سوف يأتي اليوم- وأظنه قريبا- نتذكر فيه ما يحدث في نظام التعليم الثانوي العام الآن في مصر بمناهجه و طريقة امتحاناته ونضحك ونسخر لما كنا فيه من نظام عقيم لم يؤدى إلى شيء، والى ما نحتاجه من مخرجات التعليم في مصر. فمع الإصرار على المضي قدما في عملية تطوير التعليم فسوف نصل الى الهدف المرجو مهما كانت الصعوبات والعراقيل.
والصعوبات والعراقيل في مصر تعني الكثير، فهي تعني مافيا الدروس الخصوصية التي ترى أن التطوير الجدي الذى بدأته الدولة منذ عدة سنوات في غير صالحها بل ويهدد وجودها ونفوذها.
ويكفي أن نعرف أن حجم ما ينفقه المصريون على الدروس الخصوصية أو بالأدق 26 مليون أسرة مصرية – وفقا لأرقام الجهاز المركزي للإحصاء عام 2019-حوالى 47 مليار جنيه، بنسبة تمثل 37.7% من إجمالى الإنفاق على قطاع التعليم. وهدف التطوير الحالي هو التخلص من تلك المافيا وتوفير تلك الأموال والتخفيف عن كاهل الأسر المصرية.
العراقيل أيضا تعني مافيا التعليم غير الحكومي في مصر والتي أصبحت تجارة تلتهم نسبة كبيرة دخول المصريين سنويا، وتحارب بضراوة وبتوظيف أدوات كثيرة وزير التعليم وخطة التطوير برمتها.
أما الصعوبات المتمثلة في تخوفات الأسر المصرية فهى تخوفات من المجهول وهى عادة في الثقافة المصرية ” فنحن أعداء ما نجهل”، وأظن أن هذه المخاوف ستزول تدريجيا بعد التيقن أن التطوير يحقق المصلحة العامة للنهوض بنظام التعليم المصري وإعادة بناءه ليمارس دوره في النهضة الاقتصادية. فالتعليم ركن أساسي في الدول المتقدمة في اقتصادها بكل ما تعنيه الكلمة. واذا كنا نقارن أنفسنا بالدول المتقدمة، فلابد أن نمنح خطة التطوير فرصة حتى نصل الى ما بلغته الدول المتقدمة مثل ألمانيا على سبيل المثال التي دائما ما نذكرها عند الحديث عن المدنية والتقدم العلمي والتعليمي والتكنولوجي.
فمع المضي قدما في خطة التطوير، سوف تتغير الثقافة المجتمعية تجاه التعليم وتجاه التعليم الجامعي والشهادات العليا، فاحتياجات سوق العمل تشهد تغييرات كبيرة وتلبية تلك الاحتياجات تتطلب تطور في ثقافة المجتمع.
ألمانيا التي نضرب بها المثل في التقدم لم يعد شعبها لديه عقدة ” الشهادة العليا” الموجودة في دول العالم الثالث ومنها مصر بل أصبحت تجربة التعليم الفني لديها هي الافضل عالميا
ليس كل الالمان ولا حتى نصفهم خريجي جامعات، لكن تعليمها الفني يجعلها الافضل، ولم يكن ممكنا ان تحقق المانيا نهضتها الاقتصادية من دون تعليم متميز، خصوصا في جانبه الفني.
وقد نستغرب حين نعرف أن غالبية الشباب الألماني في السنوات الأخيرة يتوجه نحو المهنة وأن أكثر من 80% من الشباب في ألمانيا يسلك طريق التعليم المهني في المدارس والمعاهد المتوسطة في حين لا يلتحق أكثر من 15% منهم بالجامعات، فنظام التعليم المهني الجيد يتطلب التطوير المستمر من خلال استيعاب المهن الجديدة حسب حاجة السوق.
وعلينا أن نعرف أيضا ان نظام التعليم في المانيا جعل صادراتها لتبلغ 1.5تريليون دولار بما يمثل الاقتصاد الثالث علي مستوي العالم بعد الصين وامريكا، وربما يتكون الأولى من حيث الجودة.
لكن قد يقول قائل وأين نحن من حجم إنفاق ألمانيا على التعليم حتى نصل الى هذا المستوى المتقدم…؟
فألمانيا أنفقت على التعليم بمختلف مستوياته في المانيا في العام 2018 حوالى 138,8 مليار يورو وبزيادة 4,6 مليار يورو او ما نسبته 3,5%، عن العام الذي سبقه. بحسب تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي، أى يمكن أن يقترب هذا المبلغ حاليا من 150 مليار يورو، في حين أن ميزانية التعليم في مصر سجلت 132 مليار جنيه خلال العام المالي 2019 / 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 14 % عن العام السابق عليه.
المهم هنا ليس في المقارنة وحجم الانفاق- رغم أهميته- ولكن في وضوح الهدف من خطة تطوير التعليم وبالتالي مخرجاته وتواكبه مع متطلبات واحتياجات سوق العمل.
التعليم في ألمانيا يعد نموذجًا فريدًا من نوعه بين أنظمة التعليم الأخرى في العالم، ومجال التعليم الفني والمهني أحد المجالات التي حظت بالكثير من العناية والاهتمام، فقد انتشر هذا النوع من التعليم بشكل واسع، وكرست الجهود لترسيخه في المجتمع بمنهج وأسلوب، كان لهما الأثر في دفع عجلة التطور والانتاج الصناعي الذي تحتل فيه ألمانيا اليوم رتبة متقدمة بين الأمم، فهى إحدى الدول الصناعية والاقتصادية الكبرى في العالم اليوم.
فبعد انتهاء مرحلة التعليم الابتدائي في ألمانيا، يحدد مستوى أداء التلميذ في امتحان نصف العام من السنة الرابعة الابتدائية، الاتجاه الذي سوف يسلكه بعد ذلك في حياته، حيث ينتقل الطلاب إلى مدارس تكميلية، وفي ألمانيا أربعة أنواع أساسية من المدارس التكميلية في مجال التعليم الفني، هي المدرسة الرئيسية ، المدرسة العملية( الفنية) ،النظام الثنائي، المعاهد التخصصية العليا المدارس التعليمية باليوم التعليمي الكامل. وتتراوح فترة الدراسة في هذه المدارس ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات ونصف.
والحديث يطول في التفاصيل عن التعليم الفني والتعليم المزدوج في ألمانيا. لكن يبقى السؤال وكيف نستفيد من نظام لتعليم الفني في ألمانيا..؟
في 22 يونيو الماضى التقى الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم والتعليم الفني مع سيريل نون سفير ألمانيا لدى القاهرة والوفد الألماني المرافق له لمناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك في مجال تطوير التعليم وخاصة التعليم الفني والاستفادة من الخبرات الألمانية في مجال تطوير التعليم، وتنمية الكوادر البشرية فى مجال التعليم الفني، والتحول الرقمي، وفقًا لمعايير الثورة الصناعية الرابعة.
وقال الوزير ان مستقبل التعليم الفني سيكون مختلفًا، حيث تعمل الوزارة على جذب المزيد من الطلاب، عن طريق ربط التعليم الفني بأكمله بسوق العمل المصري والعربي والعالمي، واستحداث تخصصات جديدة كالذكاء الاصطناعي والمجوهرات والبرمجة وعمل الموانئ لتلبية احتياجات سوق العمل، مشيدًا بالمدارس الألمانية في مصر والتي تتمتع بسمعة جيدة، نظرًا لجودة ما تقدمه من مستوى تعليمي متميز، والإقبال الكبير على الالتحاق بها.
وناقش الجانبان سبل دعم المدارس الألمانية في مصر والتي يبلغ عددها 7 مدارس، والشراكة مع معهد جوته، ونشر اللغة الألمانية في المدارس المصرية، وبرامج تدريب المعلمين، بالإضافة إلى مناقشة إعداد وتأهيل طلاب التعليم الفني وتوفير وإتاحة فرص عمل لهم بسوق العمل الألماني.
وكل أمنياتنا بالفعل أن نستفيد من التجربة الألمانية في التعليم الفني وتجربة لتعليم المزدوج حتى نتخلص قريبا من كابوس مزعج بلاداعي …اسمه الثانوية العامة.
بقلم
عادل السنهوري