موقع مصرنا الإخباري:
مما لاشك أن مرحلة الثانوية العامة تشهد تغييرا جذريا وتطورا ملحوظا بعد إن كانت هذه المرحلة الأكثر توترًا في حياة الأسرة المصرية لسنوات، بل نقول إنها كانت بمثابة الكابوس للأسرة، فالكل كان في سباق وتناحر من أجل الحصول على مجموع مرتفع، لدرجة أن طلابا حصلوا على 102 %، في وضع غير منطقى لا يقبله العقل ولا العلم!!، وعلى الجانب الأخر وجدنا أيضا حالات من الصدمة واليأس حال عدم الحصول على المجموع المناسب، أو من فقدوا فرصة الوصول للكلية التى يريدونها فحطمت أعصاب وتبعثرت أحلام.
ليأتى هذا العام ويحدث انخفاض ملحوظ في مؤشرات النتائج ليتوقع الجميع أن هذا بمثابة بشرى سارة تنذر بتخرج طلاب قادرين على التفكير ويمتلكون قدرات ومهارات حقيقية، وأن هذه النتائج تعبر فعلا عن تفوق حقيقى وغير مزيف، آملين أن هذا سيعمل على انتهاء عصر التفوق الوهمى القائم على سياسة الحفظ والتلقين باستخدام أسهل الوسائل، مثل الدروس الخصوصية والكتب الخارجية، التى كانت تكبد الأسرة آلاف الجنيهات من قوت يومهم، وغير عابئين ببناء القدرات والمهارات واستخدام وسائل الفهم في التعلم.
لذا، فالمتتبع لنتائج المرحلة الأولى، والتي أعلنها وزير التعليم العالى أمس، يجد تغييرا حقيقيا، لكن لابد أن يقابل هذا تغيير أيضا في الثقافة لدى الطلاب وأولياء الأمور تجاه الثانوية، وأن يكون هناك وعى بأهمية عملية التطوير الحادثة الآن لمساعدة الدولة فى تحقيق أهدافها ورؤيتها، وأعتقد أن بداية هذا الوعى يكون بالتخلى والبعد عن حالة التوتر والرعب لدى أولياء الأمور والطلاب، وأن يعتقد الجميع أن هذه المرحلة مهمة والاجتهاد فيها ضرورة لكن الأهم والأحرى تنمية قدرات الطلاب واكتشاف مهاراتهم ومواطن الإبداع لديهم لتوظيف هذه المهارات والقدرات في المكان المناسب بصرف النظر عن ثقافة كليات القمة والقاع، لأن لو حدث هذا لتغيرت الثقافة القديمة تماما، ولعاد الهدوء للأسرة المصرية من جديد، وقل التسابق والتناحر بين الطلاب من أجل المجموع المرتفع، وأصبح لدينا مواهب ورموز ومبدعون في كافة المجالات وكافة التخصصات.
إذن الوعى المطلوب، يبدأ بأننا نؤمن جميعا بأن الإبداع والتفوق ليس محصوران في كليات الطب والهندسة ولا في ما يسمى بكليات القمة فقط، بل المجتمع يحتاج لرموز ومبدعين في التعليم والفضاء والزراعة والمحليات والثقافة والفن، والرياضة، فنعم يريد المجتمع معلما متسلحا بالعلم وبأدوات العصر، ويريد مرشدا زراعيا متمكنا من مهنته وأدواته، ويريد مثقفا قادرا على التجديد والإبداع والتفكير السليم، وكل هذا لا يتأتى إلا من خلال صناعة الوعى لدى الأجيال بأهمية العلم والتعلم وبناء القدرات واكتشاف المهارات.
وختاما، نقول إن هناك فرقا كبيرا بين التعليم والتعلم، وأن ضروريات الحداثة ومستجدات العصر ومتطلبات سوق العمل تلزمنا جميعا بتغيير ثقافتنا القديمة تجاه الثانوية العامة، وتحتم علينا أن نشارك جميعا في صناعة وعى جديد يصحح السلبيات ويقضى على الظواهر السيئة، ويقودنا إلى تفكير جديد بوعى جديد نحو مستقبل مشرق نمتلك أدواته ووسائله..