يعد ملف العشوائيات من أهم الملفات على مدى عقود طويلة مضت، وقد ولّى هذا الملف باهتمام واسع من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتعمل الحكومة المصرية على تنفيذ خطة تطوير المناطق العشوائية، والتي شكلت أحد التحديات الكبيرة في مجال الإسكان والعقارات، فإلى جانب إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، أو إسكان اجتماعي، أو مدن جديدة، تعمل الحكومة المصرية على تطوير المساكن القائمة بالفعل في مناطق صنف بعضها على أنها مناطق شديدة الخطورة لا تصلح للسكن، وتأمل الحكومة أن تستطيع القضاء على العشوائيات بحلول عام 2030.
وتتمثل مساحة المناطق العشوائية الخطرة وغير الآمنة في مصر 1% من حجم العمران، وفي عام 2020 تم الانتهاء من 90% من المناطق العشوائية بالمحافظات، والتي لم تكن خارج الاهتمام، كما كان يحدث سابقا، ولكن هناك خطة وضعت لكامل محافظات الجمهورية، وفي إطار الجهود الحكومية في ملف العشوائيات تم إعلان محافظات بورسعيد والبحر الأحمر والسويس محافظات خالية من العشوائيات وقريبا الإسماعيلية، وينتهي خلال الشهرين المقبلين بعض المشروعات المتبقية من خطة تطوير العشوائيات والمناطق الخطرة وغير الآمنة في مصر، و يتواكب توقيت هذا الإعلان مع احتفالات مصر بذكرى ثورة “30 يونيو” التي أطاحت بحكم تنظيم الإخوان.
“بوابة الأهرام” تستعرض آراء الخبراء والمسئولين عن الطفرة التي تحققت في ملف العشوائيات
حصاد التطوير
في البداية يوضح المهندس خالد صديق المدير التنفيذي لصندوق تطوير العشوائيات، لـ”بوابة الأهرام”: منذ إنشاء صندوق تطوير العشوائيات عام 2008 إلى عام 2014 إجمالي ما تم إنفاقه وصل إلى 652 مليون جنيه، ومنذ عام 204 حتى الآن وصل إجمالي الإنفاق إلى 32 مليار جنيه، لافتًا إلى أن هناك خرائط قومية “GIS” لـ 357 منطقة غير آمنة بإجمالي 200 ألف وحدة وأثناء التطوير وصلوا إلى 240 ألف وحدة، تم الانتهاء من 315 منطقة بإجمالي 195 ألف وحدة.
وتابع: أن هناك مشروعات جاهزة للافتتاح تم الانتهاء من 95% منها مشروعات بشاير الخير 5 بإجمالي 15 ألفا و 600 وحدة، بالإضافة إلى مشروعات أرض الإنتاج الحربي “مدينة السلام” بإجمالي 4800 وحدة، ومشروع معا مدينة السلام بإجمالي 4400 وحدة، ومنطقة الخيالة بإجمالي 2500 وحدة، وحلايب وشلاتين بإجمالي 2000 وحدة، ومشروع حدائق أكتوبر بإجمالي 2500 وحدة، مشيرًا أن فاتورة تطوير عشوائيات المناطق الغير آمنة تصل إلى 40 مليار جنيه، وتم إنفاق 32 مليار حتى الآن.
العشوائيات غير المخططة
وكشف صديق أن حجم العشوائيات الغير مخططة على مستوى الجمهورية 227×417 ألف فدان منها 160 ألف فدان غير مخطط “الحضر والمدن” وفاتورتها 318 مليار جنيه، مضيفًا تم الانتهاء من 53 منطقة بمساحة 4600 فدان تخدم ما يقرب من مليون ونصف مواطن، كما أنه جار العمل على 79 منطقة بمساحة 6900 فدان وتخدم في حدود 2.5 مليون مواطن.
العشوائيات ىالغير مخططة
الأسواق العشوائية
وعن الأسواق العشوائية، يشير صديق إلى أنه يبلغ عدد الأسواق العشوائية 1105 أسواق عشوائية، وهناك 306 آلاف وحدة نشاط وتبلغ تكلفة الانتهاء 44 مليار جنيه، لافتًا إلى أننا بدأنا العمل طبقًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي ومبادرته التطوير عواصم المحافظات “المدن الرئيسية” ومشروع 500 ألف وحدة التي تصل تكلفتها إلى 300 مليار جنيه على أن يتم الانتهاء منها خلال ثلاث سنوات.
الأسواق العشوائية
ولفت صديق إلى أن خطة تطوير العشوائيات تتم على قدم وساق وفق توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتم الانتهاء من عدد كبير من المشروعات، وسوف يتم الإعلان قريبا أن مصر خالية من العشوائيات.
المهندس خالد صديق المدير التنفيذي لتطوير العشوائيات
إرادة سياسية
ومن جانبه، قال الدكتور عبدالرحيم قناوي، أستاذ ورئيس قسم التخطيط العمراني بكلية الهندسة جامعة الأزهر، إن مصر قد حققت طفرة كبيرة بـ”ملف العشوائيات”، حيث إن هذا الملف ظل مهملا لفترات طويلة، ترتب عليها حجم العشوائيات التي نواجهها الآن، حتى محاولات التعامل معه في السابق لم تكن على محمل الجد، بمعنى أنها لم تكن على قدر وأهمية هذا الملف وضخامته، حيث إن “ملف العشوائيات” يعد من قبيل الأمن القومي، مؤكدًا أن القفزة التي حدثت في السنوات القليلة الماضية تدل على إدارة سياسية لتحقيق هذه الإرادة في هذا الوقت الراهن وكانت الأمور تنحصر في رؤيا معينة، وكانت من أهم مبادئ هذه الرؤيا هي القضاء على المناطق العشوائية، من خلال توجه سياسي قوي، حيث وضعت الدولة نصب أعيناها، وعندما توفرت الإرادة تعاملت مع هذا الملف بجدية خلال الفترة الماضية وحتى الآن ونجد هذا ملموسا في الواقع، وتوفرت الرؤيا والإرادة للتحقيق والقضاء على ملف العشوائيات في مصر.
تطوير العشوائيات
الفكر العشوائي
ولفت قناوي، الدولة قد انتهت من القضاء على البُعد المكاني، ولكن لاستكمال تحقيق هدف القضاء على العشوائيات بشكل جيد يجب القضاء أولا على الفكر العشوائي” فكر العشوائيات”، وذلك يكون من خلال حزم من القرارات والإجراءات الإدارية للتعامل مع هذا الملف والتصدي لـ “الفكر لعشوائي”، موضحًا أن هذا بدأ بالفعل بعد إشراف الجامعات المصرية على إصدار تراخيص البناء بالمحليات.
وتابع: يجب أيضا الالتفات إلى البُعد الاقتصادي بتوفير فرص عمل بالقرب من السكن في كافة أنحاء الجمهورية وخاصة الأقاليم والتي تعاني من البطالة والأوضاع الاقتصادية السيئة، و حتى لا تنتقل الأسرة من الريف إلى الحضر وتفريغ القرى، لذا يجب وضع هذا البُعد في الاعتبار.
القضاء على الفكر العشوائي
صندوق تطوير العشوائيات
ومن الناحية الاقتصادية، يرى الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، الحق في السكن هو حق دستوري كفلته كافة الدساتير المصرية المتعاقبة، إلا أنه حدثت أن تعاملت الحكومات المتعاقبة منذ منتصف الخمسينيات بصورة غير فاعلة في هذا الملف، الأمر الذي ترتب عليه ظهور ظاهرة العشوائيات وتضخمها إلي أن أصبح جانبا منها غير آمن على حياة الإنسان من الأساس، وقد حاولت الدولة المصرية للتصدي لتلك المشكلة وتم إنشاء صندوق تطوير العشوائيات في عام ٢٠٠٨ بمخصصات إنشاءات بلغت نصف مليار جنيه، ولكن لم يظهر تأثير حقيقي لهذه المحاولة في ظل ضآلة مخصصات الصندوق مقارنة بالمطلوب منه، لافتًا ومع تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم، أخذت الدولة على عاتقها التصدي الحقيقي والشامل لهذا الملف، وكانت البداية الحقيقة من خلال زيادة المخصصات المالية للصندوق تطوير العشوائيات من خلال ضخها من فوائض هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بحيث يتحول جانب من ربح الهيئة الذي تحصل عليه من مشروعاتها للإسكان الفاخر والتجاري إلي ضخها في موازنة صندوق تطوير العشوائيات، وهو الأمر الذي رفع حجم ميزانية الصندوق لتتجاوز ١٠ مليارات جنيه عام ٢٠٢٠، وهو ما مكّن الصندوق للعمل بصورة جدية وتحقيق نتائج أهمها القضاء على العشوائيات غير الآمنة بنسبة تقترب من ١٠٠ ٪ بإنشاء نحو ٢٠٠ ألف وحدة سكنية في أكثر من ٣١٥ منطقة مطّورة، فضلا عن شروع الصندوق في تطوير العشوائيات غير المخططة والتي تمثل نحو ٤٠٪ من حجم العمران في مصر، حيث تخطط الدولة لإنفاق نحو ٣١٨ مليار جنيه قابلة للزيادة في تطوير العشوائيات حتى عام ٢٠٣٠.
رؤية مصر 2030
ويرجع جاب الله، أن فلسفة تدبير تلك المخصصات تقوم على أن تنفذ هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مشروعات للإسكان الفاخر والمشروعات الاستثمارية تحقق من خلالها أرباحا يعاد توجيهها لتطوير العشوائيات ودعم الإسكان الاجتماعي، وهذه الفلسفة كان لها مردود طيب على الأرض، حيث كان من أثرها هذا الحجم الكبير من الإنجاز الذي أمّن وحسّن من معيشة ساكني تلك المناطق، وخلق مئات الآلاف من فرص العمل في إنشاء وإدارة تلك المناطق ومشروعات الخدمات المرتبطة بها، مضيفًا، وإذا كان حجم ذلك الإنجاز هائلا فإن استدامة ذلك التوجه يمكنه بالفعل تحقيق المستهدفات المطلوبة حتى ٢٠٣٠، حيث ستغير تلك المشروعات من وجه مصر بصورة تدريجية.
الدكتور عبد الرحيم قناوي أستاذ ورئيس قسم التخطيط العمراني بكلية الهندسة جامعة الأزهر
حياة كريمة
ومن جانبه، يضيف الدكتور علي الإدريسي الخبير الاقتصادي لـ”بوابة الأهرام”: أن الدولة المصرية تضع على عاتقها توفير حياة كريمة لملايين المصريين وهو ما وعد به الرئيس السيسى، ومن هنا انطلق قطار تطوير العشوائيات، وهي مشكلة نعانى منها منذ عقود كثيرة دون تقديم حلول جادة على أرض الواقع، ومع استمرار الجهد لحوالي ٦ سنوات متواصلة من أجل إعلان “مصر خالية من العشوائيات غير الآمنة” في 2021، بحيث تستهدف الدولة المصرية استمرار رحلة تطوير المناطق العشوائية وغير الآمنة، وتوفير سكن بديل وعصري لأهالي هذه المناطق دون تكاليف أو أعباء إضافية وبالنظر إلى جهود الدولة لتطوير العشوائيات، مضيفًا، نجد أن وزارة الإسكان ممثلة في صندوق تطوير المناطق العشوائية نجحت في توفير الآلاف من الوحدات السكنية وتخطى أكثر من ٣٠٠ ألف وحدة، بين إنشاءات أو إزالة خطورة، وبلغت التكلفة التقديرية للمشروعات ٣٩ مليار جنيه، إضافة إلى قيمة الأراضي التقديرية أكثر من 23 مليار جنيه وبدون عائد، وقد تم بالفعل الانتهاء من تطوير ما يقرب من ٣٠٠ منطقة، وبحلول نهاية العام يكون قد تم الوفاء بالوعد في القضاء على جميع المناطق غير الآمنة.
الدكتور وليد جاب الله
1% من حجم العمران
وأوضح الإدريسي، أن مساحة المناطق العشوائية الخطرة وغير الآمنة في مصر تصل إلى نحو 1% من حجم العمران، ويبلغ عددها 357 منطقة، وتسعى الدولة لتطوير جميع المناطق بإجمالي تكلفة نحو 61 مليار جنيه تكلفة إنشاءات وثمن الأراضي، أما عن المناطق غير المخططة وتمثل نحو 37% من العمران، فقد تم وضع خطة لتطويرها وتوفير الخدمات والمرافق وتحسين الصورة البصرية بها بتكلفة نحو 320 مليار جنيه خلال 10 سنوات، وتبلغ مساحة المناطق غير المخططة على مستوى الجمهورية 152 ألف فدان، لافتًا إلى أنه تم الانتهاء من تطوير 53 منطقة، تخدم نحو 460 ألف أسرة لأنها مناطق كثفتها عالية تفتقد للخدمات، وهناك 79 منطقة أخرى جار العمل على تطويرها.
الدكتور علي الإدريسي
قنابل موقوتة
وأشار إلى أن المناطق العشوائية ظلت لسنوات قنابل موقوتة تمثل خطرًا على المجتمع بأسره، نظرًا لارتفاع نسب البطالة بها، وانتشار ثقافات غريبة بين قاطنيها نتيجة لانتشار الجهل وتدني مستوى المعيشة، مؤكدا أن تطوير العشوائيات خطوة لجذب استثمارات جديدة والعمل على تهيئة ملايين من المواطنين ليكونوا إضافة للاقتصاد المصري وسوق العمل، وتحسين الصورة الحضارية لمصر وهو ما ينعكس على قطاع السياحة بالإيجاب.