبع يعني أن السيسى يوجه الفنانين والمبدعين على اختلاف مشاربهم وإلزامهم المشاركة في بناء الجمهورية الجديدة، وأن يسير الجميع خلفه، وأن نقدم أعمالا لها قيمة، وأن نؤكد قيمة الكبير والقدوة، وهذا ما أصبح ينقصنا، هناك اتجاه لإسقاط هيبة القامات سواء فنية أو إنسانية وهذا أمر لابد من تغييره والتركيز عليه فى الأعمال الاجتماعية، ولعل المحفز الأساسي هنا أن الدعم الذى يمكن أن تقدمه الدولة للمبدعين بجانب الدعم المادى هو اتاحة الفرصة لكافة المبدعين فى العمل، وإيجاد فرص حقيقية لأن الأمر أصبح مستحيلا أن يسعى الكبار لطرق الأبواب للبحث عن فرصة عمل، وأعتقد أن تدخل الرئيس بشكل شخصى سيعيد منظومة الفن بشكل أساسى على مستوى السينما والتليفزيون، والمسرح أيضا ولو لم يشر إلى باعتباره أبو الفنون.
يا صناع الدراما والسينما والمسرح: عليكم بالدراما الاجتماعية فهي بمثابة (رأس الحربة) لتنفيذ توجيهات الرئيس، وهى ضمن (خطة دولة) لمواجهة الفكر المتطرف ودعم العمل الوطنى، وهى رسالة للقائمين على الإعلام فى مصر للبحث عن المواهب وتقديم المواضيع التى تناقش الهوية المصرية وتناقش أساسيات الشعب المصرى، بعيدا عن المسلسلات التى تفتقر للحس الوطنى وتشوه صورة المجتمع المصرى، وتصدر صورة البلطجة والخيانة والسرقة والمخدرات.. باختصار هى رسالة تستهدف رفض الأعمال التى تقلل من المجتمع، والاهتمام بالقيمة الإنسانية والمجتمعية والوطنية.
وكون الرئيس يتابع بنفسه برنامجا أحد فرسانه كاتب دراما كبير مثل عبدالرحيم كمال، وأن يطلب مداخلة فيها ويتابعها، دلالة على اهتمامه الخاص بالدراما، وتأكيد لرؤيته عن دورها فى تشكيل الوعى وزيادته ومعالجة الكثير من التشوهات الموجودة فى المجتمع المصرى، وعلينا من الآن فصاعدا أن نركز على موضوعات أخرى يجب تقديمها بجانب الدراما الوطنية ودراما مكافحة الإرهاب، ودراما التصدى للأفكار والخلايا الإرهابية الخبيثة الموجودة فى المجتمع المصرى، والأبطال الذين استشهدوا وقاموا بحماية مصر سواء من الشرطة أو الجيش.
وكما قلت وأوكد ثانية أن هناك ضرورة لأن يتم الاهتمام بالدراما الاجتماعية، لأنها – وأكرر – (رأس الحربة) فى الدراما الوطنية وفى تشكيل الوعى الذى يحارب الإرهاب والتصدى له بزيادة وعى المتلقى فى أن يصبح قادرا على مناقشة الأفكار الهدامة ويلفظها، وينحاز للقيم الايجابية فى المجتمع، ولا ننسى أن هناك أشكالا درامية كثيرة يمكن من خلالها أن نناقش قضايا مثل (النمو السكانى، التعليم)، خاصة قضية التسرب من التعليم، والتى تمثل أزمة حقيقية تواجه المجتمع المصرى، وهناك الكثير من الأسر، خاصة فى القرى الأكثر فقرًا، تعانى هذه الأزمة، فهناك نسبة تقترب من 40% من الشعب المصرى لا يعرف القراءة والكتابة، وفى حاجة إلى حلول عاجلة عبر ألوان الدراما المختلفة.
لقد بدا واضحا جليا الآن أن الدولة المصرية فى هذا التوقيت الذى تبنى فيه الجمهورية الجديدة، على دراية تامة بأهمية دور الفن والاعلام فى توجيه الوعى الجمعى للجمهور، لكن لن يتم ذلك إلا بعلاقة تكاملية بين الدولة والمبدعين، فالمبدعون يحتاجون أن تكون الدولة داعمة، وتساعدهم بالمشاريع والدعم المادى والمعنوى، وكذلك المبدع عليه مسئولية تجاه الدولة والناس أن يكون داعما لدولته، وهذا بالتأكيد يلقى المسئولية على العاملين فى الحقل الإعلامى والفنى في أنه ينبغي أن يقدمون أعمالا تليق بالدور الموكل إليهم، أعمالا تليق بدولتهم، وهذا عهد الفن المصرى على مدار السنوات الماضية.
وهذا يتطلب على حد قول المخرج الكبير محمد فاضل عمل (مجلس حكماء) من المبدعين بكافة أنواعهم، مفكرين وأساتذة علم نفس وإعلام ومؤلفين ونقاد ومخرجين وممثلين ومنتجين، وتحديد جهة أساسية يتم إرسال النصوص لها ويتم اختيار الموضوعات الحقيقية، التى يجب مناقشتها، وهى لجان شرفية لإصلاح الدراما، ووضع هيكل وأساس، فلا يمكن أن يبدأ تصوير مسلسل، وهو مكتوب فيه 3 حلقات فقط، أيضا الدولة من حقها أن تطالب المبدعين بمناقشة المشاكل، وكذلك مناقشة الإيجابيات، فلا يوجد مسلسل وحيد ناقش مبادرة (حياة كريمة) أو (العشوائيات وتغيرها لحى الأسمرات)، أو من حفروا قناة السويس، كل هذه الموضوعات قضايا لابد من تقديمها.
وأخيرا.. يبدو لي أن خلاصة كلام الرئيس أن قضية الوعي لها تكاليف للوصول للإصلاح، هى فاتورة كبيرة يدفعها دائما المصلح، موضحا أن الأنبياء والرسل من المصلحين.. هنيئا لمصر وشعبها برجل تحمل مساوئ الماضي بصدر رحب وإيمان حقيقي بواجبه تجاه تلك الأمه التي تكالبت عليها عناصر الإخوان الإرهابية بهدف تفكيكها وإفقادها هويتها المصرية.
إن ما يفعله الرئيس يحمل في جوانبه دلالات كثيرة فلقد اعتدنا أن الرئيس هناك بعيد عن متناول البسطاء من عامة الشعب، ولكن مع عبد الفتاح السيسي الأمر يصبح مختلف تماما فهو كثير التواجد والتلاحم مع البسطاء، ربما لأنهم الأغلبية من شعب مصر الذي أحبه وانتخبه ورأي فيه طوق نجاة لكل معاناة السنين السابقة، ليبقى دوما هو في عيون مواطني مصر الملهم الذي أعاد مصر الوطن إلي مكانتها بين الأمم كما يجب أن تكون.